يؤكد موظفون أن صعود الحركة القومية الهندوسية لم يستثن "غوغل"، ففي إبريل/نيسان الماضي، كان مقرراً أن تلقي المؤسسة والمديرة التنفيذية لـ "إكواليتي لابز"، وهي منظمة غير ربحية للدفاع عن طبقة الداليت (المنبوذين) في الهند، تينموري سوندراراجان، كلمة أمام موظفي خدمة "غوغل نيوز"، بمناسبة شهر تاريخ الداليت، لكن موظفي الشركة بدأوا بنشر معلومات مضللة حولها، واتهموها بأنها تعاني "رهاب الهندوسية" وبأنها "مناهضة للهندوس"، وذلك في رسائل وجهوها إلى المسؤولين، وفقاً لوثائق وتصريحات داخلية حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست. الداليت هم من بين أكثر مواطني الهند تعرضاً للاضطهاد، وقد تزايدت حوادث الاغتصاب والقتل للفتيات المنتسبات لتلك الطبقة من قبل منتسبين لطبقات أعلى في السلّم الهندوسي.
وفق ما أفادت به الصحيفة الأميركية الخميس، فإن سوندراراجان ناشدت الرئيس التنفيذي في "غوغل" ساندر بيتشاي، وهو ينحدر من الطبقات العليا في الهند، أن يتدخل ويسمح لها بإلقاء كلمتها. لكن الحدث ألغي، مما دفع الموظفين إلى الاستنتاج بأن "غوغل" تتجاهل عمداً التحيز الطبقي. كبيرة المديرين في "غوغل نيوز" التي دعت سوندراراجان إلى إلقاء الكلمة، تانوجا غوبتا، استقالت بعد ما حصل، وفقاً لنسخة من رسالة الوداع التي نشرت داخلياً الأربعاء واطلعت عليها "واشنطن بوست".
حقق المهندسون الهنود حضوراً بارزاً في سيليكون فالي، وكذلك نظام الطبقات؛ إذ انتقل الكثير من الهنود إلى الولايات المتحدة للعمل في شركات التكنولوجيا، والعديد من الرؤساء التنفيذيين في أكبرها هم من أصل هندي، وبينهم بيتشاي، وباراغ أغراوال في "تويتر"، وساتيا ناديلا في "مايكروسوفت". ويزعم بعض الموظفين أن أنماط التمييز حاضرة داخل شركات سيليكون فالي.
قالت سوندراراجان، التي ألقت محاضرات حول الطبقات الاجتماعية في "نتفليكس" و"مايكروسوفت" و"أدوبي" وغيرها، إن "إكواليتي لابز" بدأت بتلقي دعوات إلى شركات التكنولوجيا بعد الاحتجاجات التي أعقبت مقتل جورج فلويد. وأضافت أن "معظم المؤسسات لن تقدم على ما أقدمت عليه غوغل. هذا أمر سخيف".
يقول المراقبون لتحركات "غوغل" في مجال تعزيز التنوع والمساواة إن ما حصل مألوف، إذ تطلب مثلاً من النساء السوداوات النضال من أجل التغيير، ثم تعاقبهن على نشاطهن.
في رسالة الوداع الإلكترونية لغوبتا، تساءلت عما إذا كانت "غوغل" تريد فعلاً تعزيز التنوع فيها. وكتبت: "الانتقام ممارسة معتادة في غوغل خلال تعاطيها مع النقد الداخلي، والنساء يتلقين الضربة كل مرّة". غوبتا كانت إحدى منظمات المسيرة التي انطلقت عام 2018، وشارك فيها نحو ألفي موظف في "غوغل" حول العالم، احتجاجاً على طريقة تعاملها مع شكاوى التحرش الجنسي. المنظمون الستة الآخرون تركوا كلهم الشركة قبلها.
في المقابل، قالت المتحدثة باسم "غوغل"، شانون نيوبيري، إن "لا مكان للتمييز الطبقي في مكان عملنا. لدينا أيضاً سياسة واضحة جداً ضد الانتقام والتمييز في مكان العمل".
تركز "إكواليتي لابز" على التوعية بشأن الطبقات الاجتماعية في هذه الشركات. ومن خلال الدعوة إلى الإشراف على المحتوى، طورت الشركة شبكة قوية من العاملين في مجال التكنولوجيا من فئة الداليت. قبل يومين من كلمة سوندراراجان، أرسل سبعة من موظفي "غوغل" رسائل إلى مسؤولي الشركة وإلى غوبتا، "بلغة نارية حول شعورهم بالأذى وبأن حياتهم مهددة جراء مناقشة مسألة المساواة بين الطبقات". وانتقل الجدل داخل "غوغل" إلى مجموعة بريد إلكتروني تضم 8 آلاف موظف من جنوب آسيا، وفق ما بيّنه ثلاثة موظفين حاليين لـ "واشنطن بوست".
بعد نشر غوبتا رابطاً في مجموعة البريد الإلكتروني لعريضة تطالب بالسماح لسوندراراجان بإلقاء كلمتها، جادل الحاضرون بأن التمييز الطبقي غير موجود، وبأن الطبقة الاجتماعية لا تعني شيئاً في الولايات المتحدة، وبأن الجهود المبذولة لزيادة الوعي في هذه القضايا في الولايات المتحدة ستؤجج المزيد من الانقسام. ووصف البعض الإنصاف الطبقي بأنه شكل من أشكال التمييز العكسي ضد الطبقات الأعلى مرتبة بسبب نظام العمل الإيجابي في الهند الذي يتيح لهم الوصول إلى التعليم الأفضل والوظائف الحكومية.
بالنسبة لسوندراراجان، فإن "غوغل" تأخرت كثيراً في فتح محادثة حول المساواة بين الطبقات، فرئيسها التنفيذي هندي من طائفة براهما (الطبقة العليا)، ونشأ في تاميل نادو. وقالت: "لا يمكنك أن تترعرع في تاميل نادو ولا تعرف شيئاً عن الطبقات الاجتماعية". وأضافت أنه "إذا كان بإمكانه (بيتشاي) الإدلاء ببيانات عاطفية حول التزامات غوغل بشأن المساواة في التنوع والشمول، في أعقاب مقتل جورج فلويد، فعليه بالتأكيد أن يقدم الالتزامات نفسها إزاء المكان الذي قدم منه حيث يتمتع بامتيازات".
كما أكدت سوندراراجان أن بيتشاي لم يرد على الرسالة التي وجهتها له في إبريل. ورفضت "غوغل" التعليق. ووفقاً لغوبتا وسوندراراجان، فإن قرار إلغاء كلمة الأخيرة اتخذته نائبة رئيس قسم الهندسة، كاثي إداوردز، التي لا تتمتع بأي خبرة في هذه المسألة.