الممثلون والممثلات السوريون... وجوه لا يعبرها الزمن

20 ابريل 2022
يترك هذا التشابه في الوجوه المشاهد أمام أسئلة كثيرة (نذير الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -

فقدت عمليات التجميل التي تخضع لها الممثلات خصوصاً هالة السلبية المحيطة بها. قسم كبير من النسويات دافعن عنها، ورأين فيها حقاً من حقوق المرأة في التحكم في جسدها، واختيار الشكل الذي ترغب أن تظهر فيه. هذا ما فعلته أورلان، الفنانة الفرنسية صاحبة مانيفستو "الفن الجسمانيّ"، التي أجرت عمليات التجميل مباشرة أمام الناس في ثمانينيات القرن الماضي. اشتد الأمر مع الألفية الجديدة، مع هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، لتتحول عمليات التجميل إلى نوع من الفلاتر، كأنف "إنستغرام" الذي يظهر الوجه على الشاشة أكثر ملاءمة لعدسة الكاميرا.

نشاهد الآن المسلسلات الرمضانية، ولا يحتاج الأمر للكثير من النقاش كي نرصد أثر عمليات التجميل على الوجوه التي نراها، تلك التي إن ذكرنا أسماء أصحابها، سنُتهم بمعاداة النسويّة، ومحاولة الهيمنة على معايير الجمال، وفرض النظام الذكوري بأكمله على الأداء السيئ الذي نراه.

ما نحاول الإشارة إليه هو بعض العلامات الغريبة التي تكسر شرط المشاهدة التي سببتها "وجوه" الممثلين والممثلات. مثلاً، أصبح هناك عدد كبير من الممثلات اللواتي يمتلكن ذات الوجه، وذات العمر... الزمن لا يتدفق عبر وجوههن، ويلعبن أدوار شخصيات أعمارها بين 30 و60، من دون أي محاولة لبذل جهد يدلّ على تقدم العمر، ما يعطل شرط التصديق؛ فجسد الفرد لا يتلاشى وراء الشخصية. أحد الممثلين، مثلاً، رأيناه العام الماضي يؤدي دور المراهق في عدة مسلسلات، رغم أنّه تجاوز الخمسين. لكنّ وجهه لا يتحرك، لا يحوي أي علامة، شباب أبديّ.

ينسحب الأمر على الممثلين والممثلات الآن، خصوصاً المخضرمين أو النجوم، أعمارهم موحّدة، والأهم لا اختلاف بين وجوههم. لن نشير إلى علاقة المشاهد مع تصديق ما يراه، أو أدنى مستويات التماهي، بل عن التشابه نفسه؛ إن كان للجميع ذات الوجه، فكيف نرصد الاختلاف بين أدائهم، ومشاعرهم؟

هذا التشابه يحيلنا بصورة متحذلقة إلى نظام الهيمنة نفسه، حيث كلّ السوريين، حسب تصريح قديم لوزير الدفاع السابق مصطفى طلاس، "قادرون أن يكونوا حافظ الأسد". بشكل آخر، تشابه الوجوه يحمل قراءة سياسية، وليست فقط جماليّة، هم "أبديون"، عصيون على التغيير، ما هدد الأداء التمثيلي نفسه، ولو تبدل "الأشخاص"، تبقى الوجوه نفسها، وأسلوب الضحك نفسه، وأسلوب البكاء نفسه. ما من تجاعيد على وجه أحد. الشفاه نفسها، الخدود هي هي، وكذلك الجبهات العصية على الحركة. هم أيقونات يرددون ذات الخطاب السياسيّ الموافق عليه والمسموح به.

من الصعب توظيف أي منطق، عند الحديث عن وجوه الممثلات، فأي محاولة للانتقاد أو إبداء الرأي، أو حتى الإشارة إلى بعض العيوب التي تصل إلى تشوهات، ستقابل بموجة من الصوابية السياسية، والحرمان من حق المشاهد بإبداء رأيه في ما يظهر أمامه، فضلاً عن تردد مفهوم "الجمال الطبيعي"، ذاك الذي أشارت المخرجة السورية رشا شربتجي مرة إلى انقراضه، وحثت الممثلات على الاقتداء بمنى واصف، التي لم يمس وجهها مبضع جراح (نظرياً).

لكن، ما هو الجمال الطبيعي حقيقةً؟ حتى هذه الحجة يمكن أن تقلب على شربتجي نفسها؛ إذ لا يوجد تعريف للجمال الطبيعي، ولا حدود تاريخيّة وجمالية له. الأمر شديد الحساسية، خصوصاً حين نقارن تلك الوجوه التي تظهر على الشاشة. لا يوجد من لا يخضع للمكياج وتحسين الإضاءة، وغيرها من العوامل التي تظهر الوجه بصورة لا يمكن أن توجد على أرض الواقع.

هذا الميل نحو التشابه، بشقيه الجمالي والطبي، يهدد عملية المشاهدة نفسها، ويترك المشاهد أمام نوع من الحزورة، لا تتعلق بالعلاقة بين الشخصية والممثل التي يؤديها، بل بمحاولة تخمين كم العمليات التي أجراها، ومواضعها، ومدى احتراف ومهارة الطبيب الذي أنجزها، وكأنّنا أمام أيقونات نحاول اكتشاف تاريخها، وما مرّ عليها من تغيرات بعد الترميم.

المساهمون