المتحف الفلسطيني: مرافق وفرق احترافية لحفظ وترميم الأقمشة التراثية

26 يوليو 2023
يبدأ الترميم بدراسة دقيقة لحالة القماش (بديعة زيدان)
+ الخط -

تقف الشابّة سلمى أبو مريم أمام ثوب مطرّز يعود لعام 1910 من منطقة الجليل الفلسطيني المحتل، لتشرح من داخل "استوديو الترميم" في المتحف الفلسطيني ببلدة بيرزيت الطريقة التي رُمّم بها.

وأطلق المتحف الفلسطيني، اليوم الأربعاء، مرافق جديدة متخصصة في حفظ وترميم الأقمشة والأثواب والمطرّزات التراثية، تتضمن فضاءً جديداً مُهيّأً لحفظ وتخزين الأقمشة، ومختبراً جديداً لترميم الأقمشة التراثية، يقوم عليها فريق المجموعات في المتحف، بحيث جُهّزت لتلبية احتياجات صيانة مجموعة المتحف الدائمة، والمجموعات الخاصة بالمؤسسات والأفراد.

وأبو مريم ورفيقتها براء بواطنة من فريق وحدة المجموعات والترميم في المتحف الفلسطيني، وقد بِتن من بين المتخصصّات في ترميم المطرّزات والأقمشة التراثية، بما فيها الأثواب.

وخضعت الشابات لتدريبات متخصصة حول ترميم الأقمشة والأثواب التاريخية على مدار شهر، العام الماضي، في متحف فكتوريا وألبرت بالعاصمة البريطانية لندن، أحد أكبر متاحف العالم للفنون والتصميم، أتيح خلالها للفريق فرصة التعامل مع أنواع مختلفة من الأقمشة، والتدرب على صياغة وتحضير مواد الترميم الكيماوية، وممارسة الترميم الفعلي على أثواب من مجموعة المتحف.

وتشرح أبو مريم أنها والمُرمّمات من فريق المتحف الفلسطيني، وقبل الشروع بالترميم يدرسن بدقة حالته، ومدى الضرر الذي يعانيه، وما يحتاجه من ترميم، وآليات الترميم والعمل الواجب استخدامها تبعاً لذلك، ومن بينها: الترطيب، والترقيع باستخدام خيوط حريريّة ناعمة للغاية، وتثبيت قطع من الداخل، وغير ذلك.

ويعدّ هذا المشروع رياديّاً. تؤكد أبو مريم لـ"العربي الجديد" أنها الآن قد تكون في الموقع الوحيد لترميم الأقمشة التراثية، ليس فقط في فلسطين بل في منطقة الشرق الأوسط، ومن بين القليل من المتخصصّات والمتخصّصين في هذا النوع من الترميم.

ووُلد المشروع بدعم من مؤسسة التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (إِلف)، وبالشراكة مع متحف فكتوريا وألبرت البريطاني، بالتزامن مع يوم الزي الفلسطيني، ولمناسبة مرور قرابة العامين على قرار اليونسكو الخاص بإدراج التطريز الفلسطيني والأعمال المرتبطة به على لائحة التراث الثقافي العالمي غير المادّي، وبما يتسق مع أهداف المتحف في توثيق التراث الثقافي الفلسطيني، وحمايته، وإتاحته للمجتمعات المحليّة والجمهور الأوسع.

تراث فلسطيني
(بديعة زيدان)

وأشارت المديرة العامة للمتحف الفلسطيني، عادلة العايدي هنيّة، إلى أن افتتاح المرافق المتخصصة هذه يتزامن مع إطلاق برنامج توعوي يقدّم الإرشاد والتدريب للمؤسسات والأفراد المهتميّن في مجال حفظ التراث الماديّ في فلسطين، كما يرافقه برنامج عام وتعليمي موجّه للجمهور، لرفع المستوى المعرفي حول الممارسات المُثلى لحماية وحفظ التراث الثقافي، وخصوصاً المطرّزات في فلسطين.

وشددت العايدي على دور الفلسطينية المغتربة، مها الحلبي ربيع، التي كانت بين الحضور على منصة الإعلان عند إطلاق المرافق الجديدة بالمتحف، هي ورفيقاتها في لجنة المحافظة على التراث الفلسطيني في واشنطن بالولايات المتحدة الأميركية، والتي قدمت للمتحف قرابة الثمانين ثوباً نادراً شكّلت النواة لهذا المشروع الآخذ بالنمو والتطور، وذلك على إثر حملة التمويل الجماعي التي أطلقها المتحف في 2021 بعنوان "80 قصّةً وثوباً من الشتات للبلاد"، والتي تمكّنت من خلالها من استعادة الأثواب النادرة التي قدمتها الحلبي ورفيقاتها من أميركا إلى الوطن.

وقصّت الحلبي حكاية الأثواب، لافتةً إلى أنه في 1987، كان هناك مقتنٍ يجمع الأثواب القديمة، وجاء إلى واشنطن لتنظيم معرض فيها لمقتنياته منها، في رواق كان قد أغلق أبوابه قبيل وصوله إلى الولايات المتحدة بفترة وجيزة.

وتسرد الحلبي: "كان بحوزته أكثر من سبع حقائب كبيرة، وكنّا نخشى على مصير الأثواب حال عاد بها"، فتشكلت على الفور منها ومن فلسطينيّات أخريات لجنة الحفاظ على التراث الفلسطيني، وسُجّلت رسمياً في أميركا، و"رُهن منزل إحدانا لندفع للرجل قيمة هذه المقتنيات الثمينة من الأثواب، قبل أن تباشر اللجنة فيما بعد الترخيص بحملة تبرعات تمكنت على إثرها من جمع مبلغ رهن المنزل، والتحصّل على الأثواب".

وتضيف: "كان هدفنا أن نعرض هذه المجموعة الثمينة التي تعكس تاريخ فلسطين وحضارتها، والمحافظة عليها بحالة جيّدة بقدر ما نستطيع لكون لا خبرة لدينا في هذا المجال.. عُرضت في أهم المتاحف والجامعات بظروف جيّدة نسبيّاً، وفي وقت لاحق قررنا إعادتها إلى فلسطين، ووجدنا أن المتحف الفلسطيني هو العنوان الأبرز لعودة الأثواب إلى الوطن، ومع الوقت أدركنا أننا اخترنا المكان الآمن لذلك".

آداب وفنون
التحديثات الحية

وكان الفلسطيني، عبد السميع أبو عمر، ومنذ خمسينيات القرن الماضي، يقتني الأثواب الفلسطينية من مختلف أنحاء البلاد، حتى باتت لديه واحدة من أكبر المجموعات ذات العلاقة بالأثواب والمقتنيات التراثية، وفي الثمانينيات من القرن نفسه، باع العشرات من الأثواب التي جمعها إلى فلسطينيات في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن المتحف الفلسطيني احتفى، وفي مثل هذا الوقت من السنة قبل عامين، بإعادتها إلى فلسطين، بعد اقتنائها وحفظها من قِبل سيّدات لجنة الحفاظ على التراث الفلسطيني.

ونجح المتحف الفلسطيني وقتذاك، بعد عملية معقدة، في استعادة 240 قطعة تراثية، تتضمّن 80 ثوباً مع أكسسواراتها، وقطعاً أخرى مُطرّزة، علاوة على حليّ متنوعة، وأخرى تؤرخ لفلسطين بكامل جغرافيتها، بحيث وصلت هذه المجموعة بطريقة أشبه بالتهريب، حيث كان الخوف من مصادرتها من قبل سلطات الاحتلال سيّد الموقف، فنُقلت إلى فلسطين على مراحل.

تراث فلسطيني
(بديعة زيدان)

وأشارت العايدي في حفل الإعلان عن إطلاق مرافق مَتْحَفيّة متخصصة لحفظ وترميم الأقمشة التراثية، إلى أنه، وبعد عودة الأثواب الثمانين إلى فلسطين شُخّص وضعها المادي وحاجتها إلى الترميم، كما وثّقتها فرق المتحف بالصور والمعلومات التفصيليّة عن كل منها لتكون متاحةً عبر موقع المتحف الفلسطيني الإلكتروني قريباً، كاشفةً بأن المتحف نفّذ مسحاً ميدانياً، وأنشأ قاعدة بيانات لمجموعات المطرزات والأقمشة التراثية الفلسطينية الموجودة في المنطقة العربية، لدى المؤسسات غير الحكومية والأفراد.

وقدّم مدير وحدة المجموعات والترميم في المتحف الفلسطيني، بهاء الجعبة، عرضاً تفصيلياً حول مراحل تجهيز المخزن والمختبر والتدريب، موضحاً الأهمية الكبيرة لتجهيزها بما يخدم مجموعة الأثواب المحفوظة في المتحف.

ولفت إلى أن المختبر سيفتح أبوابه لترميم المجموعات الخاصة والأفراد من الراغبين في الحفاظ على مجموعاتهم من الأثواب والمطرّزات خلال النصف الثاني من العام المقبل.

وأشار إلى أنه وبالتعاون مع متحف فكتوريا وألبرت البريطاني، اقترب المتحف الفلسطيني من إنجاز ترميم ثوب نادر من مجموعة متحف طراز في الأردن لصاحبته وداد قعوار، ما يعكس فلسفة المتحف في الحفاظ على الموروث الفلسطيني، وخاصة المطرزات والأقمشة التراثية من خلال هذا المشروع، من خارج مجموعة المتحف الخاصة.

وبرفقة زميلتيه مُرمّمتَي الأقمشة التراثية براء بواطنة وسلمى أبو مريم، ومن داخل "استوديو" الترميم، قدّم الجعبة ورفيقتاه شرحاً للحضور حول الاستوديو والمخزن والمرافق الجديدة التي أُطلقت بالأمس، مشيراً في حديث مع  "العربي الجديد" إلى أن تجهيز المخزن تطلّب توفير غرفة منفصلة بدرجة حرارة ورطوبة ثابتتين مع كامل المستلزمات الأخرى، من معدات للتغليف والتأثيث مخصصة للاستخدام المتحفي، بينما تطلّب تجهيز المختبر تزويده بالمعدات اللازمة للتكييف والتعقيم وتحضير المواد الحافظة.

المساهمون