المتاحف في نيويورك: بيان في الصمت والإبادة

23 فبراير 2024
من تظاهرة تضامنية في مانهاتن (الأناضول)
+ الخط -

قبل أيام، أصدر أكثر من 100 عامل في المتاحف والمؤسسات الثقافية في نيويورك بياناً للتوقيع، يدين الصمت المُشين لمؤسساتهم إزاء ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من إبادة جماعية في قطاع غزة، بدعم عسكري ومالي من الولايات المتحدة الأميركية. دعا البيان إلى الرفع الفوري للحصار عن قطاع غزة، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين الفلسطينيين، وإنهاء التواطؤ الغربي مع الصهيونية.
يوضح البيان الذي وصل عدد الموقعين عليه حتى الآن إلى أكثر من 250 من العاملين في متاحف نيويورك، كيف أن مشروع الإبادة الجماعية الصهيوني لم يبدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بل منذ بداية الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية عام 1948: "خلال هذه السنوات، مارست إسرائيل عمليات سلب الأراضي والممتلكات، وانتهاك حقوق الإنسان، والفصل العنصري. وهي اليوم تفرض حصاراً محكماً ومستمراً على قطاع غزة، في استمرار وتصعيد للإبادة الجماعية التي ترتكبها".

اغتيال الصحافيين والفنانين

يسترسل البيان في ذكر الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة منذ بداية العدوان، مع التركيز على الجرائم المتعلقة بالثقافة. يذكر البيان أن إسرائيل لم تكتف بقصف المنازل والمدارس والمستشفيات والجامعات، بل اغتالت أيضاً صحافيين وكتاباً وفنانين وأكاديميين، ودمرت أكثر من مائة موقع تراثي وأثري، بما في ذلك الأرشيف المركزي لمدينة غزة. هذا كله يُعد هجوماً متعمداً على التراث الفلسطيني. يُشار إلى أن طيران جيش الاحتلال الإسرائيلي قد قصف مبنى الأرشيف المركزي لمدينة غزة في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. كان الأرشيف يحتوي على الآلاف من الملفات والوسائط والمستندات التي تغطي أكثر من 150 عاماً من النشاط الثقافي والاجتماعي الفلسطيني.
يوجه البيان اللوم إلى المتاحف والمؤسسات الثقافية في مدينة نيويورك التي تدّعي الالتزام بالعدالة والعمل الاجتماعي والإنصاف، غير أن صمتها جعلها متواطئة في قتل أكثر من 29 ألف شخص في فلسطين، مع وجود آلاف آخرين محاصرين تحت الأنقاض الناجمة عن القصف المتواصل.
كما يشير بيان موظفي المتاحف إلى مصادرة المؤسسات الثقافية في الولايات المتحدة للأصوات المعبّرة عن هذه المأساة، ومعارضتها بشكل صريح للأنشطة المؤيدة لفلسطين. كما يشير أيضاً إلى إخضاع موظفي هذه المؤسسات لإجراءات رقابية غير مسبوقة منذ بداية العدوان على قطاع غزة. يدعو البيان المؤسسات الثقافية إلى قطع ارتباطها بالصهيونية، كما يدين كافة أشكال التمييز والمعاملة الانتقامية ضد الفنانين والعاملين في مجال الثقافة، بسبب تحدثهم علناً ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل.
يشير البيان إلى أن تقاعس هذه المؤسسات عن الرد على هذا الاعتداء السافر على المعالم الثقافية والإبادة الجماعية التي تُرتكب في حق الفلسطينيين، يتناقض بشكل مباشر مع قيمها المعلنة المتمثلة في حماية التراث الثقافي. يذكر الموقعون أن هذا الصمت قد استمر بشكل مريب على الرغم من الاحتجاجات التي عمّت مدينة نيويورك طوال الأشهر الماضية، وكان بعضها على أبواب المتاحف. يذكر البيان أيضاً أن بين أكثر من سبعة آلاف احتجاج شهدها العالم حتى الآن من أجل فلسطين كان هناك أكثر من 400 احتجاج في مدينة نيويورك وحدها.

المتاحف والتجمّعات الثقافية

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، صدر عدد من البيانات المساندة لفلسطين عن العديد من الائتلافات والتجمعات الثقافية في الولايات المتحدة الأميركية، مثل: بيان كتّاب ضد الحرب على غزة، وفنانون ضد الفصل العنصري، وعمال السينما من أجل فلسطين. كما أنشأ النشطاء دليلاً لتتبع تجاوب أو عدم تجاوب المؤسسات والتجمعات الثقافية مع حركة التحرير الفلسطينية.
في أعقاب هذا البيان الصادر عن العاملين في المتاحف والمؤسسات الثقافية، أصدر العاملون في متحف الفن الحديث (MOMA) بياناً مستقلاً أعربوا فيه عن استيائهم من الصمت العميق لإدارة المتحف إزاء ما يحدث في قطاع غزة. يعلن البيان المساندة التامة لحق الشعب الفلسطيني في نيل حريته، ويستنكر الاتهامات الدائمة الموجهة لمنتقدي إسرائيل بمعاداة السامية. يؤكد البيان أن الصهيونية ليست مرادفة لليهودية وليست ممثلة لها، وبالتالي فإن انتقاد العنف الذي يُرتكب باسم الخطاب الصهيوني، لا يشكل بأي حال من الأحوال أي معاداة للسامية. اعتبر البيان أن موجة العداء والكراهية المتزايدة للإسلام ومعاداة السامية، هما نتيجة حتمية ومباشرة للجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
يشير البيان إلى تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في 31 يناير/كانون الثاني الماضي؛ إذ يذكر أن أكثر من مائة ألف من سكان غزة إما قتلوا أو أصيبوا أو فقدوا، إلى جانب أكثر من مليون نازح، ولهذا يجب الاعتراف بالهجمات الإسرائيلية باعتبارها إبادة جماعية. يلخص العاملون بالمتحف أهدافهم في مطالبة إدارة المتحف بالانضمام إلى الأصوات الداعية لوقف إطلاق النار ووضع حد للإبادة الجماعية والحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة. كما طالبوا الإدارة أيضاً بالالتزام بالحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل. وقد وجّه البيان الدعوة إلى العاملين الحاليين والسابقين والفنانين والمتعاونين الذين عرضوا أعمالهم في متحف الفن الحديث في نيويورك، إلى جانب الزوار والمانحين للتوقيع على هذا البيان. وقد وقع على البيان حتى الآن أكثر من خمسين موظفاً حالياً، كما انضم إليهم خلال الساعات القليلة الماضية مئات الموظفين والمتعاونين السابقين والفنانين.

جاء هذا البيان بعد أيام قليلة من تجمع متظاهرين مؤيدين لفلسطين في متحف الفن الحديث وتوزيع منشورات تشير إلى علاقات خمسة أمناء للمتحف بصفقات الأسلحة الإسرائيلية وتكنولوجيا المراقبة. كان من بين هؤلاء الأمناء ليون بلاك، ملياردير الأسهم الخاصة الذي يرتبط بعلاقات مع جيفري إبستين، وكذلك لاري فينك، وباولا كراون، وماري خوسيه كرافيس، ورونالد إس لاودر.

المساهمون