القوانين الروسية الجديدة: تضييق على الطريقة السوفييتية

03 يناير 2021
تقفل القوانين الجديد الباب على أي حرية إعلامية(سيرغي فاديشيف/تاس)
+ الخط -

تبنت السلطات الروسية تعديلات على قوانين النشر وتنظيم عمل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، هي الأقسى منذ عقود تعيد التذكير بقوانين الاتحاد السوفييتي، وتضييقه على الإعلام، وحرية الكلمة. وفي استكمال لسلسلة قوانين جدلية تحدّ من حرية النشر في الصحف والمواقع الإلكترونية، وتفرض رقابة صارمة على وسائل التواصل الاجتماعي في روسيا، وقّع الرئيس فلاديمير بوتين الأربعاء الماضي على قانونين: الأول حول "الوكلاء الأجانب"، ويشمل الصحافيين الأجانب والخبراء في المنظمات التي تتلقى تمويلاً من الخارج، والثاني يسمح لهيئة الرقابة الروسية على الإعلام (روسكومنادزور) إنزال عقوبات بوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. وتراوح العقوبة بين فرض غرامات مالية وحظر الوصول إلى هذه المواقع في البلاد. 

وتفرض القوانين التي تبناها مجلس الدوما (البرلمان) والاتحاد (الشيوخ) قيوداً إضافية على المنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام، والشبكات الاجتماعية، والسياسيين، والناشطين، والصحافيين، والمدرسين، والمواطنين الناشطين سياسياً.
 
العملاء الأجانب
ويوسع القانون الأول الذي وقّع عليه بوتين اليوم قائمة العملاء الأجانب، إذ يمكن اعتبار أي روسي يقود نشاطاً سياسياً ويتلقى أموالاً أو مساعدة تنظيمية ومنهجية من الخارج، عميلاً أجنبياً. ويلزم القانون وسائل الإعلام بوضع إشارات عند ذكر جميع الوكلاء الأجانب، وينطبق الأمر على الكيانات القانونية والجمعيات العامة، وحتى الأفراد المعترف بهم كوكلاء أجانب.

ويجب على الصحافيين ووسائل الإعلام الروسية التحقق من أن الخبير أو الصحافي ينطبق عليه قانون "العملاء الأجانب" والإشارة إلى ذلك في النصوص المكتوبة إذا قررت الحصول على تعليق للأخبار أو المقالات. ويساوي القانون الجديد بين  المنظمات الإرهابية والوكلاء الأجانب عملياً. فوسائل الإعلام الروسية ملزمة بإضافة لازمة "إرهابية محظورة في روسيا" عند ذكر "داعش" أو "هيئة تحرير الشام" على سبيل المثال، والآن بات عليها القيام بالمثل عند ذكر صندوق مكافحة الفساد أو حتى مركز ليفادا لاستطلاعات الرأي. فيجب الإشارة إلى أن هذه المنظمات معترف بها كعملاء أجانب، وفي حالة عدم الامتثال لهذا المطلب، تواجه وسائل الإعلام غرامة تراوح بين 4 و5 آلاف روبل (54 إلى 67 دولاراً) للأفراد، ومن 40 إلى 50 ألف روبل (540 إلى 670 دولاراً) للكيانات القانونية. القانون نفسه سيطبّق على المواطنين العاديين والمدونين، في سعي واضح من السلطات الروسية إلى تقليل الاستشهاد والاقتباس من الوكالات والأفراد المصنّفين ضمن "العملاء الأجانب".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ويضع القانون الجديد وسائل الإعلام الروسية أمام خيارات صعبة، خاصة عند رغبتها في الاستشهاد بصحافيين وخبراء روس يعملون لمؤسسات مدرجة ضمن "العملاء الأجانب"، أو صحافيين أجانب معتمدين في روسيا. فمعظم المعلقين لا يفضلون إضافة صفة "عميل أجنبي" إلى أسمائهم، لما ينطوي عليه الأمر من تقليل في صدقيتهم، وخصوصاً في ظل ضخ الماكينة الإعلامية والدبلوماسية في روسيا أخباراً عن أن الغرب يعمل على منع تطور روسيا، وإلصاق تهم باطلة بقيادتها والتشكيك بما حققته. في المقابل، لا تريد وسائل الإعلام التعرض لغرامات وإمكانية إغلاق مواقعها. 

ويطاول قانون "العملاء الأجانب" المثير للجدل، الصحافيين والباحثين الذين يجمعون المعلومات عن قصد في مجال الأنشطة العسكرية، والعسكرية الفنية من المصادر المفتوحة. ويجب على الباحثين والصحافيين ممن يتطرقون إلى القضايا العسكرية تقديم إشعار لإدراجهم في سجل الوكلاء الأجانب قبل الانخراط في مثل هذه الأنشطة، وإلا فقد يواجهون عقوبة تصل إلى 5 سنوات في السجن. 

قانون "العملاء الأجانب" بات يشمل الأفراد كما المؤسسات

ومع أن القانون يؤكد أن "استخدام المعلومات ضد أمن الاتحاد الروسي" لا ينطبق على الحالات المنصوص عليها في المادتين الـ 275 والـ 276 من القانون الجنائي، أي التجسس أو الخيانة، فإن أي منشور حول قضايا عسكرية في مجلة أجنبية، حتى لو بُني على معلومات من مصادر مفتوحة مشار إليها في القائمة التي أعدّها مكتب الأمن الفيدرالي، قد يصبح مبرراً للمحاكمة إذا لم يسجل الشخص نفسه كعميل أجنبي ولم يقدم إشعاراً بإدراجه في السجل. وفي حال عدم قدرة  جهاز الأمن الفيدرالي على إثبات التجسس أو الخيانة، سيطبق هذه المادة، حيث تكون عتبة الإثبات أقل. ويرى مراقبون أن تطبيق قانون "العملاء الأجانب" سيكون انتقائياً على الأرجح، ويُعَدّ سيفاً مصلتاً من قبلها لاستخدامه عند الحاجة لإيقاف شخص ما، كأداة سياسية لمكافحة نشر أي معلومات وأنشطة عامة. 

وفي خطوة قد تقلص في شكل ملموس الأبحاث الأجنبية عن روسيا، يفرض قانون "العملاء الأجانب" على الباحثين الأجانب الراغبين في العمل في روسيا والحصول على معلومات من مصادر مفتوحة قد تتداخل مع قائمة المحظورات لدى الأمن الفيدرالي الروسي تقديم إشعار مسبق لإدراجهم ضمن سجل "الوكلاء الأجانب"، وبهذا يمكن الأمن الروسي ببساطة منع أي باحث أجنبي من دخول البلاد بطرده من البلد.  
 
الأخبار المزيفة 
في خطوة لتشديد الرقابة على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، وقّع الرئيس بوتين قانون "المعلومات"، بشأن تنظيم عمل شبكات التواصل الاجتماعي. ويلزم القانون شبكات التواصل الاجتماعي بكشف وحظر المحتوى غير القانوني اعتباراً من 1 فبراير/ شباط المقبل. ورفض النائب ألكسندر خينشتاين، الذي بادر إلى طرح مشروع القانون، اتهامات تفيد بأن هدف التعديلات يكمن في زيادة التضييق على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وقال في تصريحات لوكالة "تاس" الحكومية إن "الاقتراح استمرار لنهج النظام في عالم الإنترنت، وتنظيفه من المحتوى السلبي، ويتضمن آلية شفافة وواضحة للتعامل مع هيئة "روسكومنادزور" (هيئة الرقابة على الاتصالات)"، وزاد أن مشروع القانون "ينطلق من إدراك شبكات التواصل، لأنها تحظر في شكل طوعي المحتوى غير القانوني".

ويشدد المشروع الجديد القيود السابقة المقرة في 2017 المتضمنة حذف الصور الإباحية للقاصرين، والمعلومات التي تحض الأطفال على "ارتكاب أعمال غير قانونية تهدد حياتهم"، إضافة إلى حظر المعلومات عن طرق تصنيع المخدرات واستخدامها، وطرق الانتحار والدعوات إليه، وكذلك الإعلانات عن بيع الكحول، والكازينوهات على الإنترنت، وكل المحتوى الذي يهين كرامة الإنسان والأخلاق العامة. ويتفق معظم الروس مع هذه المطالب، لكن الواضح أن كل ما سبق جاء للتغطية على هدف القانون الجديد الأساسي، وهو حظر المعلومات التي تعبّر عن "عدم احترام واضح" للمجتمع أو الدولة، أو رموزها، أو دستور الاتحاد الروسي، أو الهيئات الحكومية والدعوات إلى أعمال الشغب والتطرف والمشاركة في الأحداث العامة غير المرخص لها من قبل الدولة. 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ويتعين على مالكي الشبكات الاجتماعية عدم السماح باستخدام هذه الشبكات "لارتكاب جرائم جنائية، أو الكشف عن معلومات تشكل أسرار الدولة أو غيرها من الأسرار المحمية بشكل خاص بموجب القانون، أو نشر مواد تحتوي على دعوات عامة لأنشطة إرهابية أو تبرير الإرهاب علناً، أو نشر مواد متطرفة أخرى، وستكون الشبكات الاجتماعية ملزمة بالامتثال للمحظورات والقيود المتعلقة بالانتخابات والاستفتاءات، واحترام مصالح المواطنين والمنظمات، ونشر قواعد الاستخدام.
وحسب القانون، فإنه إذا حُدِّد محتوى على أنه غير قانوني، يجب على الشبكات الاجتماعية تقييد الوصول إليه على الفور. وإذا لم تتمكن بنفسها من تقييم عدم قانونية المحتوى، يجب إرساله إلى "روسكومنادزور"، وهي ستقرر الحظر من عدمه.

قانون الأخبار المزيفة بأهداف سياسية واضحة

وينص القانون ذاته على إنشاء "روسكومنادزور" سجلاً لشبكات التواصل الاجتماعي، وضم مواقع الإنترنت إليه واعتبارها شبكات اجتماعية في حال ازدياد عدد مستخدميها على 500 ألف مستخدم يومياً، ما يعني أنه ينطبق على مواقع "يوتيوب" و"فيسبوك" والشبكات الاجتماعية الأخرى المعروفة في روسيا، مثل " فكونتاكتي" و"ادنوكلاسنيكي". وفي حالة عدم حذف هذه المنشورات، تواجه الكيانات القانونية غرامة تراوح بين 800 ألف و4 ملايين روبل (بين 11 ألفاً و54 ألف دولار تقريباً). وفي حال الرفض المتكرر لحذف المحتوى المخالف، تفرض غرامة تصل إلى عُشر الإيرادات السنوية.

تغطية التجمعات والتظاهرات بإذن خاص
العام الماضي، اعتمد مجلس الدوما قانون عدم السماح بتغطية التجمعات من دون "تصريح"،  ما يعقد عمل الصحافيين في المسيرات الاحتجاجية. ويُلزم القانون ممثلي وسائل الإعلام بارتداء علامات مميزة، تقرها وزارة الداخلية وهيئة مراقبة الإعلام. ويخول القانون السلطات تغريم الصحافيين بسبب إساءة استخدام العلامة المميزة للإعلام بمبلغ يتراوح بين 20 إلى 30 ألف روبل (بين 270 و405 دولار تقريباً)، أو 50 ساعة من العمل الإجباري. وتحضيرا للانتخابات البرلمانية المقبلة خريف 2021  تبنى مجلس الدوما قانوناً يشدد قواعد الحملات الانتخابية على الإنترنت، بعدما كان مقتصراً على وسائل الإعلام. 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

تعتيم حول حياة المسؤولين
خلال العام المنصرم، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قانونًا يفرض حظرًا على الكشف عن البيانات الشخصية لمسؤولي الأمن. ويحظر القانون على الهيئات الرسمية نشر معلومات حول الحياة الخاصة وممتلكات موظفي جهاز الأمن الفيدرالي، ووزارة الشؤون الداخلية، ومصلحة السجون الفيدرالية والإدارات الأخرى من دون موافقتهم؛ كما ينطبق هذا أيضًا على أقارب مسؤولي الأمن. وأوضح نائب المدير العام لمنظمة الشفافية الدولية في روسيا إيليا شومانوف، أن مشروع القانون لا يحظر بشكل مباشر على وسائل الإعلام نشر البيانات ذات الصلة التي تم الحصول عليها بأي طريقة أخرى (خارج إطار المحظورات)"، مستدركا أن "القانون يعقد بشكل كبير تحقيقات مكافحة الفساد"، ورجح في تصريحات لموقع " أتكريتوية ميديا"  أن "الطلب على التحقيقات سيزداد. في المقابل فإن عدد الأخطاء وعدم الدقة سيزيد ايضاً، لأنه سيكون من المستحيل التحقق من المعلومات من خلال البيانات الرسمية". واعتمدت السلطات قانونا يفرض عقوبات قاسية على نشر "الإشاعات المزيفة"، والتشهير بالمسؤولين الحكوميين وأجهزة الأمن. ويفرض القانون عقوبات حقيقية على "الافتراء" تصل إلى السجن خمس سنوات بالنسبة لوسائل الإعلام، وسنتين للناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. 

ويعتبر هذا القانون واحداً من أوضح القوانين التي تحاول فيها السلطات الروسية، التغطية على صفقات الفساد التي خرج الكثير منها إلى العلن في السنتين الأخيرتين. 

المساهمون