يخوض جمهور "نتفليكس" صراعاً افتراضياً مع المنصّة، مطالبين إياها بإكمال مسلسلها "مايندهنتر" (Mindhunter). بدأ عرض العمل في عام 2017. وفي عام 2019، عُرض الموسم الثاني منه. قبل أشهر، أعلن القائم على العمل، المخرج ديفيد فينشر، أن المسلسل سيتوقّف حتى إشعار آخر، من دون أن يؤكد أو ينفي إن كان سيتوقف نهائياً.
بين حين وآخر، تظهر إشاعات عن إمكانية عودة العمل، ويمضي محبّو Mindhunter في التعليق على صفحة "نتفيلكس" في فيسبوك، مطالبين إياها باستكماله. أخيراً، أعلنت المنصّة عن عودة ديفيد فينشر بمفاجأة، توقّع كثيرون أنها ستكون إعلاناً عن العمل على موسم ثالث من المسلسل، إلا أنّ ظنّهم خاب؛ إذ تبيّن أن سلسلة وثائقية تحمل عنوان Voir، سينطلق عرضها قريباً على "نتفليكس"، من إخراج فينشر، ولا علاقة لهذه السلسلة بـMindhunter، ولا موضوعه الأثير: القتلة المتسلسلون.
اقتُبس العمل من كتاب يحمل عنوان Mindhunter: Inside the FBI's Elite Serial Crime Unit، صدر في عام 1995، ووضعه كل من جون دوغلاس ومارك أولشاكر. كلا الكاتبين كان يعمل لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة، ويتناول كتابهما، كما المسلسل، تأسيس وحدة تحليل المجرمين (Profiling)، وتحديداً القتلة المتسلسلين. وهذا ما نراه فعلاً في المسلسل، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما هولدن فورد (جوناثان غروف)، وبيل تينش (هولت ماكالاني).
استهوى المسلسل كثيراً من متابعي المنصّة. لكنّ توقّف هذا العمل، دعا "نتفليكس" إلى إنتاج أفلام ومسلسلات وثائقية كثيرة، تتمحور حول القتلة المتسلسلين، أبرز هذه الأعمال Conversations with a Killer: The Ted Bundy Tapes وThe Confession Killer، اللذين صدرا في عام 2019، وThe Ripper الصادر في نهاية 2020، وNight Stalker: The Hunt For a Serial Killer، الذي صدر في بداية العام الجاري. وخلال 2021، صدرت أعمال أخرى تتناول قتلة متسلسلين آخرين، بينها ما ليس أميركياً، مثل Memories of a Murderer: The Nilsen Tapes، الذي يسرد قصة القاتل المتسلسل البريطاني دينيس نيلسين.
أخيراً، صدر الموسم الأول من سلسلة وثائقية أخرى، تحمل عنوان "القبض على القتلة" (Catching Killers). يتألّف الموسم الأول من أربع حلقات. هي، على الترتيب: "عدد الضحايا: قاتل النهر الأخضر"، و"قتل الرجال: أيلين ورنوس"، و"أكاذيب حقيقية، جزء 1: قاتل الوجه المبتسم"، و"أكاذيب حقيقية، جزء 2: قاتل الوجه المبتسم".
ما من جديد يلفت النظر إلى هذه السلسلة التي تحاول بها "نتفليكس"، على ما يبدو، إرضاء الجمهور المتعطّش لموسم ثالث من Mindhunter. ما من جديد بها لسببين؛ الأول أن القتلة الثلاثة الذين تتناولهم السلسلة معروفون للجمهور، وسبق أن أُعدّت عنهم وثائقيات كثيرة، عُرضت على منصّات عدة. أما السبب الثاني، فيكمن في أن الحلقات اعتمدت السرد الكلاسيكي للأعمال الوثائقية، من دون أي شيء يميزها عن غيرها.
لكن، يستوقفنا فيها أمران؛ الأول يتعلق بالحلقة الثانية، التي تتناول قضية القاتلة أيلين ورنوس، المُدانة بقتل سبعة رجال. قصة هذه القاتلة معروفة، وشاهدناها في أكثر من وثائقي عُرض على "نتفليكس" نفسها، إلى جانب فيلم Monster (2003)، الذي أدت فيه تشارليز ثيرون دور ورنوس. ما يستوقفنا في الحلقة الوثائقية، أنها أغفلت كلياً ما تعرّضت له القاتلة. كانت الأخيرة عاملة جنس، وقد اغتصبها أحد زبائنها وتسبب لها بأذى كبير، جسدياً ونفسياً، وكانت هذه الشرارة المحرّكة لكل الجرائم التي ارتكبتها لاحقاً، من خلال استدراجها للرجال الذين يريدون ممارسة الجنس معها لقاء المال، ثم كانت تأخذهم إلى إحدى الغابات، وتقتلهم هناك، وتلوذ بالفرار.
اكتفت الحلقة بتصويرها كامرأة متوحّشة سلبت عائلاتٍ رجالَها، رمّلت زوجاتهم، ويتّمت أبناءهم، ولم تتطرّق إلى تاريخ ورنوس بجدية، ليس لتبرير ما فعلته، ولكن، على الأقل، لتوضيح أنّها هي الأخرى ضحية لعائلة لم تكن حاضرة يوماً من أجلها، ولرجل اغتصبها بعنف شديد.
الأمر الثاني الذي يلفتنا في السلسلة، وهو الإيجابية الوحيدة لها، يأتي في الحلقتين الأخيرتين اللتين تتمحوران حول جرائم كيث هانتر جسبيرسون (Keith Hunter Jesperson). تبدأ القصة باكتشاف جثة لفتاة، ثم يتلقى المحققون اتصالاً من امرأة تزعم أنّها وعشيقها هما القاتلان، ويُزجّ بهما في السجن.
لم يقتنع كثيرون بهذا الاعتراف، على رأسهم الصحافي فيل ستانفورد، الذي مثّل مصدر إزعاج لنائب المدعي العام جيم ماكنتاير. عادةً، في هذه الوثائقيات، يجري تصوير الصحافيين على أنّهم كائنات فضولية مزعجة، من شأنها أن تُعطّل مجرى العدالة ومسار التحقيقات، وتُساهم في تضليل الرأي العام.
لكن، هذه المرة، ومع الصحافي فيل ستانفورد، تغيّر الأمر؛ إذ حقّق الأخير في ملابسات اعتراف المرأة، وكتب مقالات تشكّك في أنها القاتلة، استناداً إلى وقائع القضية وتفاصيل التحقيق. بطبيعة الحال، أزعج هذا الأمر نائب المدعي العام؛ إذ وجد في الصحافي مجرّد رجل فضولي يحاول أن يسرق الأضواء، خصوصاً أن القضية أُغلقت وحُسمت، والمسؤول الحكومي ليس معنياً في إعادة فتحها.
لكن، تبيّن أنّ الصحافي كان على حقّ؛ إذ ظهر بعد ثلاث سنوات من سجن المرأة وعشيقها رجلٌ اعترف بأنّه هو الذي قتل تلك الفتاة التي عُثر على جثّتها، إلى جانب سبع فتيات أخريات. انتصرت الحلقة للصحافي، على غير المعتاد، ورأينا الارتباك والخجل يرتسمان على وجه النائب العام. خرجت المرأة صاحبة المزاعم من السجن، لكن بسبب اعترافها المُضلّل، بقي القاتل حرّاً، ويصطاد.