الفيلم العربي في فرنسا: ثبات واستقرار رغم كورونا

22 ديسمبر 2020
مهدي البرصاوي مخرج الفيلم التونسي "بيك نعيش" (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تُظهر التقديرات الأخيرة لـ"المركز الوطني للسينما" في فرنسا انخفاضاً كبيراً في التردّد على دور العرض، في العام الحالي، وقد وصلت نسبته إلى -62 في المائة، مُقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

الحجر الصحّي وإغلاق دور العرض الفرنسية نحو 5 أشهر، بسبب فيروس كورونا، سَبَّبا انهياراً كارثياً مُتوقّعاً في نسبة التردّد.

وتبيّن، من الإحصاء الشهري للمركز نفسه عن السوق الفرنسية وأوضاع السينما فيها، أنّ موقع السينما الفرنسية حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أقلّ سوءاً من غيره في السوق السينمائية المحلية، إذْ إنّها الوحيدة التي ارتفعت حصّة تواجدها في الصالات من 36 في المائة عام 2019 إلى 42 في المائة هذا العام؛ بينما استقرّت حصّة الفيلم الأميركي في فرنسا عند -1.3 في المائة، وانخفض تواجد "الفيلم الآخر"، أي الآتي من أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا، إلى 11.5 في المائة، بعد أنّ قارب 16 في المائة العام الماضي.

لكن، رغم الكارثة السينمائية العامة، فإنّ نسبة تواجد الفيلم العربي في فئة "الفيلم الآخر" لم تتأثّر كثيراً، ربما بفضل الإنتاج المشترك مع فرنسا، بحيث باتت الأفلام العربية علامة شبه ثابتة على الشاشات الفرنسية في الأعوام الأخيرة، إذا قورنت بغيرها، كالسينما الإيرانية مثلاً.

إذْ شهدت دور العرض 9 أفلام عربية، وكان مُقدّراً أنْ يكون عددها 11 فيلماً حتى نهاية هذا العام، لكنّ تمديد الحجر الصحي حال دون اتباع البرامج المقرّرة للعرض. هذا رقم قريب من ذاك المعروض عام 2019، إذْ كان عدد الأفلام العربية في الصالات الفرنسية ضئيلاً. فمن 20 فيلماً عام 2018، تراجع العدد إلى النصف تقريباً، مع الإشارة إلى أنّ الرقم لا يتضمّن ما تعرضه المهرجانات والتظاهرات الخاصة، بل فقط ما يُعرض في الصالات التجارية.

وبينما أتت أفلام عام 2019 من مختلف البلاد العربية، كسورية والعراق وفلسطين ومصر ولبنان وتونس والجزائر وغيرها، كانت الأفلام الأوفر حظّاً، أو صاحبة الحظّ كلّه، عام 2020، للسينما المغاربية: 4 أفلام تونسية (اثنان لم يُعرضا بعد بسبب تمديد الإغلاق)، و3 جزائرية، وفيلمان مغربيان، بالإضافة إلى فيلم من السودان وآخر من السعودية. حصلت هذه الأفلام (باستثناء اثنين منها)، فرنسياً، على تقييمات متشابهة، نقدياً وشعبياً.

ويتميّز معظمها بكونه إنتاجاً مشتركاً مع فرنسا، وبتركيزه على نواحٍ اجتماعية، كوضع المرأة والمعتقدات الدينية والشعبية، بأسلوب هزلي وساخر، غالباً. في "المرشّحة المثالية" (2019) للسعودية هيفاء المنصور (إنتاج مشترك مع ألمانيا)، محاولة للفت الأنظار إلى ما تعانيه امرأة، بسبب سيادة قوانين جائرة، مدعومة بتواطؤ المجتمع، من حرمان حقٍّ أساسي لها، أي حقّ التنقّل بحرية. ريم، طبيبة في بلدة صغيرة في المملكة العربية السعودية، تريد السفر إلى الرياض، للتقدّم لوظيفة في مستشفى رئيسي، لكنْ لا يُمكنها فعل ذلك، لعدم توفّر تصريح موقّع من وليّها، ما يجعلها تقرّر البقاء وتخوض الانتخابات البلدية.

كيف يُمكن للمرأة أنْ تقوم بحملة في هذا البلد؟ فكرة ذكية لإظهار تفكير المجتمع وسلوكه تجاه المرأة، بشكل ساخر، لكنّها مطروحة بأسلوب مرتبك وبطيء، أبعدها عن الهدف، والحبكة غير مترابطة، وبعيدة عن السلاسة.

على نقيض ذلك، يأتي "أريكة في تونس" (2019)، للتونسية منال العبيدي: قصّة مُركّبة وغير مُقنعة، لكنْ بإخراج سلس، عن محلّلة نفسية باريسية، ذات أصول تونسية، تُقرّر ـ بهدف إعطاء حياتها معنى واكتشاف بلدٍ لا تعرفه، كما اكتشاف نفسها أيضاً ـ العمل في حارة شعبية في تونس. يُبرز السيناريو الوضعَ الاجتماعي العام والفوضى في مجتمع يتحوّل، صبيحة الثورة، وبعد سقوط الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

تريد المخرجة أيضاً كشف اضطراب المجتمع وأمراضه، من الهوية الجنسية المختلطة إلى العلاقة مع الدين والطقوس، وعدم الاكتفاء العاطفي لدى المرأة. لكنّ تعاونها مع الممثلة الإيرانية الفرنسية غولشيفته فرهاني التي تؤدّي الدور الرئيسي خفّف من قوّة الإقناع بالقصّة، وأجبر على سيادة اللغة الفرنسية في اعترافات نفسية لأبناء حارة شعبية.

من تونس أيضاً، هناك أزمة زوجية بسبب خيانة الزوجة، في "بيك نعيش" (2019)، الفيلم الأول لمهدي برصاوي: عملية إرهابية تُصيب طفلاً بجروح خطرة، ما يؤدّي إلى كشفِ نَسبه. بعيداً عن المبالغة العاطفية، يُقدّم الفيلم معالجة حسّاسة ومشوّقة، بإخراجٍ مُكثّف وإيقاع لاهث لموضوع الأبوّة، وتعامل الرجل الشرقي مع خيانة المرأة.

الحَمل غير الشرعي موضوعٌ رئيسي أيضاً في "آدم" (2019)، للمغربية مريم توزاني. مصيران لامرأتين، أرملة حبيسة قدرها مع طفلة، وشابّة تُترَك لمصيرها من قبل رجل لا يريد تحمّل المسؤولية، ومجتمع ينبذ نساءً يلدن أطفالاً "غير شرعيين".

المشكلة في أفلام كهذه، رغم السرد الممتع، كامنةٌ في سيناريو يُوظَّف كلّه لافتعال أحداثٍ تخدم الفكرة الرئيسية، كالتضامن النسوي ووضع المرأة الوحيدة في مجتمع شرقي، كما في "آدم"، حتى لو لم تكن مُقنعة.

الأم التي تُربّي ابنها بمفردها موجودة في "ستموت في العشرين"، للسوداني أمجد أبو العلا الذي كان مفاجأة العام، عربياً وعالمياً. لكنّ الفيلم يتناول، بشكل أساسي، المعتقدات الشعبية الدينية والاجتماعية. أب لم يتحمّل عبء لعنة ألحقت بابنه، فيهرب بعد توقّع الزعيم الديني في القرية أنّ مَزمَل سيموت في سنّ العشرين.

 كذلك، تأتي قوّة تأثير المعتقدات، التي تدفع حتّى السارقين إلى الخشية، في "سيّد المجهول" (2019)، للمغربي علاء الدين الجمّ. قصّة عبثية، تتجاوز المعقول، ومشغولة بذكاء، وآسرة بروح الدعابة التي تعتمد الموقف أكثر مما تقوم على الحوار. سارقٌ يريد استعادة مسروقاته التي خبّأها في مكانٍ وسط الصحراء، فيكتشف مذهولاً أنّ مقاماً لوليّ مجهول أقيم في المكان نفسه.

فيلمان من الجزائر بإنتاج جزائري، أوّلهما بسيط بموارد قليلة، لم يُنتَبَه إليه في فرنسا، "باركور" (2019) لفاطمة زهرة زمون، الذي يحتفل بشجاعة النساء وإصرارهنّ، رغم الظروف. وثانيهما، "أبو ليلى" (2019) لأمين سيدي بومدين، عن العشرية السوداء، مع صديقي طفولة يعبران الصحراء بحثاً عن أبي ليلى الإرهابي الخطر. بحثٌ يبدو عبثياً في هذه الصحراء اللامتناهية، لكنّ أحدهما، المُصاب باضطراب عقلي، مُقتنع أنّه المكان الصحيح للبحث عن طريدته.

بداية قوية ومتميّزة، يدعمها اشتغال بصري وأداء لافت وسرد مشوّق،. لكنّ الفيلم يغرق بعدها في تشويش وإطالة وتجريد. "رحلة إلى منطقة القبائل" (2019)، للفرنسي ماتيو توفو والجزائري هاس ميس، فيلم آخر من الجزائر، ذو إنتاجٍ وإخراجٍ مشتركين مع فرنسا، عن منطقة القبائل الجزائرية. مثل "باركور"، مرّ سريعاً في الصالات، ولم تكتب الصحافة الفرنسية عنه: يعيش ظاهر في قرية صغيرة في منطقة القبائل، يكتشف بعد وفاة والده أنّ له شقيقاً في فرنسا. يبقى "الرجل الذي باع ظهره" (2020)، للتونسية كوثر بن هنية، و"فتوى"(2018)، لمحمود بن محمود (إنتاج تونسي)، اللذان ينتظران إعادة فتح الصالات، بداية العام المقبل.

المساهمون