العين الحمراء... قبلة للسياحة العلاجية في المغرب

08 يونيو 2022
تقع العين الحمراء وسط الجبال في تازة (Getty)
+ الخط -

في مساحة صغيرة لا تتجاوز أبعادها عشرات الأمتار طولاً وعرضاً، وحيثما وجهت نظرك، أو أصغيت، سترى وتسمع وجوهاً ولغات ولهجات يصعب حصرها. فهذه امرأة فرنسية، وهذا رجل بريطاني، يبدو من هيئته أنه تجاوز الستين من العمر، وتلك شابة يبدو من لهجتها أنها قادمة من الجهة الشمالية من المغرب. كلهم تجمعوا ومدوا أرجلهم داخل عين ماء دافئ تصل حرارته إلى 24 درجة، حتى لو لم تكن في فصل الصيف. أنتَ هنا في العين الحمراء، أو "عين الرحمة" كما سماها ملك المغرب الراحل، محمد الخامس، إثر زيارته قبيلة أجزناية المجاهدة سنة 1956.

وهي حامة وقرية سياحية وعلاجية في الوقت نفسه، إذ تقع شماليّ إقليم تازة في مقدمة سلسلة جبال الريف على بعد 76 كلم من تازة و15 كلم شمال غرب مركز أكنول. حرارة مياهها المعدنية، ومعدل صبها الذي يصل إلى 40 لتراً بمحتوى غني بالمعادن، تشتمل على كمية كبيرة من المغنيزيوم والحديد، ما أعطاها طعماً يميل إلى طعم الصدأ. وقد تحولت منذ اكتشافها إلى قبلة السياح والزوار من مختلف مدن المغرب وخارجه بغية الاستشفاء والعلاج والاستمتاع بمناظرها الخلابة.

بمجرد وصولك إلى منطقة أكنول التي تبعد عن العين الحمراء كيلومترات قليلة، ستدهشك الجبال المكسوة بالأشجار والهواء النقي المعبق برائحة الأعشاب الجبلية المميزة الموجودة في المنطقة، ما يجعل مجرد السير في طريقها راحة نفسية إثر الاستمتاع بجمال خلاب، إلى غاية وصولك إلى منطقة العين الحمراء. وعند دخولك القرية، تلفت انتباهك المنازل الموجودة في المكان، وهي شقق مع مطاعم تقدم الشواء مع طبق الحريرة المغربية بكثرة، وتتراص محلات بيع المواد الغذائية ومقاهي الشاي والقهوة التي تقدم معه فطيرة يسميها المغاربة الحرشة، وهي مُعدَّة من دقيق السميد. وأيضاً يلفت انتباهك قوارير زيت الزيتون الكثيرة، المصفوفة للبيع، بحكم أن المنطقة غنية بأشجار الزيتون والدكاكين. أمّا المباني، فهي مقامة على مستويات مختلفة من العلو والانحدار.

تعتبر المنطقة جبلية، ما يجعل مستويات الانحدار والعلو موجودة بكثرة في القرية، وهو الذي جعل المستثمرين وأصحاب الشقق يفكرون في بناء سلالم تساعد في الوصول إلى الشقق. وفي طريقك إلى مكان العين التي أصبحت الآن عبارة عن صنابير لا تتوقف من الماء ليل نهار، تنزل من سلالم مبنية، وترى بالقرب منها دكاكين مليئة بمختلف الأعشاب المعروفة في المنطقة. كذلك تشتهر المنطقة بالفواكه الجافة، ومنها اللوز والجوز الهندي والتين، وبالقرب منها أيضاً دكاكين الأكسسوارات التقليدية، لمن يرغب في شراء تذكار أو هدية من المنطقة، وكذلك دكاكين القوارير البلاستيكية لملء المياه بمختلف أحجامها.

أما حول العين نفسها، ووسط جبالها الخلابة المحيطة بها، فستجد صفوفاً من الناس يشربون منها على معدة فارغة، مباشرة من الصنبور الدافئ، فهذه شروط الانتفاع من ماء العين، إذ اشتهرت بأنها مفيدة جداً في تنقية المعدة والأمعاء من جميع السموم، بناءً على التحاليل المخبرية التي أجريت لمياهها من طرف الأطباء، ومنهم الدكتور شانو في الرباط وميشال دايرن الأستاذ المحاضر في المياه في جامعة سوربون في فرنسا، إذ تبيَّن أنّ ماء عين الرحمة تساعد في علاج أمراض التنفس وأمراض الكبد والجهاز الهضمي والأعصاب والمفاصل وفقر الدم، وهو ما تسجله لوحة مثبتة على أحد جدران سور العين.

تحكي السيدة خديجة لـ"العربي الجديد" أنّها جاءت من منطقة طنجة، وتقول عن تجربتها مع العين والمرض: "عانيت كثيراً من أمراض في الجهاز الهضمي والمعدة، إذ كنت لا أتمكن من تناول الطعام. لم أترك طبيباً لم أذهب إليه، وكلّ الأطباء عجزوا عن كشف حالتي، إلى أن أرشدتني صديقة لي إلى هذه العين، فزرتها أول مرة فكنت أشرب نحو 5 لترات يومياً على معدة فارغة وأبدأ بالتقيؤ. بدأت حالتي تتحسن، وبدأت الأعراض تخفّ يوماً بعد يوم. أصبحت أواظب دائماً على زيارة المكان. والآن مرّ أكثر من 15 سنة، منذ أول مرة زرت فيها العين، وما زلت أزورها كلّ فترة للعلاج والاستمتاع بمياهها الغنية".

المساهمون