العلامات التجارية المتخيّلة: دودة لن تغادر ثمرة التفاح

15 سبتمبر 2023
عبوة سجائر Red Apple متواترة الحضور في أفلام تارانتينو (فيسبوك)
+ الخط -

ترتبط العلامات التجارية بالصناعات الثقافية من أدبٍ ومرئيّات، وفق دروبٍ شائكة. لدينا منتجاتٌ استأثرت بالبطولة في عدّة أفلام لهذه السنة، مثل Air وBlackberry، بينما تفرض أخرى نسقًا لظهور منتجاتها كما راج عن اشتراط Apple ألّا تُستخدم هواتفها من قبل الشخصيات الشريرة. أوضح ما يمكن قوله إنّ الركون للعلامات التجارية المعروفة ذات الوزن السوقي يحدّ العملية الإبداعية، ويحيل إلى شروطٍ تعاقدية وإعلانية، وبالحدّ الأدنى يربك حضور الحديث اليومي ضمن العمل الفنيّ.

تمتلك العلامات التجارية ميزة الاختزال، فهي الفكرة متخذةً شكل شعار. وعند الحديث عن التخيليّ منها، يتسع المعنى ليضم إلى جانب الشركات كلّ الكيانات الرسمية ضمن عوالم العمل الفني، بما يشمل المدن وفرق الموسيقى والهيئات الحكومية والعسكرية وغيرها.

سحر هذه العلامات نابعٌ من قدرتها على مقاربة العالم الحقيقي من دون اشتراط. هي وجه أقبح للرأسمالية حينًا، كذلك هي خطوة إضافية في مسار تطوّر الشركات، فلديها ميزة التلاعب بما يمكن للشركات الوصول إليه طموحًا، أو انحطاطًا ضمن عالم متخيّل؛ كما في Streamberry من موسم Black Mirror الصادر أخيرًا، وسلاسل التطبيقات والقنوات الإعلامية في Succession.

حركة حرّة

تتنقل الشركات المتخيّلة بين عوالم القصص المختلفة من دون عبء المعنى أو الارتباط بما يؤثر على الحكاية، تنفع كإيماءةٍ لظهورها الأول في عملٍ سابق، وقد ترمّز إمضاءً لأعمال مخرجٍ أو تحيّةً له، وبالإمكان عدّها إشارةً للوهم في تكوين عالم القصّة.
اعتُبرت العلامات في البدايات جزءًا من التحضير المادّي في مواقع التصوير، واقتصرت على المطبوعات وعلب التغليف لتجنّب حقوق الملكية الفكرية وحالة الإشهار المتعمّدة عبر غرس المنتجات في فضاء المشهد، فتبرز سجائر Morley وإصداراتها المتنوعة في المقدمة منذ ظهورها الأوّل في فيلم هيتشكوك الكلاسيكي Psycho عام 1960. تداعى الحضور السينمائي للسجائر المزيّفة خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، إبّان منع إعلانات المنتجات التبغية في الراديو والتلفزيون، إذ زاحمتها الأصناف الواقعية باحثةً عن الترويج مستعينةً بمساهمات تمويل إنتاج الأفلام.

تنتج مطبعة Earl Hayes هذه الأغلفة رفقة كمالياتٍ أخرى، مثل الأوراق الرسمية ولوحات تعريف السيّارات والأموال المزيّفة. وتعدّ الصحيفة الوهمية أكثر منتجات المؤسسة حضورًا في الأفلام والمسلسلات الأميركية؛ إذ يتغير اسم الصحيفة وتاريخها، بينما تبقى المقالات المنشورة من دون تعديل، بصرف النظر عن اختلاف الحقب الزمنيّة أو الصفحة الظاهرة ضمن المشهد.

يقرّ مالك المؤسسة، رالف هيرنانديز، بصعوبة المنافسة مع انفتاح السوق الناتج عن الإنترنت وما تتيحه برامج التصميم، إلّا أن مصنع الزيف الذي يملكه قادرٌ على الصمود أمام معايير المخرجين والمنتجين بتفاصيله الثريّة وواقعيّة علاماته، على النقيض من منتجات الهواة التي تستهدف محبّي الأفلام ومراجعيها.

تتسم هذه المنتجات بالحيادية، ولا يُراد لها إسباغ أيّ صفةٍ تمييزيّة على مستهلكيها ضمن المُنتج الفنّي. يخالف هذا التناول طبيعة الاستهلاك، ولدى تارانتينو ما يعرضه بشأن ذلك؛ نرى على عبوة سجائر Red Apple متواترة الحضور في أفلامه ثمرة تفاحٍ خالية من العيوب باستثناء دودة خضراء تنبثق منها.

يستعيض المخرج بذلك عن التحذير الواجب حضوره على المنتجات التبغية، وتذهب بعض التفسيرات أن للشخصية المستهلِكة موطن عطبٍ غير ظاهر، كذلك نرى في أعمال المنتج جاي. جاي. آبرامز حضورًا متكررًا لشركة الطيران Oceanic كتميمةٍ للشؤم وإنباءً بالكارثة، في استعادةٍ لاستخدامها الأول في مسلسل The Ditching عام 1956.

لا تقتصر حركة المنتجات المتخيّلة بين الأفلام والعروض التلفزية بل تمتد للواقع، وسواءً حازت على تفاهماتٍ قانونية أو كانت تعدٍّياً محضاً على الاسم الرائج فإنها الفرصة الممكنة لعلامات تجاريّة أكثر من أن تحصى ضمن عوالم الألعاب والسينما والبث الرقمي أو التلفزي.

يوجد اليوم 34 فرعًا لمطعم Bubba Gump Shrimp المستقى من فيلم Forrest Gump بعد نيل حقوق التسمية من منتجي الفيلم عام 1995. على الضفّة الأخرى، لم ينجح قرار مبتكري مسلسل The Simpsons بعدم منح رخصة استخدام الاسم بالحؤول دون إنتاج جعة Duffy في عدّة بلدان دونما نجاحٍ يُذكر.

سير شخصيّة لفنانين وهميين

هناك جماليّةٌ في اللاوثوقيّة لقصص فن الجاز والروك خلال الستينيات والسبعينيات. لا أحد يريد التحرّي عن القصص المتداولة؛ فالمهم هو القبض على النمط ومعالمه. وبالاستناد للتاريخ الشفوي وما يرافقه من أقاويل، يُمكن الوصول لمسيرة فرقةٍ أو مغنٍ، صعودًا نحو المجد أو سعيًا سيزيفيًّا لن يثمر.

يشقّ تقديم رؤيةٍ فنيّة تقول عن ذلك العصر وتستثمر بالحنين له من دون منتجٍ سمعيّ لائق. نرى في افتتاحية فيلم Inside Llewyn Davis مقهى Gaslight النيويوركي، حيث يؤدّي ديفيز أغنية من نمط الفولك، يهيئ المشهد الإطار الزمنيّ للفيلم، وينتقل من المقهى الذي أطلق مسيرة بوب ديلان لروي حكاية فنانٍ مزعوم لم يلاقِ النجاح.

ينضم مسلسل Daisy Jones & The Six المقتبس عن كتاب تاريخٍ مزيّف بنفس الاسم لذات النوع الفنّي، ويقدّم صدىً لتجربة فرقة Fleetwood Mac وصراعاتها الداخلية، في ألبوم Aurora الزائف يحوز المسلسل أحد أنجح ألبومات الفرق التخيّلية، ويسهم في زيادة صدقيّة القصة مع إيقاعات تسترجع حقبة السبعينات حاملًا صراع شخصيات الفرقة إلى وسيطٍ يسترعي اهتمام محبّي الروك يرفع من قيمة المسلسل رغم إنجازه هذه العام.

التقانة والتحكّم بالرواية

توضح شركة غوغل تبعًا لصفحة موارد العلامة التجارية المتعلقة بصناعات الترفيه، محدداتٍ لكيفية استخدام محرك البحث، فيجدر لأي عمل إبداعي تقديم التماسٍ إن كان سيظهر واجهة المستخدم، مع تحذيرٍ واضح أن الطلب لا يمكن قبوله في حال تضمّن أي ميّزة غير واقعية أو حثّ على العنف والإباحية أو غيّر من تصميم الموقع. ويشير الدليل إلى أن الردّ سيحتاج أسبوعين، يُتاح الاستخدام اللفظي دون إذنٍ وفق تفاصيل متعددة من قبيل قل ولا تقل، فلا تتهاون الشركة على ما يبدو مع اجتراح أفعالٍ من اسمها التجاري.

يقضي تفضيل العرض عن الإخبار كقاعدةٍ ذهبيةٍ بالابتعاد عن مسمّى غوغل، لا سيما في الأعمال التشويقية؛ نظرًا لمضامينها العنفيّة، لذلك نجد محرّكات بحثٍ كـ Finder Spyder وChumhum، ثمّة عاملٌ آخر يحيل إلى مزيد من الشركات الوهمية حيث تمتاز صراعات كبرى شركات التقانة بجدّتها وتمثيلها لروح عصر الـRebranding، فلا بدّ من محاكاةٍ لقطّاعات التقانة المختلفة، وإيجاد مسمّيات وميزّات لمنصّات بثّ ووسائل تواصل اجتماعي تجسّد الحالة وتعفي العمل الفني من متاهة الدعاوي القضائية.

حين تصبح الشركة الرقميّة هي الصانع والموزّع علينا توقّع مزيدٍ من الإشهار لها كما سعت شركات التبغ قديمًا، لكنّ عمالقة وادي السيلكون يكرّسون غيابهم، ويضطلعون بالأدوار الإيجابية فقط عند الحاجة، ما يدفعنا للتساؤل هل كان Black Mirror ينتقد شبكة البث المنتجة أم يدغدغ طموحها؟

المساهمون