"الصومعة"... هل توجد حياة في الخارج؟

10 يونيو 2023
موسم يقدم مستوى عالياً من التشويق والغموض (IMDb)
+ الخط -

قد لا يبدو واضحاً في المسلسل الأميركي Silo (الصومعة) الذي بثّته منصة آبل تي في بلس سبب وجود مجموعة من البشر، يصل تعدادهم إلى نحو 10 آلاف شخص، داخل مجمعٍ مغلق تحت الأرض. فرضيات وتحليلات عدة يمكن طرحها في سبيل كشف حقيقة هذه الصومعة وتاريخ نشأتها، غير أن معطيات العمل ستعكس لنا تفسيرات غامضة وذكية في سردها، تجعلنا نبتعد عن النمط المعتاد لأعمال الخيال العلمي التقليدية التي تطرح نظريات ما بعد نهاية العالم والبشرية بأشكال مختلفة ومتنوعة.

بالطبع، هناك عدة تجارب سينمائية ودرامية قدمت مثل هذه النظريات، كسلسلة "ذا 100" التي أنتجتها "وارنر بروس" منذ عام 2014. وفيلم Snowpiercer الكوري الجنوبي الذي صدر عام 2013 (حُوّل إلى مسلسل وعرض على منصة نتفليكس منذ عام 2020 لثلاثة مواسم حتى الآن). عادة، ما يكون المقصود من هذه الأعمال طرح مفاهيم فلسفية تناقش التحولات الإنسانية، ومقدار تطورها، في صميم الهيكل الاجتماعي والسياسي والإداري الذي يحركها، بالاعتماد على خلق نموذج طبقي يشرح فئات المجتمع بين رأسماليين وبرجوازيين وعمال (بروليتاريا). كل ذلك يصاغ وفق معطيات تاريخية، أسست لها فلسفات نقدية طبعت مراحل زمنية متواترة، منذ بداية عصر التنوير حتى يومنا هذا (الوضعية والنفعية والماركسية وغيرها).

في "الصومعة"، اختلاف في المحتوى والمبدأ واحد. هناك ميثاق، نصته الهيئة القضائية المسؤولة عن إدارة شؤون الصومعة وأمنها وناسها. التسلسل الهرمي كذلك موجود. طبقات عليا ووسطى ودنيا (القاع). كل طبقة لها مواصفاتها الخاصة. لا يركز العمل على هذه الطبقات، نستطيع رؤيتها وشكل توزيعها وخصوصياتها، لكن ليس في ذلك غاية فلسفية حرجة يراد منها تعزيز مفاهيم فكرية. البحث عن وجود الصومعة وبداية تكوينها ينتشل العمل من مفهوم الطبقية وتوزيع الأدوار الاجتماعية فيها، ويدفعنا لمتابعة حكاية مشوقة.

طرف الخيط يبدأ مع أليسون بيكر (رشيدة جونز)، وزوجها هولستون بيكر (ديفيد أويليو) رئيس أمن الصومعة. تلتقي أليسون بموظف تقني من الطبقات الدنيا، يدعى جورج ويلكنز (فرديناند كينغسلي)، يعطيها قرصاً صلباً يحتوي على معلومات تسبق وجود الصومعة. هذه المعلومات تريد الهيئة القضائية إخفاءها، وكل من يمتلكها سيتعرض لعقوبة النفي خارج الصومعة؛ أي الموت. يحق لأي مواطن أن يخرج من الصومعة بملء إرادته. هكذا ينص الميثاق. وبعد أن زادت شكوك بيكر، واكتشافها أن هناك حياة خارج الصومعة بحسب ما وجدته في القرص الصلب، تقرر الخروج. من هنا تبدأ الحكاية، ولا سيما حين تموت بيكر في الخارج بعد لحظات قصيرة من خروجها. حدث بارز يمهد لمسارات لا نعرف أين ستتجه، وتفاصيل مثيرة للريبة، تعزز من حالة الغموض، ليبقى السؤال الأهم: هل توجد حياة في الخارج أم لا؟

يقتل ويلكنز بظروف غامضة رغم أنه يبدو انتحاراً بالنسبة للشريف بيكر والجميع، عدا بطلة العمل جولييت فيكولس (ريبيكا فيرغسن). وهي عشيقة ويلكنز السرية، وتعمل مهندسة ميكانيكية في القسم الأخير (القاع) من الصومعة. تقود البطلة عجلة القصة، وتقدم إيقاعاً أكثر احتداماً وتشويقاً مع تقدم الحلقات، خاصة عندما تعين رئيساً لأمن الصومعة بدلًا من بيكر الذي سار على خطى زوجته، وانسحب خارجاً من الصومعة ليلاقي حتفه بعد أن توصل إلى حقائق اكتشفتها زوجته من قبل. وباعتبار عدم وضوح الأسباب التي أدت إلى موت عائلة بيكر، ستضاف علامة استفهام أخرى. ما سبب موتهم في الخارج؟ يبدو جلياً إخفاء الهيئة القضائية كثيرًا من المعلومات عن سكان الصومعة.

ولكن يغيب الدافع لذلك. خيوط القصة المترامية، والشخصيات المتشابكة التي تظهر تباعاً مع كل خيط لوصل المعلومات والتفاصيل من أكثر ما يميز هذا العمل، ويمنحه أسلوباً درامياً مشوقاً يحافظ على توازن النص، ويساهم في الاقتراب من دوافع الهيئة المبيتة والأسرار التي تضمرها، من دون أن تكون هناك هفوات مباشرة تفضح تلك الأسرار.

ينتهي العمل وفي جعبته ست حلقات في موسمه الأول. موسم يقدم مستوى عالياً من التشويق والغموض، من دون أن يقع في فخ التسرع، في انتظار ما ستصل إليه فيكولس من معلومات ومعطيات أكثر وضوحًا في تحقيقاتها التي تقترب أكثر من الهيئة القضائية الحاكمة في الصومعة، في الموسم المقبل.

المساهمون