ربطت دراسة جديدة بين المعاناة من الصداع المزمن في مرحلة الشباب وما بعدها بالتجارب المؤلمة، مثل سوء المعاملة أو الإهمال أو المشكلات المنزلية، التي قد يتعرض لها الطفل في فترة نشأته الأولى.
وفقاً للدراسة التي نشرت يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول، في مجلة نيورولوجي (Neurology)، التابعة للأكاديمية الأميركية لعلم الأعصاب، فإن الأشخاص الذين تعرّضوا لواحد أو أكثر من الأحداث المؤلمة في أثناء الطفولة كانوا أكثر عرضة بنسبة 48% للإصابة باضطرابات الصداع عند البلوغ.
شملت الدراسة أكثر من 154 ألف مشارك من الولايات المتحدة و18 دولة أخرى.
شدد المؤلفون على أهمية أن يضع مقدمو الخدمات الصحية صدمة الطفولة في الاعتبار في أثناء علاج اضطرابات الصداع. واشتبهوا في أن الصداع قد يصبح أكثر انتشاراً في أعقاب جائحة كوفيد-19، مع زيادة التقارير عن تعاطي المخدرات والأمراض المزمنة، وغيرها من أحداث الصدمة.
وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة كاثرين كريتسولاس، طالبة الدكتوراه في كلية تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد، إن الدراسة الجديدة تقدم تحليلاً لا يمكن تجاهله عند تشخيص بعض الأمراض المزمنة التي يعاني منها البالغون اليوم، مثل الصداع المزمن والقلق.
وأضافت الباحثة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التحليل كشف أنه كلما زاد عدد الأحداث المؤلمة في حياة الشخص، زادت احتمالات إصابته بالصداع. كما كان الأشخاص الذين أبلغوا عن حدث صادم واحد أكثر عرضة للإصابة باضطراب الصداع بنسبة 24%، في حين أن الأشخاص الذين تعرضوا لأربعة أحداث صادمة أو أكثر، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالصداع المزمن بنسبة تزيد على الضعف.
لأغراض الدراسة، جمع الباحثون الصدمات وقسموها إلى فئات مصنفة، بحيث صُنِّف الاعتداء الجسدي، أو الاعتداء العاطفي، أو مشاهدة التهديد بالعنف أو استخدامه، أو الصراعات العائلية الخطيرة، على أنها صدمات تهديد. فيما صُنِّفَت تجارب مثل الإهمال، أو الشدائد الاقتصادية، أو وجود أحد أفراد الأسرة المسجونين، أو الطلاق أو الانفصال، أو وفاة أحد الوالدين، أو العيش في منزل مع شخص يعاني من مرض عقلي، أو إعاقة مزمنة أو مرض، أو تعاطي الكحول أو المخدرات، على أنها صدمات الحرمان.
ووجد الباحثون أن الفئة الأولى، وهي صدمات التهديد، ارتبطت بزيادة بنسبة 46% في حالات الصداع، بينما ارتبطت صدمات الحرمان بزيادة قدرها 35%. وأوضحت كريتسولاس: "لقد رأينا أن هذه العوامل لعبت دوراً متميزاً للغاية في الإصابة بالصداع في مرحلة البلوغ. هذه المسارات مهمة حقاً، ونحن بحاجة إلى الاهتمام بما يحدث في مرحلة الطفولة والمراهقة".
قال الباحثون إن صدمة التهديد والحرمان قد تؤثر في الدماغ بطرق مختلفة، كذلك فإن الصدمة المرتبطة بالتهديد قد تؤثر بتكوين الحصين واللوزة، وأجزاء أخرى من الدماغ تشارك في المعالجة العاطفية.
ويؤثر الحرمان في نمو الدماغ، فعندما يُهمل الأطفال، يكون من غير المرجح أن يحصلوا على الاهتمام المناسب الذي يحفز عملية التواصل في الدماغ، ثم قد تحدث تغييرات في عملية التواصل العصبي ترتبط بالصداع في مرحلة البلوغ.
وأشارت كريتسولاس إلى أن الهرمونات الناجمة عن الإجهاد، مثل الكورتيزول، التي تسببها الحالات المرتبطة بالصدمة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، قد تسهم أيضاً في حدوث الصداع النصفي الذي يسبب اضطرابات موهنة للجسم، ويصعب التخلص منها بتناول مسكنات الألم المتاحة من دون وصفة طبية.
وشددت الباحثة على ضرورة دراسة الصدمات التي يواجهها الأطفال والتدخل مبكراً، قبل أن تؤثر بالمدرسة أو التعليم العالي أو العمل أو الحياة الاجتماعية في المستقبل.