- يتعرضن لأزمات تشمل انقطاع الكهرباء والإنترنت، القصف، والتهجير القسري، محاولات للموازنة بين العمل المهني والمسؤوليات الأسرية تحت ضغط نفسي ومادي.
- على الرغم من الاستهداف المباشر، تستمر الصحافيات في تغطية الأوضاع الميدانية الخطرة وفضح الجرائم ضد المدنيين، مؤكدات على أهمية دورهن في إيصال معاناة الشعب الفلسطيني.
تتزايد الأزمات التي تمرّ بها الصحافيات الفلسطينيات في قطاع غزة جرّاء تواصل عدوان الاحتلال الإسرائيلي للشهر السادس على التوالي، وأدّى إلى تفاقم سوء الأوضاع الميدانية، في الوقت الذي يفتقدن فيه إلى أدنى مقومات السلامة أو الحماية التي تنص عليها القوانين الدولية.
يحمل شهر رمضان مُعاناة مضاعفة للصحافيات، خصوصاً الأمّهات منهنّ، بفعل الأعباء المُتزايدة، المتمثلة في خطورة الأوضاع الميدانية والضغوط المهنية، المُتزامنة مع المسؤوليات والمهام العائلية الخاصة بتوفير وجبات الإفطار والسحور وتجهيزها لأُسرهن.
يوميات الصحافيات... أزمات مركّبة
كغيرهن من زملاء المهنة، تعيش الصحافيات الفلسطينيات أزمات مركّبة، بدأت بالانقطاع الكامل لخطوط الكهرباء، وشبكات الإنترنت والاتصالات، والقصف الإسرائيلي المُركز على البنايات والمُنشآت المدنية، والأبراج التي تضم مكاتبهن الإعلامية، بما فيها من أجهزة ومُعدات وأعمدة وأبراج الإرسال، وصولًا إلى التهجير القسري الذي طاول عائلاتهن، بعد إجبار قوات الاحتلال المدنيين على النزوح من مُحافظتي غزة والشمال، وبعض المناطق الوسطى والجنوبية، نحو مدينة رفح المُلاصقة للحدود المصرية.
يحمل شهر رمضان مجموعة من التحديات أمام الصحافيات الأُمهات، تتمثل في المواءمة بين عملهن المهني اليومي في ظل الخطر الناجم عن العدوان، وبين القُدرة على الإيفاء بالمُتطلبات الأُسرية المُتزايدة خلال شهر رمضان، في ظل حالة النقص الشديد التي تمُر بها الأسواق، نتيجة فقدان مُعظم السلع الأساسية، بسبب الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر مُنذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تقول المراسلة الصحافية سعاد عكيلة، التي اضطرت إلى ترك طفلها فارس (3 أعوام) مع السائق لإجراء مقابلة صحافية خاصة بتقرير كانت تعدّه، إن العدوان الإسرائيلي أثر على مُختلف النواحي المعيشية لكل شرائح الشعب الفلسطيني، بمن فيهم الصحافيون والصحافيات، سواء على الصعيد العملي، أو على الصعيد الأسري، في ظل تزايد حالتي الخطر نتيجة الاستهداف، والنقص نتيجة زيادة خناق الحصار.
وتلفت عكيلة "العربي الجديد" إلى أن العدوان الحالي هو الأصعب على الإطلاق، إذ يتعين على الصحافيات أن يكنّ قويات ومُتماسكات، إلى جانب ضرورة أن يكنّ أُمهات. تقول: "يجب عليّ أن أكون أُماً مهتمة وترعى طفلها الوحيد، وفي الوقت ذاته أعمل على إيصال صوتنا ورسالتنا الإعلامية وتغطية معاناة الناس للعالم". وتقول إن "محاولة المواءمة بين عملي وبين واجباتي الأُسرية أمر صعب ومُرهِق، بخاصة أن طفلي في حاجة كبيرة إلى الاهتمام والرعاية وأن أكون إلى جانبه دائماً، ما يضطرني إلى اصطحابه معي في الميدان"، مبينة أنها مع أسرتها تعرضت للنزوح القسري أكثر من مرة، وصولاً إلى مدينة رفح جنوب القطاع، وسط ظروف صعبة، تنعدم فيها الخصوصية والغذاء الجيد، علاوة على الارتفاع الكبير في الأسعار.
أما عن استقبالها لشهر رمضان في ظل النزوح، والضغوط العملية، فتوضح أن غصة كبيرة أصابتها مع اقتراب حلوله، واستمرت حتى اللحظة. تقول: "لرمضان حكاية كبيرة معي، ففي الأعوام الماضية كنت حريصة جداً على شراء كل ما يلزم، لكني هذا العام حزينة بفعل تواصل الحرب، ونزوحنا في منزل يعيش فيه أكثر من خمسة وثلاثين شخصاً، في ظل عدم توفر الطعام، وإن توفر فبأسعار مرتفعة".
وعن يومها الرمضاني، تقول عكيلة "يبدأ نهاري مُبكراً، إذ لا نتمكن من النوم بعد تناول طعام السحور فجراً، بسبب العدد الكبير للمقيمين في المنزل الذي نقطن فيه... أجهز نفسي وطفلي للذهاب إلى عملي، ثم نعود ونفكر في تحضير الفطور".
الأم الصحافية
من جانبها، تُشير الصحافية هنا عليوة، إلى أنها تعرضت لحادث صعب، إذ فقدت شركتها الخاصة بالإنتاج الإعلامي في بداية الحرب، التي دُمّرت بكل ما تحتويه من معدات وأدوات، ما اضطرها إلى التوقف فترة عن العمل، بخاصة بعد نزوجها تحت القصف والتهديدات الإسرائيلية، والتوجه نحو رفح جنوباً.
تقول عليوة لـ"العربي الجديد": "معاناة الأم الصحافية في الحرب معاناة مركبة، ما بين تجهيز وجبات الطعام بأبسط الإمكانيات والمكونات، مع إشعار الأطفال بالأمان، في الوقت الذي تنعدم فيه الخصوصية، والمستلزمات الصحية والنسائية والأدوية والأغذية الصحية". تشير عليوة إلى أنها تركز في عملها على القصص الإنسانية، تحديداً قصص الأطفال والنساء، فيما التحقت للعمل مع مؤسسة دولية لتقديم وجبات الطعام للنازحين الفلسطينيين خلال الحرب.
أما الإعلامية الفلسطينية مدلين شقاليه، فتوضح لـ"العربي الجديد" أنّ المواءمة بين العمل الصحافي وبين الأسرة في ظل الحرب أمر صعب جداً، ويتطلب المزيد من الجهد، خاصة في ظل حالة النزوح، التي تفرض ظروفاً غير طبيعية. تقول: "نعيش ظروفاً أكبر من طاقاتنا ومن قدرتنا على التحمّل، لكن ما يدفعنا إلى المواصلة هو إيماننا العميق بالدور المحوري للنساء".
تشير شقاليه إلى أنها تقضي معظم نهارها في العمل: "أتأخر أحياناً عن مساعدة والدتي في تجهيز الطعام بسبب ضغوط العمل، في حين أتأخر عن دوامي بسبب الأعمال والمتطلبات المنزلية والأسرية". وتلفت إلى أن محاولة الموازنة بين العمل في ظل حالة الضغط الشديد، وبين العائلة، في ظل المُتطلبات المتزايدة خلال شهر رمضان، أمر صعب، بخاصة مع شُحّ البضائع والمواد الغذائية، والارتفاع الجنوني في الأسعار: "تجمُّع كلّ تلك الأزمات، إلى جانب اضطراري اليومي إلى الذهاب لمكان نزوح زوجي لتجهيز طعام الإفطار الرمضاني، يُصيبني بحالة من الارهاق الجسدي والمعنوي".
بدورها، تلفت الصحافية ابتسام مهدي إلى أن الصحافيات يواجهن العديد من التحديات، فعلى صعيدها الشخصي لم تتمكن برفقة زوجها الصحافي من الحصول على مأوى آمِن بسبب خوف نسبة من المواطنين من شريحة الصحافيين، نتيجة الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لهم، إلى جانب الصعوبات التقنية المُتعلقة بصعوبة التواصل لطرح الأفكار والحصول على الموافقة لعملها، نتيجة الانقطاع التام للتيار الكهربائي، والضعف الشديد في الإنترنت والاتصالات.
وتلفت مهدي لـ"العربي الجديد" إلى أن الضغوط المتواصلة، التي سبّبتها حالة النزوح، والصعوبات الميدانية في العمل وسط ضعف الإمكانيات يضعها في ضغط نفسي شديد، إلى جانب الضغط الناتج عن كونها أماً لطفلين، واضطرارها إلى الطبخ على النار بسبب شُحّ الغاز، وحاجتها إلى تجهيز الطعام لأسرتها. وتوضح مهدي أنها تحاول على مدار الوقت الموازنة بين عملها في ظل الحرب وحالة الخطر المتواصل، وبين احتياجات أسرتها، إذ تضطر إلى كتابة التقارير فترة الليل، وإنجاز المقابلات خلال النهار: "ليس من السهل إعداد الطعام بيد، ومُحاولة الاتصال وإجراء مقابلة صحافية باليد الأخرى، لكننا مضطرون إلى توفير الدخل الذي يُمكننا من المواصلة، بخاصة في ظل حالة الغلاء الشديد". وتستذكر الرحلة القاسية لعملية نزوحها من غزة، نحو المناطق الوسطى والجنوبية، مروراً بالممرات التي يدّعي الاحتلال بأنها "إنسانية وآمِنة"، وهي عكس ذلك، إذ تعرضت هي وأسرتها إلى التنكيل وتوقيف زوجها أكثر من ست ساعات: "هناك صعوبة بالغة كوني أماً وصحافية وزوجة، بخاصة في ظل الالتزامات الكبيرة خلال هذه الحرب".
وعلى الرغم من الاستهداف المباشر للصحافيين الفلسطينيين ومقارّهم الإعلامية، الذي سبّب استشهاد 136 صحافياً، بهدف تغييب الصوت والصورة، فإنّ التغطية الإعلامية ما زالت متواصلة، وإن كانت الأوضاع الميدانية صعبة وخطرة، في مسعى لفضح الجرائم والمجازر الإسرائيلية في حق المدنيين العُزل، التي أدت إلى استشهاد نحو 32 ألف فلسطيني، وإصابة 74 ألفاً.