السينما في فرنسا 2022: تشاؤم وتفاؤل خارج أول 10 أفلام

27 يناير 2023
"ماذا فعلنا جميعاً بحقّ الإله؟": ملل الفرنسيين من التكرار (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

خَلَت لائحة الأفلام الـ10 الأكثر مشاهدة في فرنسا، العام الماضي، من أي فيلم فرنسي. احتلّت السينما الأميركية المراكز الأولى، وعلى رأسها "آفاتار، طريق الماء"، لجيمس كاميرون، مع أكثر من مليونين ونصف مليون بطاقة مُباعة في الأسبوع الأول لعرضه فقط، نهاية 2022. هذا أثار نقاشاً وطرح تساؤلات، في فرنسا، تتلخّص بـ"أين ذهبت السينما الفرنسية؟".

وفقاً لأحدث الأرقام، الصادرة عن "المركز الوطني الفرنسي للسينما والصورة المتحرّكة"، لم يتمكّن أيّ فيلم فرنسي من الالتحاق بلائحة الأفلام الـ10 الروائية الأكثر مُشاهدة في البلد، العام الماضي، علماً أنّ الفرنسي "ماذا فعلنا جميعاً بحقّ الإله؟"، لفيليب دو شوفُرون، احتلّ المرتبة الـ11. نسخته الأولى (2014) حقّقت موقعاً متقدّماً، مع أكثر من 12 مليون مشاهد حينها، وتكرّس كأحدِ الأفلام الفرنسية المفضّلة لدى الفرنسيين. لكن الجزء الـ3 فشل، عام 2022، في المحافظة على مكانته، فلم يبع سوى مليونين ونصف مليون بطاقة تقريباً. ولعلّ الفرنسيين سئموا من تكراره أفكاراً هزلية ساخرة، عن التعصّب والعنصرية، اللتين تنشآن من التعايش بين زوجين كاثوليكيّين، من الطبقة البورجوازية المُرفّهة، وأزواج بناتهما الـ4، المنتمين إلى ديانات وأعراق مختلفة (مسلم، يهودي، بوذي، أسود).

اللاحق به، "نوفمبر"، لسِدريك خيمِنيز، استعاد الاعتداءات الإرهابية في باريس عام 2015، بينما حلّ "سيمون، رحلة القرن"، لأوليفييه دهان، في المرتبة الـ13: سيرة سيمون فايّ، المفكرة والناشطة السياسية، والناجية من المحرقة، كامرأة تجاوزت عصرها.

بينما يُقلقُ الغياب عن المراكز الـ10 الأولى نقّاداً وسينمائيين فرنسيين (عادةً، هناك فيلمان أو ثلاثة أفلام فرنسية في هذه اللائحة)، فإنّه لا يثير تماماً المشاعر نفسها لدى مُعلّقين، وأولهم "المركز الوطني"، الذي يرى أنّ التردّد على الصالات السينمائية استعاد، رغم الصعوبات، نحو ثلاثة أرباع المستوى الذي كان عليه قبل أزمة كوفيد، إذْ بلغ عدد البطاقات المباعة نحو 152 مليوناً، بعد سنتين صعبتين: 2020 (65 مليون بطاقة)، و2021 (95 مليون بطاقة)، ما يدلّ على "ارتباط الفرنسيين بالتجربة الجماعية التي تقدّمها السينما". ومع أنّ الرقم (152 مليون بطاقة) يُمثّل تراجعاً، تقارب نسبته 27 بالمائة، مقارنة بمعدل سنوات 2017 ـ 2019، المنتعشة سينمائياً (208 ملايين بطاقة)، فإنّه اعتُبر تقدّماً بنسبة 59 بالمائة عن عام 2021، ونتيجة مشجِّعة للغاية في سياقٍ لا يزال غير نمطيّ.

كما تُسجِّل فرنسا أفضل حالات التعافي في العالم، مع انخفاضٍ، لكنّه محدود نسبياً، في التردّد على الصالات، مقارنةً بجاراتها الأوروبيات، والأسواق المشابهة. في إيطاليا مثلاً، انخفض التردّد بنسبة 53 بالمائة، وفي ألمانيا 31.5 بالمائة، وفي إسبانيا 40.6 بالمائة. أما في الولايات المتحدة الأميركية، فلم يكن الوضع أفضل، إذْ بلغت نسبة الانخفاض فيها 33 بالمائة.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

يجد المركز أسباباً إضافية للتفاؤل، تتمثّل في مكانة السينما الفرنسية في السوق، في عامٍ اعتبر انتقالياً، بسبب معاناة شهوره الأولى من آثار كوفيد. فرغم المذكور أعلاه، عن احتلال السينما الأميركية المراكز الـ10 الأولى، حضر الفيلم الفرنسي بوفرة في لائحة الـ20، مُحقّقاً إقبالاً جيّداً العام الماضي، مع أفلام تراوحت مبيعات بطاقاتها بين نصف مليون ومليونين ونصف مليون (أكثر من 22 فيلماً فرنسياً باع مليوني بطاقة، وهذا رقم جيّد لأيّ فيلم). ووصل عدد البطاقات المُباعة للفيلم الفرنسي إلى 62.2 مليون بطاقة، مع حصّة بلغت 41 بالمائة في دور العرض.

بهذه الأرقام، تجاوزت مبيعات الأفلام الفرنسية بقليل مبيعات الأفلام الأميركية، التي بلغت 61.6 مليون بطاقة، بنسبة تواجد في السوق الفرنسية بلغت 40.5 بالمائة. مثّل هذا الرقم تراجعاً، يفسّره هبوط عدد الأفلام الأميركية المُنتجة في العام الماضي إلى 68 فيلماً فقط، مقابل 87 فيلماً عام 2021، بينما تُنتج السينما الفرنسية 127 فيلماً سنوياً، وتبقى سينما مؤلّف، مُقارنة بالسينما الأميركية، التي يختفي فيها هذا النوع، وتصبح منتجاً صناعياً.

السينما الفرنسية فنّية حِرفية، كما يرى المتفائلون. لكنّ هذا لا يمنع وجود ما أطلق عليه البعض "نفورا" من سينما المؤلّف الفرنسية، التي يبدو أنّ طريقها باتت متعسّرة أمام الجمهور الفرنسي، بسبب مواضيع باتت تُبعد عنها أعداداً متزايدة. عبّر عن هذا التوجّه تصريحٌ لجيروم سيدو، رئيس مجموعة صالات سينما "باتيه"، قال فيه: "لا يريد المشاهدون الذهاب إلى السينما كي يملّوا من الأفلام المعروضة"، مُنتقداً سينما المؤلّف الحالية، بعد أرقام مخيّبة للتردّد على الصالات، بداية موسم الخريف.

كما دخل "اتحاد صالات السينما الفرنسية" على خطّ المتفائلين، بعد انتعاش الشهرين الأخيرين من العام الماضي، وحصول زخمٍ جديد، تمثّل في عرض 74 فيلماً جديداً في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مُعبّراً عن سعادته بديناميكية الحضور التي "ستسمح للسينما باستئناف وزيادة استثماراتها، من حيث الراحة وجودة الصورة والصوت، لكنْ أيضاً في تحديث وتعزيز علاقتها مع المتفرجين، عبر الاستفادة الكاملة من الأدوات الرقمية".

استفاد الفيلم الآخر، أي غير الفرنسي والأميركي، من انخفاض عدد الأفلام الأميركية في السوق الفرنسية، لتصل حصّته في الصالات إلى 18.6 بالمائة، بزيادة تجاوزت 2 بالمائة عن عام 2021. لكنّ الفيلم العربي كان قليل الحضور، العام الماضي، مع عرض 10 أفلامٍ، منها "حمى البحر المتوسط" للفلسطينية مها الحاج، و"تحت أشجار التين" للتونسية أريج سحيري، و"حرقة" للمصري الأميركي لطفي ناتان، و"البحر أمامكم" للبناني إيلي داغر، و"مفاتيح مُكسَّرة" للبناني جيمي كيروز.

لكنْ، إنْ لم تكن الأرقام كلّ شيء في السينما، باتت للأسف كلّ شيء. وكما قال المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، في تصريح له في نيويورك، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "منذ الثمانينيات، لا ننظر سوى إلى الأرقام. تمّ تقليل شأن السينما، وإفقادها مصداقيتها، وإضعافها من كلّ الجوانب، الفنية منها خاصة".

المساهمون