بدأت خطة الترفيه والانفتاح في السعودية منذ ما يقارب 5 سنوات. حينها، كانت السينما المصرية تعاني من عدة أزمات إنتاجية، بسبب ضعف الإيرادات، وقلة الأعمال المعروضة، ما أدى إلى هجرة النجوم إلى الدراما والمسلسلات، وغياب التنوع عن الأفلام المعروضة طوال العام. ولم يتوقع معظم السينمائيين في مصر أن يكون الانفتاح السعودي هو طوق النجاة للسينما المصرية التي وجدت سوقاً بديلاً للسوق المصري.
ظهرت نتائج الانفتاح السعودي بشكل أوضح على سوق الإنتاج السينمائي عام 2022، بعدما عرفت الأفلام المصرية في السنوات الماضية طريقها إلى الجمهور السعودي المتعطش للسينما، بعد سنوات طويلة من الحظر والإغلاق، وأدى ذلك بشكل مباشر إلى تزايد عدد الأفلام المصرية التي أنتجت هذا العام، وتقترب من الوصول إلى 30 فيلماً قبل نهاية العام، وقد تزيد مع استعداد عدة أفلام لدخول المنافسة في موسم رأس السنة 2023.
ولكن التأثير المباشر للانفتاح السعودي على صناعة السينما المصرية هذا العام يكمن في تغيير مواسم عرض الأفلام المصرية. ففي السابق، كانت مواسم العرض تقتصر على موسم عيد الفطر وعيد الأضحى، مع حضور قليل للأفلام في مواسم رأس السنة. وقلّت مواسم العرض في مصر بسبب غياب منافسة الصيف، خصوصاً مع مجيء الموسم الصيفي مع موسم عيد الأضحى، بالإضافة إلى تزامن أعياد الربيع مع رمضان وموسم عيد الفطر، وهو الأمر الذي جعل عرض معظم الأفلام تقتصر على أوقات محدودة في العام، ما يؤثر على حجم الإيرادات التي تذهب إلى فئة قليلة من الأفلام، وغالباً ما تكون لصالح النجوم الكبار.
هذا العام، بدأ الموزعون السينمائيون باقتراح سياسة جديدة، لطرح الأفلام المصرية على مدار العام، وفي مواسم غير اعتيادية. وإلى جانب موسم رأس السنة 2022، عرضت عدة أفلام في فبراير/شباط الماضي، مثل "11-11" و"من أجل زيكو". واستمر عرض هذه الأفلام إلى فترة التوقف في رمضان، وذلك قبل موسم عيد الفطر الذي عرضت خلاله عدة أفلام، أبرزها "واحد تاني" لأحمد حلمي، ثم موسم عيد الأضحى الذي شهد منافسة أخرى بين أفلام، مثل "كيرة والجن" و"بحبك" لتامر حسني.
استمر عرض الأفلام المصرية في الشهور التالية بعد انتهاء موسم عيد الأضحى، مثل "تسليم أهالي" في أغسطس/آب، و"حظك اليوم" و"فضل ونعمة" في أكتوبر/تشرين الأول، وأخيراً "تحت تهديد السلاح" و"هاشتاج جوزوني" في نوفمبر/تشرين الثاني. هذه مواعيد عرض جديدة على السوق المصري، ولكنها اختيرت بناء على المواعيد المناسبة في السوق السعودي، وموقعها من منافسة الأفلام الأجنبية في المملكة، بعيداً عن حسابات السوق المصري.
ظهر اهتمام صناع الأفلام المصرية بالسوق السعودي على حساب المصري، من خلال إقامة جولات ترويجية وعروض خاصة وافتتاحية للأفلام في السعودية قبل مصر، مثل فيلم "تحت تهديد السلاح" لحسن الرداد الذي احتفل بانطلاقه في جدة والرياض ودبي، قبل عرضه في القاهرة، وانسحب ذلك على أفلام عربية أخرى، مثل "الهيبة" لتيم حسن الذي أقام عروضاً خاصة للعمل في السعودية والإمارات والأردن ولبنان، ولم تُنجز الشركة المنتجة عروضاً ترويجية في القاهرة، ما يشير إلى خروج السوق المصرية من دائرة اهتمام الموزعين السينمائيين.
يرجع سبب ذلك التغيير إلى الإيرادات الكبيرة التي تحققها الأفلام المصرية في السعودية، ولا تقارن بحجم الإيرادات المصرية. فمثلاً، فيلم "بحبك" لتامر حسني، من أكثر الأفلام المصرية تحقيقاً للإيرادات بما يقارب 59 مليون ريال سعودي (15 مليون دولار). في حين لم يتصدر الفيلم قائمة الإيرادات في مصر، وحقق ما يقارب 50 مليون جنيه أو (مليونا دولار). الأمر نفسه مع فيلم "وقفة رجالة" الذي تصدّر الإيرادات في السعودية بنفس الرقم العام الماضي، وجاء في ترتيب متأخر في قائمة الإيرادات في مصر بما يقارب مليون دولار فقط.
حققت معظم الأفلام المصرية المعروضة في السعودية إيرادات ضخمة مقارنة بالإيرادات المحلية. ففي هذا العام أيضاً حقق فيلم "من أجل زيكو" إيرادات قاربت 11 مليون دولار في السعودية، مقابل مليون ونصف المليون دولار في مصر. هذا التفاوت الكبير جعل السوق السعودي الهدف الرئيسي للسينما المصرية. ففي أيام عرض قليلة يستطيع الفيلم تحقيق أرقام مضاعفة للإيرادات المحلية.
لا يظهر هذا التفاوت بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الريال السعودي فقط، ولكن اختلافات أخرى بين السوقين، إذ تتفوق المملكة في عدد دور العرض السينمائية وعدد التذاكر والإقبال الجماهيري وعدد الأفلام المعروضة، فهي تمتلك تقريباً 480 شاشة عرض قابلة للزيادة، مقابل ما يقارب 320 شاشة عرض في مصر. وتحقق دور العرض السعودية نمواً كبيراً. ووفق آخر تقديرات، بلغت إيرادات عام 2021 أكثر من 206 ملايين ريال، من أكثر من 13 مليون تذكرة لحضور 412 فيلماً.
تتسلح السينما السعودية بمعيار تفوق آخر، وهو ارتفاع سعر تذكرة السينما هناك، بمتوسط 16 دولاراً، لتحتل المرتبة الأولى عربياً والثانية عالمياً، مقابل 5.3 دولارات لتذكرة السينما في مصر. ولا يختلف السوق المصري عن السعودي كثيراً في طبيعة الجمهور، إذ كشفت إحصائيات عن تفضيل الجمهور السعودي للأفلام الكوميدية التي تسيطر بنسبة 60% على حجم إقبال الجمهور في المملكة، بالإضافة إلى تقارب مستوى الرقابة على الأفلام بين السوقين حتى الآن.
ولكن، قد تكون هناك تأثيرات متوقعة أخرى على السينما المصرية ناتجة عن الانفتاح السعودي، إلى جانب تأثر مواسم العرض وحجم الإيرادات، مثل تباين خريطة شعبية نجوم السينما بين مصر والسعودية، أو حضور عدد من الممثلين السعوديين في الأفلام المصرية وتصويرها في المملكة، وهذا ما بدأ في الحدوث بالفعل هذا العام، مثل فيلم "مش أنا" لتامر حسني، الذي صورت مشاهد منه في السعودية، واشترك فيه الممثل السعودي فايز المالكي.