السينما الغنائية في لبنان: تجارب قليلة

08 مايو 2021
فيروز ونصري شمس الدين في "بياع الخواتم" (يوتيوب)
+ الخط -

كلُّ استعادةٍ لتاريخ السينما الغنائية في العالم العربيّ، الذي يكاد يخلو من أفلامٍ يُمكن إدراجها في خانة "السينما الكوميديا الموسيقية"، ينصبّ سريعاً في النتاج المصريّ أولاً وأساساً. هذا عائدٌ إلى ظروفٍ مختلفة، أبرزها كامنٌ في أنّ الصناعة السينمائية العربية مولودةٌ في مصر، وأنّ فنون الغناء والموسيقى والاستعراضات، في المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون، ناشئةٌ فيها، رغم أنّ بعض العاملين على نشأتها ينتمي إلى "شوامٍ" يُهاجرون إليها، مطلع القرن الـ20. فمصر كانت الحيّز الذي يمنح الطامحين إلى شهرةٍ فنية عربية، تمثيلاً وغناءً وإنتاجاً وإخراجاً، صكّ ولادة. ولها تأثير كبير في بلورة مشروع كلّ راغبٍ في الانخراط في عملٍ فني ما.

لذا، يصعب العثور على نتاجٍ لبنانيّ مثلاً، يُمكن أنْ يكون مرتبطاً بالسينما الغنائية، أو بأفلام الكوميديا الموسيقية، بحسب تعريفات نقدية مُعتَمدة في الغرب. مغنّون ومغنيات لبنانيون يذهبون إلى القاهرة لتأسيس سِيَرٍ فنية مهمّة، وبعض السِّيَر متعلّق بالسينما. التجربة اللبنانية في هذا المجال متواضعة، وأبرز عنوانٍ لها مشاركة الأخوين الرحباني في ثلاثة أفلامٍ، لمخرِجَين مصريين اثنين، لكلّ واحد منهما جذور لبنانية. "بيّاع الخواتم" (1965) ليوسف شاهين، و"سفر برلك" (1967) و"بنت الحارس" (1968) لهنري بركات، منبثقةٌ كلّها من الحضور المسرحيّ الطاغي للأخوين عاصي ومنصور، ومن رغبةٍ في اختبارٍ سينمائيّ غير مُتبدِّل كثيراً عن المناخ العام لمسرحياتهما، إذْ تكتفي الأفلام الثلاثة تلك بتضمين السياق الحكائيّ أغنياتٍ ومشاهد استعراضية راقصة، قد لا تكون مفيدة درامياً بالقدر الذي تتطلّبه صناعة الكوميديا الموسيقية. لاحقاً، يُكرِّم المخرج السوري الراحل حاتم علي السيرة الفنية الرحبانية، بتحويل مسرحية "هالة والملك" (1967) إلى فيلمٍ سينمائيّ بعنوان "سيلينا" (2009)، من دون المسّ، سينمائياً، بالمسرحية.

هذا كلّه غير قادرٍ على القول إنّ في لبنان سينما غنائية أو كوميدية موسيقية، رغم محاولات لاحقة، تميل غالبيّتها إلى النوع الأول، الذي يُدخِل الغناء في سياق النصّ، وبعض الإدخال يبقى خارج المسار الدرامي ـ الحكائيّ. في ثمانينيات القرن الـ20 مثلاً، مع فورة أفلامٍ تريد أنْ تكون نوعاً من تحية سينمائية للأمن اللبناني الشرعيّ، في مقابل طغيان السطوة المليشياوية، زمن الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، تظهر أفلامٌ لبنانية عدّة تتعاون مع مغنّين لبنانيين، أبرزهم سامي كلارك وملحم بركات ومادونا، يُقدّمون أكثر من أغنية واحدة في كلّ فيلم، تروي شيئاً من مناخاتٍ درامية، بدلاً من أنْ تكون جزءاً من السياق المتكامل، مع أنّ بعض الأغاني يُفسِّر شيئاً من الحدث الدرامي، أو يصفه على الأقلّ. هذا يحضر أيضاً في "أماني تحت قوس قزح" (1985)، لسمير أ. خوري، المستفيد من "شهرة" الطفلة ريمي بندلي، بعد تقديمها أغنية "أعْطُونا الطفولة"، باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، في القصر الجمهوري، زمن الرئيس أمين الجميل (1982 ـ 1988)، في أحد احتفالاته الديبلوماسية مع ممثلي الدول في لبنان.

لاحقاً، تخوض نادين لبكي تجربة الغناء في أحد أفلامها. ففي "هلأ لوين؟"، بالتعاون مع زوجها، الملحِّن خالد مزنّر، تغنّي بعض نساء البلدة الريفية أغنية عن الحشيشة، لتفسير رغبةٍ نسائية في تعطيل كلّ صدام عنفي بين مكوّنات البلدة، التي تختلف عن بعضها دينياً وطائفياً. ورغم أنّها تعبيرٌ عن حلٍّ، تراها النساء الأنسب في منع الرجال من الاقتتال فيما بينهم، إلّا أنّ الأغنية جزءٌ من تفكير شخصياتٍ في إحداث تغيير ما في سياق الحدث الدرامي. والأغنية "حشيشة قلبي" ليست الوحيدة، ففي "هلأ لوين؟" (2011) عدد من الأغاني (بعضها بصوت رشا رزق) تندرج في سياق فني لإيجاد معادل غنائي لمجريات درامية مختلفة. لكنّ هذا، بدوره، غير قادرٍ على منح "وهلأ لوين؟" صفة الفيلم الغنائيّ، علماً أنّ في الفيلم الأول للبكي، "سكّر بنات" (2007)، أغنيات متلائمة والمناخ الإنسانيّ العام في حكاية أناسٍ يواجهون تحدّيات العيش وهم في أعمارٍ مختلفة.

لفيليب عرقتنجي تجربةٌ في المزج السينمائيّ بين حكاية وفنّ استعراضي، يميل إلى الرقص أكثر من أي فنّ آخر. ففي "البوسطة" (2005)، أول روائي طويل له، لوحات استعراضية راقصة متنوّعة للدبكة اللبنانية، بأساليبها المختلفة، المنبثقة من هويات بيئية، تمتلك ثقافتها الشعبية المختلفة عن ثقافات بيئات أخرى، في مناطق لبنانية عدّة. لكنْ، أيكون هذا الفيلم غنائياً، بالمفهوم النقديّ للسينما الغنائية؟

الأمثلة السابقة نماذج متفرّقة من سينما لبنانية، تحاول إيجاد مساحات عدّة لأنماطٍ وتنويعات في اشتغالاتٍ، بعضها كوميديّ تجاريّ عاديّ، تكون الأغنية والموسيقى أساسيتين فيه، من دون أدنى اهتمامٍ بنوعهما وكيفية حضورهما في سياق درامي حكائيّ.

المساهمون