رغم الملاحقة الأمنية والعقوبات القضائية التي تصدر بحق ممارسي أعمال السحر والشعوذة، إلا أنها لا تزال منتشرة بكثرة في مناطق عراقية عدة. وأخيراً فجّرت صور وملصقات على دفاتر مدرسية تُباع في المكتبات الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما دخلت السوق العراقية وعلى أغلفتها ترويج لساحرات ومشعوذات.
تضمّ العاصمة بغداد عشرات المنازل التي تحتوي على ممارسي السحر والشعوذة، وتقصد الفتيات هذه المنازل لـ"التبرك وطلب التعجيل بالزواج، أو حل المشاكل الزوجية"، كما هي الحال في محافظات أخرى.
ووفقاً لمنظمات مدنية وحقوقية، فإن هذه الممارسات تسببت خلال الفترة الماضية بحالات طلاق، ومشاكل اجتماعية وأمنية عدة.
وتستخدم مكاتب السحرة والمشعوذين والدجالين عبارات جاذبة للفتيات تحديداً، مثل "العلاج الروحاني"، و"التنويم الإيحائي"، و"الإدراك فوق الحسي"، و"التأثير عن بعد"، ما يدفع بعض العراقيين إلى تصديق الروايات التي يطرحها هؤلاء، بالرغم من كونها غير علمية، وتحمل تلفيقاً.
وفي السياق، قالت آمال جاسم (60 عاماً) إن "ابنتها كانت تعاني من مشاكل نفسية، بينها البكاء الهستيري من دون سبب، والمزاج المتقلب والصراخ المتواصل، لكنها لم تلجأ إلى أي طبيب نفسي، بل توجهت إلى أحد المشعوذين المعروفين في العاصمة بغداد بعد نصيحة من صديقتها، وحين ذهبت إليه حاول التحرش بها، فخرجت سريعاً من المكتب وقدمت بلاغاً للشرطة حول الواقعة، وبالفعل جرى اعتقال المشعوذ وتبيَّن فيما بعد أنه أقدم على التحرش بالكثير من النساء". وأضافت جاسم أن "اللجوء إلى هؤلاء الأشخاص يحدث بسبب الجهل وقلة الوعي، كما أن هناك روايات يتداولها الناس عن الإمكانيات التي يملكها هؤلاء في حل المشاكل الاجتماعية والأمراض النفسية والجسدية"، مبينة لـ"العربي الجديد" أن "هؤلاء لا يستغلون الفقراء فقط، بل حتى الأغنياء والميسورين، بالتالي فإن المجتمع مستهدف من هؤلاء الذين لابد أن تجرى معاقبتهم".
من جهتها، أشارت الناشطة وعضو منظمة "المرأة العراقية"، حليمة البازي، إلى أن "النساء هنَّ ضحايا الدجالين على الأغلب، بعد مواجهتهن مشاكل اجتماعية معينة، وبسبب لجوء بعض المتزوجات إلى مكاتب السحر والشعوذة، فإنهن عادة ما يتعرضن بعد ذلك إلى مشاكل أكثر". وأضافت البازي، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "اللجوء إلى السحر والشعوذة هو أحد أسباب الطلاق حالياً، لكن لا أحد يتحدث عن هذا الأمر، لأنه معيب اجتماعياً، كما أن النساء عادة ما ينفين لجوؤهن إلى المشعوذين"، مبينة أن "السحرة والمشعوذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأنفسهم، وهذا يمثل كارثة بحق المجتمع العراقي، بالتالي فإن هناك حاجة فعلية لزيادة ملاحقتهم وإغلاق هذه المكاتب والمقار".
من جانبه، أكد مدير الشرطة المجتمعية في العراق العميد غالب العطية أن "فرق من الشرطة المجتمعية تمارس دورها بشكلٍ كبير لتوعية النساء بهذا الأمر، وحتى الرجال ممن يتورطون أحياناً بزيارة مكاتب ومقار السحر والشعوذة والدجل، وتصل إلينا بلاغات مستمرة بهذا الأمر، ونقدم بعد ذلك على اتخاذ الإجراءات".
أما الباحث العراقي محمد عمر، فقد بيَّن لـ"العربي الجديد" أن "حالات طلاق كثيرة تحصل حالياً بسبب هذه الممارسات، وتحديداً بسبب لجوء بعض النساء إلى المشعوذين، والمشكلة أن بعضهن متعلمات وخريجات كليات، ما يعرضهن إلى إحراج كبير مع المجتمع"، مؤكداً أن "السحر والشعوذة ظاهرة قديمة، وهي ليست دخيلة على المجتمع العراقي، وهي موجودة في أساطير الحضارات القديمة، لكن ما يجعلنا نستغرب هو استمرار اللجوء إلى هؤلاء على الرغم من التطور الكبير في العلوم والمعرفة ووسائل التعلم، ما يعني أن هناك أدوات يستخدمها هؤلاء للحصول على الزبائن، لذلك فإن إعطاء هذا الأمر أولوية من قبل الجهات الأمنية هو الحل".
وسبق أن كشفت منظمات محلية عراقية في بغداد عن ارتفاع عدد العاملين في السحر والشعوذة ممن يتخذون مكاتب لهم في شقق سكنية أو داخل منازلهم إلى أكثر من 200 شخص يعملون بصورة علنية.
وكان القانون العراقي قبل الاحتلال الأميركي يفرض عقوبات غليظة على ممارسي أعمال الشعوذة تتراوح بين السجن 15 عاماً إلى الإعدام، وأشهر حكم قضائي تم عام 1987 بإعدام ساحر علناً شرقي بغداد لتسببه بوفاة مواطن وسرقة مبالغ مالية منه، لكن القانون عُطّل بعد عام 2003.