السباقات الرقمية عربياً... أكثر من مجرّد لعبة

15 أكتوبر 2022
ساهم وباء كوفيد-19 في انتشار الألعاب الافتراضية (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

في قاعة مظلمة في عمّان خرقتها أضواء ليزر حمراء لإضافة مزيد من التشويق، جلس شبانٌ وراء آلات محاكاة، للتنافس على بطولة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للسباقات الرقمية، حالمين بقيادة سيارات حقيقية وإطلاق العنان لأحصنتها في بطولات عالمية. تقتصر المشاركة في سباقات السيارات العالمية على نخبة من الرياضيين الموهوبين، بمساندة فرق عريقة وشركات راعية تنفق مبالغ طائلة لاقتناء السيارات وتجهيزها. لكن بكلفة زهيدة نسبياً، يخوض جيلٌ صاعدٌ معارك افتراضية موازية وراء شاشاتهم، باحثين عن فرص أكبر.

في النسخة الثانية من نهائي كأس تويوتا غازو للسباقات الرقمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، دوّن الكويتي خالد الدشتي (16 عاماً)، اسمه كأصغر المتسابقين. قال الدشتي لوكالة فرانس برس: "في بداياتي، وصلت الكلفة الأولى لتجهيزات المحاكاة إلى 120 ديناراً (نحو 390 دولاراً)، وذلك حسب نوعية الشاشة. مع تطوّر هذه الألعاب، ستكون الفرص أكبر، وأشجّع الشبان على ممارسة هذه السباقات". يبحث الدشتي عن نقل واقعه الافتراضي إلى آخر واقعي، يقول: "أنا أصغر السائقين، والتجربة جميلة. حالياً أشارك في سباقات الكارتينغ، وحلمي أن أخوض غمار سباقات جي تي".

وكما في السباقات الكبرى حيث يقتدي اليافعون بأبطالهم، اصطحبت رنا عليّان ابنها بكر (11 عاماً)، لحضور فعاليات الأسبوع الماضي في العاصمة الأردنية، وتقول: "تأخذ ألعاب إي غيمز حيزاً كبيراً من وقت أطفالي، إلا أنهم يمارسونها بعد الانتهاء من دروسهم. بدأ بكر باللعب قبل عامين، ويحب كثيراً لعبة غران توريزمو، وهو يملك آلة محاكاة".

يقول فواز دحدل (28 عاماً) الذي تابع فعاليات النسختين الأولى والثانية: "يرتفع الأدرينالين ليس فقط عند السائقين، بل عند الجماهير أيضاً. عندما جربت القيادة على آلة المحاكاة، فإن الجهاز المخصّص لقياس دقات القلب أشار إلى 129 ضربة في الدقيقة". وعن مستقبل هذه الرياضة، يرى أنها "لم تعد مجرد لعبة، بل أصبحت رياضة. بمقدورنا القول إنها رياضة المستقبل، بسبب التجهيزات والمواهب القيادية".

في القاعة نفسها، انتشرت صور المشاركين الـ26 من 13 دولة، ونقلت شاشة عملاقة ما يحدث على أرض الحلبة المفترضة، وسط متابعة جماهيرية وتعليق مباشر. كان يمكن سماع هدير المحركات ومشاهدة التوقفات في منصات الفرق لتبديل الإطارات والتزوّد بالوقود، لكن من دون اشتمام رائحة اهتراء الإطارات والوقود.

في ظل ارتباط تسويقي وثيق بين السباقات الواقعية والافتراضية، حضر يوسوكي توميباياشي، المنتقل من السباقات الرقمية إلى بطولة سوبر جي تي 300، من اليابان، للاحتكاك مع المواهب العربية، فكان أن هُزم على يد اللبناني كارل إيتيميزيان. يرى ابن الـ26 عاماً، الفائز بنهائي سباقات جي تي الرقمية عام 2016 في لندن، أن الفارق الأهم بين العالمين الافتراضي والحقيقي هو "الجاذبية التي تفتقد لها الألعاب الرقمية، بخلاف الحلبات المؤذية في بعض الأحيان للجسد". يشير توميباياشي إلى أن انتشار الألعاب الرقمية في الشرق الأوسط ما زال في مرحلة التطوّر مقارنة بدول أخرى، لكنه يضيف: "شعرت بالذهول لأن مستوى السائقين في الشرق الأوسط يتطور بسرعة".

انتشرت الألعاب الافتراضية (إي غيمينغ) في الثمانينيات، فعمدت بعض الشركات إلى تطويرها، لاختبار شعور قيادة سيارة، ولكن خلف آلة تحكم. لقيت لعبة "غران توريزمو" نجاحاً، وصولاً إلى تنظيم بطولات تحت لواء الاتحاد الدولي للسيارات (فيا).

يقول رئيس قسم الألعاب الرقمية الأردنية لرياضة السيارات وأحد أعضاء مفوضية فيا الرقمية التي تلتئم دورياً من أجل وضع الأسس والقوانين لكي تصبح الألعاب الرقمية جزءاً من رياضة السيارات، نديم حداد: "ساهم فيروس كورونا في انتشار الألعاب الرقمية. من بطولة تسويقية محلية في 2020، توجّهنا لاحقاً إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". استقطبت البطولة في نسختها الأولى 13.8 مليون مشاهد و2.83 مليون تفاعل، حسب أرقام شركة إيبكس للاتصالات والمملوكة من باتريك كرم، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس مفوضية السباقات الرقمية في النادي اللبناني للسيارات والسياحة.

يشرح كرم أن "70 في المائة من المشاهدين راوحت أعمارهم بين 18 و34 عاماً، وتصدّرت الإمارات العربية المتحدة هذه القائمة مع 1.1 مليون مشاهدة، تلتها قطر (325 ألفاً)، ثم الأردن (187 ألفاً)، وتونس (132 ألفاً)، ولبنان (118 ألفاً)، والسعودية ومصر (68 ألفاً)"، يضيف أن "محرّك غوغل سجّل 8.1 ملايين عملية بحث، إضافة إلى 655 ألف مشاهدة لمقاطع فيديو".

علا الهتاف والتصفيق في العاصمة الأردنية، عقب فوز العُماني محمد البرواني (34 عاماً)، بلقب النسخة الثانية، متأهلاً إلى النهائيات العالمية، أمام القطري خالد المراغي والسعودي وسام خليل. يقول البرواني: "لم أتوقع هذا الفوز. تعرّض بعض المشاركين لحوادث، فيما اعتمدنا الاستراتيجية ذاتها مع هدف الحفاظ على الإطارات والوقود، ولم نرتكب الأخطاء"، يضيف: "هدفي أن أكون دريفتر (سائق تفحيط)، فأنا بدأت مسيرتي على آلة محاكاة في الدريفت، ثم انتقلت إلى الحلبات، ووجدت نفسي متألقاً، ولو حصلت على فرصة في السباقات العادية لن أفوتها".

(فرانس برس)

المساهمون