الدوقة القبيحة، هو اسم لوحة شهيرة رسمها الفنان الهولندي كوينتين ماسيس (1466 – 1530) وهو عمل مرسوم بالألوان الزيتية على لوحة متوسطة المساحة من خشب البلوط. العمل من مقتنيات المتحف الوطني في لندن، ويمثل وجهاً لامرأة مسنة ذات ملامح حادة وقاسية ترتدي ملابس الطبقة الأرستقراطية. نتوء العظام وترهلات الجلد وعدم التناسق بين جانبي الوجه، وغيرها من التفاصيل ساهمت جميعها في إضفاء لمحة ساخرة وقاسية على ملامح هذه السيدة.
هذا الأسلوب الساخر في رسم الوجه الأنثوي لم يكن مألوفاً في الأعمال التي تعود إلى تلك الفترة، لهذا يعد عمل ماسيس ذا أهمية كبيرة في تاريخ الفن نظراً لسبقه وفرادته. لكن لا تعود أهمية اللوحة في الحقيقة إلى طبيعة العمل وغرابته فقط، بل لتجاوزه المعايير الجمالية السائدة في تلك الفترة، حتى أن بعضهم يعتبره بداية مبكرة جداً للخروج من أسر الكلاسيكية، التي لطالما ربطت الفن بالجمال وأذواق النخبة من النبلاء والأرستقراطيين.
لا تتوقف أهمية اللوحة ومكانتها عند هذا الحد، فالوجه ذو الملامح الحادة والمميزة الذي رسمه ماسيس يتكرر على نحو مثير ولافت في عمل آخر لفنان معاصر له وأكثر شهرة، وهو الإيطالي ليوناردو دافنشي (1452 – 1519) . العمل الذي رسمه دافنشي بأقلام الباستيل الحمراء يتشابه إلى حد كبير مع عمل ماسيس، وهو ضمن أحد المجموعات الخاصة بجامعي الأعمال الفنية.
في عمل دافنشي سنجد أن الملامح والملابس والالتفاتة، وغيرها من التفاصيل الأخرى متطابقة على نحو يصعب معه أن نعزي الأمر إلى توارد الخواطر أو الصدفة. فمن منهما استنسخ عمل الآخر؟ حير هذا السؤال المتخصصين في تاريخ الفن، حتى استقر الرأي أخيراً أن دافنشي هو الذي استنسخ عمل ماسيس، وكان معروفاً أن بينهما مراسلات. فربما أرسل الأخير دراسة لعمله قبل تنفيذه إلى دافنشي، عندها قام باستنساخه. ولكن لماذا يستنسخ فنان مثل دافنشي عملاً لفنان آخر يصغره سناً وخبرة؟
هذان العملان الشهيران والإشكاليان لم يعرضا من قبل معاً، غير أنهما يجتمعان معاً لأول مرة ضمن معرض ينظمه المتحف الوطني في لندن حتى 11 يونيو/ حزيران المقبل. يقام المعرض تحت عنوان "الدوقة القبيحة: عن الجمال والسخرية في عصر النهضة". يُعرض العملان إلى جانب أعمال فنية أخرى تسلط الضوء على الجانب الساخر في أعمال فناني عصر النهضة، والأساليب التي تناولوا من خلالها الجمال الأنثوي. لا يعطي المعرض الأولوية لفكرة الاستنساخ ولا يقدم تفسيراً واضحاً للتشابه الكبير بين العملين، لكنه يتطرق إلى ما يمثله هذان العملان من تمرد واضح على المفهوم السائد للفن في تلك الفترة، وهو جانب في غاية الأهمية.
إن تمثيل المرأة على نحو مثالي، خاصة النساء من الطبقة الأرستقراطية، كان أمراً معتاداً وعُرفاً ثابتاً في الأعمال التي تعود إلى عصر النهضة، فالجمال والعذوبة كانا دوماً مرادفين للمكانة الاجتماعية. ولم يكن من المعتاد أن يُقدم أحد الفنانين في تلك الفترة على تجاوز هذه الأعراف الفنية، فما بالنا بنقد لاذع لطبقة النبلاء والأرستقراطيين على هذا النحو الذي قدمه ماسيس.
للوهلة الأولى، قد يفسر المرء اللوحة على أنها مزحة قاسية، تدعو المشاهدين إلى الضحك على وهم الدوقة المتصابية. ولكن، إذا ما أمعنا النظر قليلاً فسنجد أن العمل يصور سيدة أرستقراطية قوية ومتحدية لأعراف عصرها، بل يذهب بعضهم إلى أنها تتحدى أيضاً الأدوار النمطية المعتادة لكلا الجنسين في تلك الفترة. على كل حال فلا شك في أن مثل هذه اللوحات تمثل بداية الانسلاخ من القيود الدينية والأعراف الاجتماعية التي شكلت ملامح الفن الغربي لقرون، كما تشي بظهور تيار انتقادي للأوضاع والمسلمات الفنية خلال عصر النهضة؛ تيار يتحدى فكرة أن الجمال والجدارة الاجتماعية هما أمران مترادفان.
لم تكن لوحة ماسيس فريدة من نوعها، غير أنها كانت أحد الأعمال المبكرة والرائدة في هذا الاتجاه، فالفنان الهولندي معروف بأعماله المثيرة للجدل والمنافية للتقاليد الفنية المتبعة. ليوناردو دافنشي أيضاً له مجموعة من الرسومات المشابهة للوجوه غير التقليدية والمتخيلة تعرف باسم (Grotesque Head). هذا الاهتمام المشترك والتشابه بين التجربتين يعكس بلا شك إلى أي مدى بلغ التبادل الفني بين إيطاليا وشمال أوروبا في ذلك الوقت، وهو تبادل فني نتج عنه تلاقح واضح للأفكار وللتقنيات بين الفنانين عبر الحدود الجغرافية خلال عصر النهضة، وهو ما انعكس لاحقاً على تطور مفهوم الممارسة الفنية وابتداع أساليب جديدة تجاوزت القواعد المدرسية القديمة، وصولاً إلى الممارسات الحداثية والمعاصرة.