الدراما المصرية: مسلسلات بأبطال من ورق
17 مسلسلاً من إنتاج شركة "سينرجي" التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، الذراع الإعلامية الفنية لجهاز المخابرات العامة المصرية... تلك الأعمال التي رفعت سقف التوقعات والطموح لدى النقاد، في ظلّ حملة دعائية ضخمة من الشركة المنتجة، لتقديم تلك الأعمال قبل بداية الموسم، والتي أكدت أنّها تقدم "أعمالا مميزة ومتنوعة" وأنّ هناك نجوماً كباراً وبطولات ثنائية لعدد من ممثلي السينما والدراما.
الأعمال التي تم الترويج لها بشدة، كانت "الاختيار 2: رجال الظل"، من بطولة كريم عبد العزيز وأحمد مكي، و"هجمة مرتدة" لأحمد عز وهند صبري، مع عودة نجم بحجم يحيى الفخراني بعد غياب عامين في "نجيب زاهي زركش". وهناك مسلسلات "وطنية"، منها "هجمة مرتدة"، و"القاهرة كابول"، ومسلسلات ذات الـ15 حلقة مثل "بين السما والأرض"، و"أحسن أب"، و"كوفيد 25" إضافة إلى البطولات الجماعية.
تلك الصورة التي روجت لها الشركة المنتجة، جعلت بعض المتابعين والعاملين في صناعة الدراما يتوقعون موسماً مختلفاً وقوياً، لكنّ الحقيقة أنّ هذا الموسم جاء كاشفاً لكلّ عورات تلك المرحلة، والطريقة التي يوظف بها النظام رسائله بشكل مباشر، ويصل إلى حدّ "الفجاجة" من خلال "الفن". ليس ذلك فقط، بل يؤكد أنّ احتكار "المتحدة" للسوق الإعلامي والدرامي، الذي ترسخ في السنوات الأربع الماضية، ما زال يضرّ الكثير من المنتجين، وينتج دراما تبدو أنّها مفصلة بحسب قياسات موضوعة لا يجوز لأحد الخروج عنها. وقد يكون مشهد لقاء تركي آل الشيخ بعدد من النجوم والمنتجين المصريين في بداية شهر رمضان، عاكساً بشكل كبير حالة الإحباط والتضييق التي يعاني منها معظم العاملين في الفن، إذ هرول معظمهم للقاء الشيخ، في محاولة للضغط على الشركة المحتكرة التي تفرض شروطاً "مجحفة" على العاملين في الصناعة، بداية من النصوص التي تجري إجازتها، وصولاً إلى شكل تنفيذها والنجوم العاملين فيها وتوقيت وقنوات العرض.
ورغم محاولات إحكام السيطرة الكاملة على سوق الدراما، هناك العديد من الأعمال التي جرى إنتاجها بعيداً عن "سينرجي"، وتعرض على قنوات "إم بي سي"، ومنها "قصر النيل"، "وخلي بالك من زيزي"، "وملوك الجدعنة"، في حين أنّ "ولاد ناس"، و"الطاووس"، "والمداح" تعرض على قنوات "النهار"، وهي أعمال حققت نجاحاً وشعبية على مستوى الشارع، وبعضها نجاحه يفوق مسلسلات "سينرجي" التي توفر لها ماكينة دعائية كبيرة، سواء على "السوشال ميديا "، أو المواقع الإلكترونية والجرائد التابعة لـ"المتحدة"، التي تفرض على العاملين بها الإشادة بتلك الأعمال، بل تفرض عليهم نشر ما هو إيجابي عنها فقط، بشرط أن تقتصر الإشادة والثناء على أعمال "المتحدة".
تلك الأعمال المتنافسة في شهر رمضان تعكس رؤية الدولة المصرية للفن والثقافة، فقد امتلأ العديد من المسلسلات المعروضة بالتنميط والكليشيهات، وكلّ الرسائل التي تخرج من رأس الدولة، حول أهمية الأمن والذراع الأمنية القوية، وكيف أنّ الجيش والشرطة هما من يدفعان ضريبة حماية الوطن من "الإرهاب الغاشم".
ليس ذلك فقط، بل صورت معظم الأعمال المعروضة رجال الأمن وكأنّهم "ملائكة بأجنحة" لا يرتكبون الأخطاء، سواء في المسلسلات التي يطلق عليها "الوطنية"، وكذلك تلك الاجتماعية، ويتعاملون مع المواطنين والمتهمين، حتى الإرهابين منهم، بإنسانية بالغة. وتكفي الجملة التي يرددها بطل "الاختيار 2"، على المتهمين أثناء التحقيقات، فعندما يسأل المتهم الضابط ألاّ يقتربوا من أهله ولا يستخدموهم كورقة ضغط، ليعترف، يقول الضابط: "إحنا ما لناش دعوة بالبيوت أو الأهالي".
يبدو أنّ الشركة المتحدة والقائمين عليها ما زالوا يعتقدون أنّ ما تسمى بالأعمال "الوطنية" هي الضمان الفعلي لكلّ ممارساتهم الاحتكارية في السوق الدرامي والإعلامي. فبعد النجاح الذي صدّروه للجمهور والمتابعين حول الجزء الأول من مسلسل "الاختيار"، قرروا هذا العام، وبتعليمات واضحة، تقديم ثلاثة أعمال دفعة واحدة هي: "الاختيار 2"، و"هجمة مرتدة"، و"القاهرة كابول". أعمال تعكس رؤيتهم للتاريخ والواقع، فإذا كان الجزء الأول من "الاختيار" يروي ما حدث في كمين البرث من خلال الضابط أحمد منسي، لذلك على الجمهور أيضاً أن يرى بطولات الشرطة وتضحياتها، ليس ذلك فقط، بل أصبح المنتج يقوم حرفياً بترجمة ما يقوله السيسي إلى أعمال "فنية"، فتجد مثلاً أنّ أحد الضباط في مشهد يقول: "إحنا بننقذ مصر من العوز" وهي الجملة التي قالها السيسي بالحرف الواحد في أحد المؤتمرات التي يعقدها كلّ فترة. والمدهش حقاً أنّ المشاهد يرى في الحقيقة الكثير من الهزائم على الشاشة، بسبب عدم التنسيق بين الأجهزة، ومثال على ذلك في الحلقة 25، التي أذيعت من دون إعلانات أو أيّ فواصل، وكانت تتناول حادث الواحات الذي قتل فيه 16 ضابطاً ومجنداً، راحوا ضحية "عدم التنسيق" بين الجيش والشرطة، وتعرضوا لمصيدة قاتلة بحسب ما ورد في الحلقة.
وعلى الرغم من أنّ من المفترض أن يكون المتلقي أمام دراما حربية تقوم أحياناً على المبالغات، حتى لو شاهد قوى الخير تنهزم أمام قوى الشر، فعلى الأقل كان على القائمين على المسلسل إظهار من استشهدوا كأبطال دافعوا عن أنفسهم، لكنّ تنفيذ المعركة وإخراجها بهذا الشكل، عكس حالة التفوق للجماعات الإرهابية، على حساب القوة المنوطة بتنفيذ العملية، ولم يعرف أحد ما إذا كان المقصود فقط هو إثارة حالة من البكاء والرثاء للشهداء في الداخل والخارج، أم ماذا، إذ لم يرَ الجمهور، شكلاً واضحا للبطولة في الحلقة.
إذا كان "الاختيار 2" يحفل بعدد من العمليات غير الناجحة، والكثير من الضابط الذين تم اغتيالهم بسبب فشل القيادات في التخطيط للعمليات بطريقة محكمة وحاسمة، فإن "هجمة مرتدة"، والذي من المفترض أنه "دراما جاسوسية"، كان من المفترض أن يذكر الجماهير، بالأعمال البارزة، ومنها "دموع في عيون وقحة"، و"رأفت الهجان"، لكنّها للأسف لم تأتِ على مستوى الطموح ولا التوقعات، بل جاءت دراما مصطنعة، تحمل رؤية مفككة حول وهم "المؤامرة العالمية" على مصر والربيع العربي، وكيف أن الهدف كان إسقاط مصر وجيشها، وهي الرواية التي لا يتوقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن ترديدها.
أما مسلسل "القاهرة كابول" الذي يحكي عن فترة تاريخية مهمة في تاريخ مصر الحديث؛ فغفل عن الدور الذي لعبته بعض الأنظمة العربية وأجهزة مخابراتها، بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية في أفغانستان، في أثناء الحرب الأميركية - السوفييتية هناك، ويبدو كأنّ المسلسل يغسل يد النظام المصري تماماً من تلك الجريمة، ويصور الإرهاب كنبت شيطاني وكأنّه لا توجد أنظمة مسؤولة عن ذلك. المسلسل يحفل أيضاً بالكليشيهات والصور النمطية والحوارات المباشرة حول الوطنية والانتماء.
وبالطبع لا تحمل تلك الأعمال سوى وجهة نظر واحدة ووحيدة لمن يملكون صك الوطنية. وبعيداً عن الأعمال الوطنية المعروضة، سنجد أنّ هناك ظاهرة عامة تسيطر على الدراما الاجتماعية وهي دراما "الكمبوند"؛ فنحن أمام أبطال وطنيين يضحون بأنفسهم، أو أغنياء تنحصر مشاكلهم في المرض النفسي والخيانات. من هذه الأعمال، "ضد الكسر"، لنيلي كريم، و"حرب أهلية " ليسرا، و"كلّ ما نفترق"، أو نجد أنّنا أمام بطل مثل "نجيب زاهي زركش"، رجل فاحش الثراء يفاجئ عند وفاة صديقته والتي صارت زوجته قبل وفاتها، بأنّ له ابناً من صلبه ضمن أبنائها الثلاثة الذين وهبتهم لأسر مختلفة ليعيشوا معها.
الفخراني الذي عاد بعد غياب عامين، أغفل هو وكاتب سيناريو المسلسل عبد الرحيم كمال، عن ذكر أنّ المسلسل مأخوذ عن نص مسرحي إيطالي بعنوان "السيد بونتيلا وتابعه ماتي" الذي سبق للفخراني نفسه تقديمه على المسرح في نصّ بعنوان "جوازه طلياني" وبعدما كتب عدد من النقاد وتداولت المعلومات على السوشال ميديا، خرج مؤلف المسلسل معلناً اعتذاره، وأنّهم سيتداركون الخطأ.
أما النجمة ياسمين عبد العزيز، التي تشارك زوجها أحمد العوضي مسلسلاً بعنوان "اللي مالوش كبير" فلم تكتفِ بتقديم عمل اجتماعي عن امرأة متزوجة باعها أهلها لرجل أعمال غني، لا يتورع عن ضربها وإهانتها المستمرة، فتلجأ لبلطجي مشهور ليخلصها منه، لكنّها تقع في غرام "الخديوي" الذي تم تقديمه في بداية الحلقات كبلطجي يتعامل مع الداخلية، ويقوم بمهام لصالحها، وفجأة يتحول لابن بلد شهم كلّ همّه حماية "غزل" وهي البطلة تجسدها ياسمين عبد العزيز. ويبدو أنّ ياسمين وضعت خطوطاً درامية مستوحاة من قصة حياتها وزواجها الأول من رجل الأعمال محمد حلاوة، وما فعله معها شقيقها وأهلها عندما قررت الزواج من أحمد العوضي.
أما المخرج المدلل في الشركة المتحدة محمد سامي، فهو يقدم واحدة من أسوأ التجارب الدرامية في السنوات الأخيرة، إذ منحته الشركة ميزانية كبيرة، وأيضاً نجمها المفضل أمير كرارة، في بطولة درامية تجمعه بأحمد السقا في مسلسل "نسل الأغراب" وهو العمل الذي يصعب تصنيفه، إذ لا أحد يعرف هل ينتمي إلى الواقع أم دراما الخيال والفانتازيا، فنحن أمام رجلين (السقا وكرارة)، يتنافسان على امرأة (مي عمر)، زوجة المخرج، وتجمعهما صراعات عائلية، كما أنّ ولديهما أيضاً يتنافسان على فتاة بسيطة -وهي في الحقيقة أيضاً شقيقة المخرج- وهو ما أثار موجة من السخرية بين مستخدمي السوشال ميديا، لم تتوقف منذ الحلقات الأولى للمسلسل وحتى الآن.
دراما " نسل الأغراب"، لا تعكس سوى شيء واحد، وهو حال المخرجين المرضيّ عنهم وأصحاب العلاقات الوطيدة مع الأجهزة والمسموح لهم دون غيرهم إنجاز أيّ شيء يتخيلون أنّه "عمل فني". عرض في الموسم الرمضاني أيضاً مسلسل "موسى" لمحمد رمضان، والمسلسل رغم عناصره الفنية المتميزة، وجودة الحلقات العشر الأولى تحديداً، فقد دفع مع صنّاعه ثمن مواقف محمد رمضان المستفزة، تحديداً المتعلقة بصورته مع إسرائيليين في إحدى الحفلات في دبي. وهي الأزمة التي اعتقد رمضان أنّها ستمرّ ببساطة، لكن، على أرض الواقع، تأثرت شعبية رمضان بشدة، إذ كانت المقاهي سابقاً تكتظ بجمهوره ومحبيه، لكن مع أزماته المتكررة ومنها أزمة الطيار وإسماعيل ياسين تأثر رمضان كثيراً، لكنّ أزمة التطبيع هي ما قضت على الجزء المتبقي من شعبيته رغم الحماية والدعم المتوفرين له.
أما المسلسل الذي حقق نجاحاً كبيراً وتفاعلاً بين الجمهور، فهو "لعبة نيوتن" لمنى زكي، ومحمد فراج، ومحمد ممدوح، فهو بعيد عن "المتحدة" ومن إنتاج شركة "سعدي جوهر" القريبة من الرئاسة والتي تتحكم في سوق الإعلانات حالياً، ويتم عرضه على شاشة "دي إم سي".