الدراما السورية... الرئيس لا يملك اسماً

18 ابريل 2023
تكتفي بعض المسلسلات بوضع صورة له في مكتب ما (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

عُلِّق في أحد شوارع دمشق جسرٌ، أطلق عليه جسر سيادة الرئيس. بطبيعة الحال، كان النظام، أجهزةً وأفراداً، يفرض على السوري أن يقول اسم الجسر كاملاً في المجال العام، كأن يقول لسائق التاكسي: "أريد الذهاب إلى جسر سيادة الرئيس"، وليس "جسر الرئيس". بقي الجسر معلّقاً، وبقي سيادة الرئيس يطُل من علياء قصره على الجسر والمشاة يعبرونه. 

هذا الجسر ثبّت أيضاً في جميع مناحي الحياة السورية، ففي كل مناسبة ومحضر ومجلس يأتي فيها الحديث على ذكر حافظ الأسد أو بشار الأسد، كان يُقال سيادة الرئيس أو المعلم أو القائد، ولا داعي لذكر الاسم، فالرئيس معلوم، هو حافظ قبل موته، ثم هو بشار بعد أن ورث المنصب.
هذا الجسر عُلّق، أيضاً، على بوابة الدراما السورية. كل من يدخل منها يجب عليه أن تكون صنعته مراعية تماماً للاسم عند وروده. تتمثل المراعاة في انتقائه إحدى هذه الصفات: المعلم، القيادة، القائد، قائدنا، الزعيم، سيادة الرئيس، سيد الوطن، سيدنا، القائد المفدى، القائد الخالد، والرئيس تجاوزاً أو مجازاً. لقد حرصَ النظام في سورية منذ عام 1970 إلى وقتنا الحالي، على ضبط مسألة الاسم هذه وتمكن من ذلك. ولكن كيف حقق ذلك وما هي شواهده؟     
المتابع للمسلسلات السورية بتنويعاتها، الاجتماعية، والسياسية، والتاريخية، يلاحظ أن غالبيتها، وهي أكثر من أن تحصى في مقال، لا تورد اسم الأب حافظ الأسد أو الابن اسم بشار الأسد بشكل صريح في سيناريوهاتها وحواراتها بين الشخصيات. أما في حالة تناول الحقبة الزمنية التي تسبق حقبة الأب مثلاً، فلا مانع من ذكر أسماء رؤساء وقادة سورية، مثل شكري القوتلي، حسني الزعيم، خالد العظم، سامي الحناوي، هاشم الأتاسي، أديب الشيشكلي، ناظم القدسي، وجمال عبد الناصر في زمن الوحدة بين مصر وسوريا منذ 1958 حتى الانفصال 1961. وهؤلاء حكموا سورية مع نور الدين الأتاسي إلى حدود نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1970، باستثناء الرئيس المؤقت أحمد الخطيب الذي حكم لأيام، ثم أتى بعده حافظ الأسد. 
في زمن حكم الأسد الأب، ثم في حكم الأسد الابن، تعيّن اسم وحضور الرئيس في الدراما بثلاثة أشكال تقريباً؛ الصورة، واللقب، والإشارة. قد يَظهر أكثر من شكل في مشهد أو مسلسل ما، كأن تظهر الصورة واللقب أو الصورة والإشارة واللقب معاً.

لقد شكّلت الصورة علامة بارزة للدلالة على الرئيس في المسلسلات؛ إذ تدخُل ضمن كادر تصوير مشهد لمسلسل ما، فإما أن تُعلّق صورة لحافظ أو بشار، أو الاثنين معاً، في المؤسسات الحكومية والأفرع الأمنية، أو في بعض الأماكن الخاصة مثل المكاتب العقارية أو مكاتب تأجير السيارات. وفي حالة قال الممثل شيئاً له صلة بمنصب الرئيس أو أي شيء يتعلق به، فهذا يعني أن الرئيس هو بشار أو حافظ، وأن ما يجري في المسلسل هو في زمن أحدهما. 
في ما يخص صفة سيادة الرئيس الدكتور، فإن كلمة دكتور أضيفت بعد أن استلم بشار الأسد الحكم، كونه كان يدرس طب العيون في بريطانيا قبل أن توكل إليه مهام الرئاسة في التسعينيات. من أجل ذلك، كان البعض في المجال العام في سورية، يرتبك إذا ما قال أحدهم دكتور ولم يكمل ما يقصد أو يوضح من هو الدكتور، خصوصاً إذا كان يرمي إلى الكلام عن بشار الأسد، فليس له من عذر لئلا يقول سيادة الرئيس الدكتور.

سينما ودراما
التحديثات الحية

الشكل الثالث من حضور الرئيس في الدراما السورية هو الإشارة. يعني أن يُلمح الممثل داخل المشهد بيديه ويومئ برأسه إلى الأعلى ويعلّق: "فوق فوق"، أو "القيادة من فوق"، أو "من فوق فوق كتير". أيضاً، السياق الدرامي، هنا، يعلمنا إذا ما كان هذا الـ"فوق" هو بشار أم حافظ، أو هو قائد جهاز أمني ما. لكن في أغلب المشاهد التي تكون فيها "فوق" هي عن بشار أو حافظ، فإن حركات وانفعالات الممثل وصوته الذي يكاد يختفي عندما يقول "فوق" تدلان على أن المقصود هو "سيادة الرئيس" فعلاً.

هذه الأشكال الثلاثة لحضور اسم الرئيس من عدمه في المسلسلات السورية، لا نجدها تؤرق نظيراتها المصرية على سبيل المثال. فإذا أخذنا في مصر نفس المدة الزمنية التي حددناها لسورية، أي منذ 1970 إلى الآن، سنجد مسلسلات مثل "ليالي الحلمية" و"الجماعة" و"الاختيار"، يورد فيها أسماء الرؤساء المصريين كافة (جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، وعبد الفتاح السيسي) وغير ذلك من أسماء لوزراء وقادة في الجيش والأمن.
من المعلوم أن اقتصادات الدراما تحدد بنيتها وإمكاناتها، وأن سياسات الدراما تحدد علاقتها مع العالم من حولها. وفي سورية، نعلم أن اقتصادات وسياسات الدراما تجري تحت معرفة وموافقة السلطة الأمنية قبل الرقابية. لكن خارج سورية، عند أصحاب الإنتاج المستقل وغير الداعم للنظام، لم نشهد مسلسلا دراميا قيّما التمس غياب اسم الرئيس في المسلسلات السورية وأورده في مسلسله.

المساهمون