تعيش الدراما التركية تحت رحمة معدلات نسبة المشاهدة، وهي رهن مزاج المشاهد التركي الذي يحدد استمرار عرض المسلسل أو توقفه، مهما كان حجم الميزانية المرصودة للعمل.
وفي السنوات الأخيرة، بدأ مزاج المشاهدين يميل إلى الأعمال التاريخية، ويعزف عن قصص الحب والرومانسية المكررة.
ومؤخراً، بدأت المسلسلات التي تحمل أبعاداً نفسية وتطرح القضايا التي تلامس الواقع تلقى رواجاً لدى المشاهد التركي، وظهر هذا واضحاً مع بدء عرض أولى حلقات مسلسل " الغرفة الحمراء" الذي تصدّر نسبة المشاهدة.
تفوّق المسلسل على المسلسلات التي تعرض معه مساء الجمعة، وبنسبة مشاهدته العالية، تسبب في إيقاف مسلسل "السيد الخطأ" لجان يمان، وإدخال مسلسل "زهرة الثالوث" دائرة الخطر والتهديد بالإيقاف، حيث تراجعت نسبة مشاهدته بشكل صادم، بعد أن كان في موسميه الأول والثاني يتصدر نسبة المشاهدة.
ما يميّز مسلسل "الغرفة الحمراء" أنه مأخوذ من قصة حقيقية للكاتبة غولسيرين بودايجي، وهي في الأصل طبيبة نفسية، وتدور أحداثه في عيادة نفسية.
كل حلقة تحكي قصة واقعية لمريضين مختلفين، ويسلّط المسلسل الضوء على قضايا العنف النفسي والجسدي بشكل عام، وبشكل خاص العنف في الطفولة، وتأثير ذلك على شخصة الفرد عندما يكبر، عبر جلسات ثنائية وحوارات نفسية تعتمد على التحليل، وفي نفس الوقت تحمل بعداً فلسفياً، وهذا أمر خارج عن المألوف في المسلسلات التركية المُعتادة.
مسلسل آخر حقق نسبة مشاهدة عالية منذ حلقاته الأولى، ويطرح قضايا نفسية عميقة وهو "شقة الأبرياء".
ويركز المسلسل، وهو أيضاً لنفس الكاتبة غولسيرين بودايجي، على العنف في الطفولة، وهو مقتبس أيضاً من قصة حقيقية عن أم دمرت حياة أولادها الأربعة بسبب قسوتها معهم، ما جعلهم مرضى الوسواس القهري.
المسلسل يبدأ بمقدمة مؤثرة تتحدث عن العنف وتبدأ بعبارة "لم تستطع أي دولة في العالم منع العنف بالقوانين والعقوبات الثقيلة فقط، لأن العنف عادة سيئة يتم تعلّمها في الطفولة، وتختم بعبارة "كلنا معاً لإيقاف العنف".
يُعرض للكاتبة والطبيبة غولسيرين، إضافة إلى مسلسلي "الغرفة الحمراء" و"شقة الأبرياء"، الموسم الثاني من مسلسل "المنزل الذي ولدت فيه هو قدرك"، وهو الآخر قصة حقيقية بها شق نفسي.
ما يربط الأعمال الثلاثة أن الأبطال عانوا في طفولتهم، سواء من قسوة الأب أو الأم، وأثر ذلك على حياتهم مستقبلاً. وخلاصة هذه الأعمال الثلاثة أن الطفل عندما ينشأ في بيئة قاسية، سيمارس نفس العنف الذي عاشه مع زوجته وأطفاله ومحيطه، وتحمل رسالة واضحة وهي إن لم تكن قادراً على تربية أطفالك في بيئة صحية فالأفضل ألا تنجب، أو ألا تتزوج من الأساس، قبل أن تعالج مشاكلك النفسية؛ لأنه كما ورد على لسان أحد أبطال مسلسل "الغرفة الحمراء": "الأطفال يدفعون ثمن أخطاء عائلاتهم".
اللافت أنه في مقابل نجاح هذه الأعمال لدى المشاهدين، إلا أن غولسيرين بودايجي تتعرّض لانتقادات شديدة من قبل زملاء مهنة لها في الطب النفسي وبعض النقاد، ومن ذلك أنها لا تحترم خصوصية مرضاها وتفشي أسرارهم، وتستغل قصصهم وتُحولها إلى روايات ومسلسلات تجني من ورائها المال، وأنها حققت ثراء فاحشاً بفضل قصص مرضاها.
غولسيرين ردت على تلك الاتهامات، في لقاء صحافي معها، فقالت إنها تحرص على سرية المرضى وشخصياتهم الحقيقية، وإنها تستوحي من قصصهم مع حرصها على بقاء الشخصية الحقيقية مجهولة.
وأضافت أن بعض المرضى كان لديهم قلق من كشف أسمائهم أو هوايتهم، ولكن بعد أن اطلعوا على الكتب عبروا عن ارتياحهم لإبقاء الشخصيات مجهولة، وقالوا لها إنهم شاهدوا مشكلتهم أمام أعينهم، ولكن من منظار آخر ومن بعيد، وشعروا بأنهم تعالجوا بالفعل وشكروها على ذلك.
غولسيرين التي تحظى كتبها بإقبال شديد، سبق أن عرض لها مسلسل "عروس إسطنبول"، واستمر عرضه لثلاثة مواسم، ويتضمن أيضاً منحى نفسياً، ويذكر أن روايتها الشهيرة "فتاة النافذة" ستتحول بدورها إلى مسلسل.