الدراما التركية تحتل شاشات المغرب
يهرب كثير من المشاهدين المغاربة من شاشاتهم إلى تلك العربية (Getty)
يتمتّع التلفزيون التركي، بسبب ما راكمه من أفلامٍ ومسلسلات، بمكانة بارزة داخل أجندات الشاشة الصغيرة في المنطقة المغاربيّة، لا سيما في المغرب، فقد بات هذا الوسيط البصريّ، يحرص سنوياً على حضور الدراما التركيّة، لتصل في بعض الأحيان إلى حدود النصف من الإنتاج الأجنبي.
وعلى الرغم من هزالة الإنتاج الدرامي التركي فنياً، فإنّ أرباحه في تزايدٍ مستمر، بحكم هذه الحظوة التي أضحى يحتلها داخل تلفزيون الجوار بالمغرب وتونس والجزائر، فالمُتابع لهذه المسلسلات الدرامية المدبلجة، التي يتم شراؤها مغاربيّاً من أجل الاستثمار فيها مادياً، عن طريق بثّها للمُشاهد المَغاربي، يستحيل أنْ يعثر على مسلسل واحدٍ يستحق المُشاهدة، ما يجعل المرء يتساءل عن العلاقة التي تجمع هذه المسلسلات الرومانسية التركية والواقع المغاربي المنكوب سياسياً واجتماعياً، وما يعرفه من مآزق وتصدّعات.
وحتى المسلسلات ذات الطابع التاريخي، التي من الممكن أنْ تخلق نوعاً من المعرفة التاريخيّة للمُشاهد، كما هو الأمر للدراما الآسيوية، فإنّها سرعان ما تسقط في ركامٍ من الأخطاء التقنية أمام امتحان الصناعة البصريّة ومعالجاتها المُتنوّعة، وهي تنتجُ صوراً مشروخة عن محطّات تاريخيّة، تكاد لا تُفترق المخيال التركي، وكأنّها في هذا "الماوراء" المُتمثّل في الأوج التاريخي، يكمن إنتاجها.
غير أنّ التلفزيونات المنكوبة، لا يهمها مثل هذه الأخطاء المعرفية ولا هزالة الإنتاج الدرامي ومدى تأثيره في المُشاهد، أمام ملايين الدراهم، التي تستخلصها شهرياً من جيوب المواطنين، بحكم ارتفاع نسب المشاهدة، ما يجعلها سنوياً تقبل على دبلجة العديد من الأفلام (بوتيرة أقلّ) والمسلسلات التركية، كمُحاولة لاستعادة أهميّة وسيطها داخل الشاشة المغاربيّة. هذا الأمر، بقدر ما هو عاملٌ مهمّ لهذه الشاشة الصغيرة في الاستناد على ضخامة الإنتاج الأجنبي، فهو يلعب دوراً سيئاً في شهر رمضان، إذْ يُساهم ذلك في نوعٍ من ذيوع الدراما التركيّة داخل التلفزيونات المغاربيّة، لكنّ المُشاهد يعرف مسبقاً أنّه مضطر إلى الهجرة صوب قنواتٍ أجنبية، ما يُساهم في ضعف هذه المسلسلات من ناحية التلقّي، لأنّ ثمّة بديلاً هذه المرّة بالنسبة للمُشاهد، ويتمثّل في بعض نماذج الدراما العربيّة وقدرتها على تحقيق مُتعةٍ بصريّة، بحكم طبيعة موضوعاتها، التي تظلّ أقرب إلى وجدان المُشاهد المَغاربي.
ولأنّ الدراما التركية لا ترتكز على نظامٍ بصريّ يحكمها، فإنّها لا تعمل سوى على مواصلة بث نوعٍ من الصور المستوردة من سياقاتها داخل مسلسلاتٍ فرنسية وأميركيّة أو هندية أحياناً، ما يجعل عملية التخييل منهارة في باطنها، لأنّ منطلقاتها الفنيّة والجماليّة غير صحيحة.
ونظراً إلى المأزق البصريّ الذي تقع فيه الشاشة الصغيرة داخل المغرب مثلاً، مع بداية كلّ شهر رمضان، فإنّها لجأت في السنوات الأخيرة، إلى الإشهار من أجل تمرير بعض الرسائل والصور والشعارات الرنانة في كون الإنتاج الدرامي لهذه السنة مغربيّاً بامتياز.
لكنّ ذلك، لا يدحض حقيقة حدّة شبح الدراما التركيّة، إذ تُعرَض حلقاتها يومياً في التلفزيون الرسمي، وبما أنّ الإنتاج المحلي هزيل ورديء عموماً، لا يبقى للتلفزيون سوى هذه المسلسلات المدبلجة، التي يُحقّق بها نوعاً من الموازنة على صعيد أرباحه، ولا يهمّه الصورة التنميطيّة، التي يُروّجها للدراما التركيّة داخل البلاد المغاربيّة، وحجم التفاهة المُقنّنة، التي يُسوّق لها التلفزيون التركي على خلفية أنّ ذيوع إنتاجاته البصريّة ترجع بالأساس إلى معايير الجودة.
لجوء التلفزيون المغربي إلى الدراما التركيّة من أجل حلّ معضلاته الفنيّة والجماليّة، أكبر أشكال الانحطاط البصريّ، إذْ لا يجوز لبلدٍ حصل منذ أكثر من نصف قرن على الاستقلال، أن يكون غير قادرٍ على تحقيق نوعٍ من الاستقلال الفنيّ الذي يجعل شاشته التلفزيونية قابعة في الجهل المُركّب وتابعة لمُختلف الصور التنميطيّة، التي يُروّج لها التلفزيون التركي على أساس أنّها تقدّمٌ تاريخيّ وصناعة فنيّة وجماليّة، رغم ما فيها من هشاشة وقبح.