الخطاب التحريضي الإسرائيلي على الفسلطينيين: الجميع مستهدف

17 نوفمبر 2023
47 شهيداً من الصحافيين والعاملين في قطاع الإعلام (أحمد حسب الله/ Getty)
+ الخط -

بالتوازي مع وحشية الاحتلال في قطاع غزة، يواجه الفلسطينيون عنفاً آخر على مواقع التواصل الاجتماعي يتصاعد هو الآخر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ويتّخذ أشكالاً مختلفة. فمواقع التواصل نفسها تعمل على حجب المحتوى الفلسطيني والعربي وذاك المتضامن مع غزة منذ انطلاق العدوان، بينما تفتح الباب واسعاً أمام التحريض على إبادة أهل القطاع. وقد رصد مركز حملة ــ المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، باستخدام "مؤشر العنف"، أكثر من مليون حالة خطاب كراهية وتحريض موجهة ضد الفلسطينيين/ات والمناصرين/ات للحقوق الفلسطينية على منصات التواصل الاجتماعي باللغة العبرية. ولا تزال هذه المنشورات موجودة ومتناقلة بشكل هائل. وقد تركز انتشار هذه الخطابات، بحسب "حملة"، على منصة "إكس" نظراً لعدم تتبع المنصة للمحتوى الضار المنشور، والسماح بوجوده وانتشاره. وقسّمت هذا المحتوى على الشكل التالي: 68 في المائة مبنية على أسس سياسية، و29 في المائة مبنية على أسس عرقية، أما باقي خطابات العنف فمبنية على أسس جندرية ودينية وغيرها.
كذلك، لقد عالج مركز حملة 1477 انتهاكًا على منصات التواصل الاجتماعي من خلال منصته حُر - المرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية الفلسطينية، منذ 7 من أكتوبر وحتى 14 من نوفمبر/ تشرين الثاني، وشملت هذه الانتهاكات 573 حالة تقييد وحذف حسابات ومحتوى ناشطين/ات فلسطينيين/ات ومناصرين/ات للحقوق الفلسطينية، بالإضافة إلى 904 خطابات تشجع على الكراهية والتحريض. 
و"مؤشر العنف" الذي أصدره مركز حملة، هو نموذج لغوي يعمل بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي لرصد انتشار خطابات الكراهية والتحريض والعنف على منصات التواصل الاجتماعي باللغة العبرية. وجاء تقرير "حملة" بعد أسبوع من مصادقة البرلمان الإسرائيلي على تعديل قانون مكافحة الإرهاب ليعاقب بالسجن لمدة تصل إلى سنة كل من "يستهلك منشورات إرهابية بشكل منهجي ومستمر"، حيث يُقصَد بالمنشور الإرهابي في هذا السياق كل منشور ينطوي على "دعوة مباشرة لارتكاب عمل إرهابي" أو "يمجده أو يتعاطف معه". وبينما يستثني هذا القانون من نطاق عمله نشر رسائل لأغراض إخبارية. أي أن الاحتلال فتح الباب واسعاً أمام سجن أي منتقد لجرائمه، ويعطي غطاءً للتحريض ضد الفلسطينيين.
هذا التحريض في الفضاء الافتراضي باللغة العبرية، ليس سوى ترجمة مباشرة للتحريض السياسي والعسكري الإسرائيلي على الفلسطينيين، من نزع الإنسانية عنهم، من خلال وصفهم بـ"الحيوانات البشرية" مع بداية العدوان (وزير دفاع الاحتلال يوآف غالانت)، ونفي صفة المدنيين عن سكان القطاع، كما فعل رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ.
التحريض على المدنيين رافقه أيضاً تحريض على الصحافيين على الأرض وعبر مواقع التواصل. وآخر ضحايا هذا التحريض الصحافي والمصوّر الغزي صالح الجعفراوي، الذي انتشرت صورته على مجموعات عبرية كثيرة على تطبيقات المراسلة، إلى جانب مواقع التواصل الأخرى، تطالب بقتله. وقبل أيام، ومع تواصل التهديدات ضده، كتب الجعفراوي عبر حسابه على تطبيق إنستغرام: "أنا صالح الجعفراوي، صحافي حر، ومن المفترض أن يحظى الصحافيون بحماية دولية، أُحمّل مسؤولية سلامتي الشخصية إلى المجتمع الدولي. لن أتوقف عن نشر الجرائم بحق أبناء شعبي الفلسطيني".


التهديدات والتحريض على الجعفراوي جزء من مشهد كبير وواسع، يُترجم بأكثر أشكاله وضوحاً بقتل الصحافيين المتواصل منذ اليوم الأول للعدوان. إذ وصل عدد الشهداء من الصحافيين والعاملين في قطاع الإعلام إلى 47 فلسطينياً، بحسب أرقام نقابة الصحافيين الفلسطينيين.
وبين القتل والتحريض، عشرات التصريحات والاتهامات العشوائية والكاذبة التي جعلت من الفلسطينيين أهدافاً يومية مشروعة لآلة القتل الإسرائيلية. وأمام ارتفاع وتيرة هذه التهديداتً، نشرت منظمة مراسلون بلا حدود (مقرّها باريس)، تقريراً، نهاية الأسبوع الماضي، رصدت فيه خطاب الكراهية المتصاعد ضد الصحافيين الفلسطينيين من قبل جهات حكومية وأخرى غير حكومية، في محاولة للتغطية وتبرير جرائم القتل ضد المراسلين والمصورين. وأشارت "مراسلون بلا حدود" إلى نشر منظمة إسرائيلية غير حكومية، في التاسع من الشهر الحالي، تقريراً مصحوباً بصورة غير مؤرخة لمصور مستقل مع أحد قادة حماس، مشككة بذلك في نزاهته ونزاهة خمسة صحافيين آخرين يعملون لوسائل إعلام دولية مثل "رويترز"، و"أسوشييتد برس"، و"نيويورك تايمز"، و"سي أن أن"، وأشار التقرير إلى أن الصحافيين العاملين في غزة كانوا على علم مسبق بعملية طوفان الأقصى. وبناءً على هذه الاتهامات "تناقلت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية مضامين هذا التقرير، قبل أن تنتشر بشكل واسع على الصعيد الدولي، حيث نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تغريدة كرَّرت فيها الاتهامات نفسها، وأقدمت على نشر صور الصحافيين المعنيين، وهو ما يعرضهم للخطر بشكل علني. بل وذهبت المديرية الوطنية للدبلوماسية العامة، التابعة لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى أن هؤلاء الصحافيين كانوا متواطئين في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، داعية في الوقت ذاته إلى "اتخاذ إجراءات فورية"، بحسب ما نقلت "مراسلون بلا حدود".
لكن ما هي "الإجراءات الفورية" التي طالب بها مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي؟ الجواب جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس في تغريدة على موقع إكس، إذ قال إنه في حال كان الصحافيون المذكورون في التقرير على علم مسبق بعملية طوفان الأقصى، فإنهم "لا يختلفون عن الإرهابيين في شيء ويستحقون أن يواجهوا المصير نفسه الذي ينتظر هؤلاء". ولم تمر سوى ساعات قليلة على ذلك، حتى وجَّه عضو البرلمان داني دانون دعوة صريحة لقتل الصحافيين في غزة، مطالباً بـ "تصفية" المصورين الصحافيين "الذين شاركوا في تغطية المذبحة".
بالتوازي أغرق الإسرائيليون شبكة الإنترنت برسائل وتعليقات تتهم المراسلين العاملين في القطاع بالتواطؤ مع حماس أو تصفهم بأنّهم "متحدثون باسم منظمة إرهابية".

طبعاً نفت المؤسسات الإعلامية الكبرى، مثل "رويترز"، و"أسوشييتد برس"، و"نيويورك تايمز"، أي علم مسبق لمصوريها بالعملية، واتجهت CNN إلى قطع علاقتها مع المصوّر الحربي حسن أصليح، موضحة في الوقت ذاته أنه ليس لديها أي سبب وجيه للشك في نزاهة عمله كصحافي. من جهتها، قالت صحيفة نيويورك تايمز إن اتهام عاملين لديها بأنهم كانوا على علم بهجمات "حماس" هو"اتهام باطل ويبعث على العار"، مضيفة أنه "لا يوجد أي دليل على التلميحات" التي أطلقتها المنظمة غير الحكومية في ما يتعلق بالمصور المستقل الذي يعمل لحسابها.
هذا التحريض على الصحافيين الفلسطينيين، وعلى الناشطين على مواقع التواصل، ارتفعت وتيرته مع دخول العدوان شهره الثاني بشكل أساسي، وذلك في مواجهة الدور الكبير الذي يقوم به الصحافيون الغزيون داخل القطاع، بعدما منع الاحتلال اي صحافي أجنبي من الدخول إلى أي منطقة من مناطق غزة، لتغطية العدوان. ولم تنفع المناشدات الدولية بفتح المعابر والسماح بدخول المصورين والمراسلين الأجانب.
وكانت التهديدات قد طاولت أبرز المراسلين في غزة، ودمّرت منازلهم (مراسل التلفزيون العربي باسل خلف على سبيل المثال)، واستهدفت عائلاتهم. وتكاد اللائحة التي تشمل أسماء صحافيين فقدوا عائلاتهم أو افرادا منها لا تنتهي، بينهم مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح الذي استشهدت زوجته وابنه وابنته وحفيده، ومصوّر وكالة الأناضول محمد العالول، الذي فقد 4 من أطفاله و4 من أشقائه في غارة على مخيم المغازي، وسط قطاع غزة.

المساهمون