استخرج الباحثون الذين يدرسون البقايا البشريّة من بومبي أسراراً جينيّة من عظام رجل وامرأة دفنا تحت الرماد الناجم عن الانفجار البركاني، الذي قضى على المدينة الرومانيّة القديمة، بحسب ما أفادت به "بي بي سي".
كشف النتائج المنشورة في مجلة Scientific Reports الكثير من المعلومات الجينيّة عن الضحايا، والمشفّرة في الحمض النووي المستخرج من عظامهما.
وحفظ الحمض النووي القديم في الأجساد المغطاة بالرماد الذي تصلّب مع مرور الوقت.
اكتشفت الجثتان لأوّل مرة في العام 1933، في مكان أطلق عليه علماء الآثار في بومبي اسم Casa del Fabbro، أو بيت الحرفي.
وكان الشخصان مرميّان في زاوية غرفة الطعام، كما لو أنّهما كانا يتناولان الغداء عند انفجار بركان فيزوف في 24 أغسطس/ آب من العام 79 ميلادي.
اقترحت إحدى الدراسات الحديثة أنّ سحابة الرماد الضخمة الناتجة عن ثوران بركان جبل فيزوف صارت قاتلةً لسكان المدينة في أقلّ من 20 دقيقة.
ورأت عالمة الأنثروبولوجيا الدكتورة سيرينا فيفا من جامعة سالينتو، في تصريح لـ"بي بي سي"، أنّ الضحيتين اللذين درسهما الباحثون "لم يسعيا للهرب".
وقالت فيفا: "توحي وضعية جسديهما بأنّهما لم يحاولا الهرب". أضافت: "لعلّ الإجابة عن سبب عدم فرارهما تكمن في ظروفهما الصحية".
اليوم، كشفت الدراسة الجديدة لعظامهما المزيد من الأدلّة.
أوضح البروفيسور غابرييل سكورانو، من مركز لوندبك في كوبنهاغن، الذي قاد الدراسة، إنّ قدرتهم على إنجازها كانت متعلّقة بالكيفيّة التي حفظ فيها الهيكلان العظميّان. يقول: "إنّه أوّل شيء نظرنا إليه وبدا واعداً، لذلك قرّرنا أن نحاول استخراج الحمض النووي".
بحسب سكورانو، سمح كلّ من الحفظ الممتاز للهيكلين العظميّين واستعمال أحدث التقنيّات المخبريّة للعلماء بأن يستخرجوا قدراً كبيراً من المعلومات من "كميةٍ صغيرةٍ جدّاً من مسحوق العظام". يقول سكورانو: "يمكن لآلات التسلسل الجديدة أن تقرأ عدّة جينومات كاملة في نفس الوقت".
وكشفت الدراسة الجينيّة أنّ الهيكل العظمي للرجل يحتوي على حمض نووي من البكتيريا المسبّبة لمرض السل، ما يشير إلى أنّه ربّما كان مصاباً به قبل وفاته.
وأظهرت الدراسة أنّه شارك النقاط المرجعيّة المميّزة في شفرته الجينية مع أفراد آخرين عاشوا في إيطاليا خلال العصر الإمبراطوري الروماني. لكن كانت لديه أيضاً مجموعة من الجينات الشائعة في جزيرة سردينيا، ما يشير إلى أنّ شبه الجزيرة الإيطالية حظيت بدرجةٍ عاليةٍ من التنوع الجيني في تلك الفترة.
ويرى سكورانو أنّه سيكون هناك الكثير لتعلّمه في الدراسات البيولوجية لمدينة بومبي، بما في ذلك من الحمض النووي البيئي القديم الذي يمكن أن يكشف النقاب عن التنوع البيولوجي آنذاك.
يقول: "بومبي مثل جزيرة رومانية"، ويضيف: "لدينا صورة واحدةً منها ليوم واحد في العام 79 ميلادي".
أمّا الدكتورة فيفا فتعتبر أنّ كلّ جثة في بومبي "كنز"، وتقول: "هؤلاء شهود صامتون على واحدٍ من أشهر الأحداث التاريخية في العالم"، وتضيف: "العمل معهم أمرٌ عاطفي جدّاً، وامتياز كبير بالنسبة لي".