يتشبّث الحكواتي التونسي هشام درويش بمهنته التي يخشى عليها من الاندثار، وينتقل من مكان إلى آخر داخل تونس وخارجها لسرد حكاياته على جمهور بات ينتظره في شهر رمضان.
يقول درويش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنّه "ليس من السهل التمسك بهذه المهنة في زمن طغت عليه الأفلام والمسلسلات التلفزيونية وبرامج الترفيه المتعددة، لكنني أحاول جاهداً مواصلة مهنتي التي لا تدرّ عليّ أرباحاً مادية جيدة لكن يكفي أنّها مصدر سعادتي وراحتي النفسية".
يضع درويش لباسه التقليدي (الجبة التونسية والشاشية)، في حقيبة وينطلق إلى مكان العرض، حيث تكون سعادته مضاعفة عندما يكون جمهوره من الأطفال، فهو دائم الانبهار بذكائهم وتفاعلهم مع حكاياته.
فن ضارب في القدم
منذ القدم، عرف شهر رمضان في تونس بانتشار فن الحكاية أو الخرافة، ويُسمى الراوي بـ"الخراف"، فهو الذي ينقل الحكايات عن أسلافه للجيل الجديد بطريقة سردية مميزة وبلهجة تونسية مهذبة، وعادةً ما تحمل رواياته حكماً وعبراً حياتية عدة.
ويعدّ عبد العزيز العروي أحد أشهر الحكواتيين في تونس، فهو كان يروي حكاياته الشعبية عبر الإذاعة، ولاحقاً صُوّرت هذه الحكايات على أشرطة تلفزيونية، وما زالت تعرض على الشاشة حتّى اليوم.
ويعتبر فن الحكاية جزءاً هاماً من الثقافة التونسية، ففي كلّ بيت كان الأجداد أو الآباء يقصّون الخرافات على أبنائهم، خاصةً في ليالي الصيف ويتفننون في الوصف والبلاغة والارتجال أحياناً.
شروط خاصة
يملك فن الحكاية قواعد أساسية، لعل أهمها جملة البداية الشهيرة التي يقولها الحكواتي قبل أن يبدأ القصّ بهدف لفت انتباه جمهوره لبداية حكاية جديدة: "يا سادة يا مادة يدلنا ويدلكم للخير والشهادة"، ثمّ ينطلق في سرد مشوق لحكايته التي ينهيها بجملة: "حكايتنا هابة هابة العام الجاي يجينا صابة" (دعاء بنية وفرة محصول الحبوب في السنة المقبلة). وقد عدّل درويش جملة النهاية لتصير: "حكايتنا تعيش تعيش مع حكايات درويش" ويردّدها مع الأطفال مراراً.
يتمتّع الحكواتي بذاكرة قوية ويملك معلومات فياضة وقصصاً تراثية ممتعة، تتمحور عادةً حول شخصية رمزية تلعب دور البطولة وتتحلّى بالشجاعة والمروءة ونصرة المظلوم. في نهاية كلّ حكاية لا بد أن ينتصر الخير على الشر، وأن تكون الحكمة هي سيدة الموقف والقيم والفضائل هي الرسالة، وهو ما يجعل المستمعين في شوق دائم لحكاية وقصة أخرى.
يقول درويش: "غالباً ما أتعمد عدم إكمال الحكاية وترك الفرصة للجمهور لتخيل النهاية بهدف تنمية ملكة التفكير لديهم".
دور منصات التواصل
بدأ عدد الحكواتيين في تونس بالتراجع مع مرور الزمن، لكنّ الحكواتي هشام درويش بقي متشبّثاً بمهنته التي يزاولها بحب وشغف كبيرين فهو ينتقل من مكان إلى آخر لسرد حكاياته على جمهور بات ينتظره في شهر رمضان.
وعلى عكس الاعتقاد المنتشر في بعض الأوساط حول مسؤولية مواقع التواصل الاجتماعي في ابتعاد الناس عن فن الحكاية، يقول هشام درويش لـ"العربي الجديد": "استفدت كثيراً من تلك المواقع في نشر قصصي، خاصةً خلال الحجر الصحي"، لافتاً إلى أنّها مكّنته من البقاء "على تواصل مباشر مع الناس على صفحتي على موقع فيسبوك وتمكنت من الوصول إلى جماهير عريضة".
أّمّا عن الفرق بين الحكواتيين، فيقول درويش: "لكلّ حكواتي أسلوبه الخاص ومهارته في الإلقاء والتعبير، فتارةً تجده عابساً وتارةً ضاحكاً وتارة أخرى يغير نبرة صوته حسب الحدث أو الشخصية، وجميعها أساليب لجذب المتفرجين".
ولا تقتصر مهنة الحكواتي على الترفيه فقط، بل لها أبعاد تثقيفية وتربوية أيضاً، إذ يحرص درويش على ارتداء اللباس التقليدي التونسي، كما يشجع الأطفال على ارتدائه لترسيخ المحافظة على الهوية والموروث المادي واللامادي لديهم، وقد استلهم عدة معلمين من فن الحكاية طريقة جديدة للتدريس لأنّ أسلوب القصّ الممتع يسهّل عليهم إيصال المعلومة إلى طلابهم.
وتنتشر مهنة الحكواتي في العديد من الدول العربية، وعلى الرغم من اختلاف تسميتها بين بلدٍ وآخر، إلّا أنّ جذورها تعود إلى التراث الشفوي العربي الثري والمتنوع.
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
