الحرب تشتت الصحافيين السودانيين في القارة الأفريقية

18 مايو 2024
سودانيون يفرون من جحيم الحرب في مدينة الرنك، 19 مارس 2024 (سالي هايدن/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اندلع الصراع في السودان في 15 إبريل 2023، مما أدى إلى نزوح أكثر من 8.5 ملايين شخص وحاجة نصف المواطنين لمساعدات إنسانية، وتزايد الاعتداءات ضد الصحافيين مما دفع العديد للجوء إلى دول مجاورة.
- الصحافيون السودانيون في المنفى يواجهون تحديات مثل البطالة وصعوبات الحياة، مع تسليط الضوء على الخطر الأكبر الذي تواجهه الصحافيات، وجهود نقابة الصحافيين والمنظمات الدولية لدعمهم.
- يحمل الصحافيون السودانيون أملاً بعودة السلام وتشكيل حكومة مدنية تدعم حرية الصحافة، رغم تحديات كبيرة تعكسها المرتبة 149 للسودان في مؤشر حرية الصحافة لعام 2024.

منذ اندلاع الصراع في السودان في 15 إبريل/ نيسان 2023، بين الجيش النظامي بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان والقوات شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول حميدتي، تزايدت بشكل حاد التهديدات والاعتداءات والانتهاكات ضد الصحافيين السودانيين، ما دفع الكثيرين منهم للجوء إلى الدول المجاورة، وفقد معظمهم وظائفهم.

وكانت الاشتباكات بين الطرفين قد انفجرت في إبريل 2023، وتحولت إلى صراع مسلح في قلب العاصمة الخرطوم، قبل أن يمتد إلى جميع أنحاء البلاد. أدّى ذلك إلى نزوح أكثر من 8.5 ملايين شخص من منازلهم، فيما يحتاج قرابة 25 مليون شخص، أي قرابة نصف المواطنين، إلى مساعدات إنسانية في ظل انهيار شبكات إنتاج وتوزيع الغذاء وانعدام الأمن.

الصحافي محمد الجيلي كان في الخرطوم حين اندلعت الاشتباكات، فغادرها "غاضباً وآسفاً" متجهاً إلى مسقط رأسه في ولاية الجزيرة، وسط البلاد، حيث وصلت إليها الحرب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. بقي هناك شهوراً عدة، رغم الخوف والقلق وغياب الخدمات الضرورية، قبل أن يقرر المغادرة مجدداً. عمل الجيلي في المملكة العربية السعودية لسبع سنوات قبل عودته إلى السودان بعد تفشي وباء كوفيد-19، وواصل عمله الصحافي متعاوناً مع جهات نشر سعودية، وكان يتقاضى راتباً يكفيه هو وأسرته. عقب اندلاع الحرب، ترك الخرطوم واتجه إلى منطقة الماطوري في ولاية الجزيرة حيث مكث 10 شهور، لكن شبكة الاتصالات انقطعت، فتوقف عمله ومصدر رزقه، واعتمد طوال الفترة الماضية على إخوانه في بلاد المهجر الذين يرسلون له ما يعينه على الحياة وتكاليفها. قرر الخروج من السودان، وبدأ رحلته من منطقة الماطوري مروراً بعدد كبير من المدن، منها ربك وسنار، وسنجة، وكسلا، وهيا، وعطبرة، وكريمة، ومروي، ودنقلا، ومنطقة المثلث، ومنها عبر الصحراء لمدينة الكفرة الليبية، ومعه كثير من الأسر الهاربة من جحيم الحرب.

يقول الجيلي لـ"العربي الجديد"، عبر الهاتف، إنه اختار ليبيا أملاً بالحصول على وظيفة، لكن أمله الأكبر هو "أن تتوقف آلة الحرب لتكون آخر الحروب ويعم السلام ربوع البلاد"، وأن يعود هو وغيره من اللاجئين إلى ديارهم، "ويعود الجيش إلى ثكناته، وتحل كل المليشيات، وتشكل حكومة مدنية، ويصبح فيها المناخ موات لعمل الصحافيين".

وفقاً لنقابة الصحافيين السودانيين، فإن الحرب في السودان أجبرت مئات الصحافيين والصحافيات على مغادرة مناطق النزاع المسلح، ثم الوطن بحثاً عن الأمان، وتحاصرهم اتهامات التخوين والموالاة لهذا الطرف أو ذاك، وهم مهددون بالاحتجاز والاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري أو الموت وفقاً لمزاج طرفي الصراع، فيما تواجه الصحافيات أخطاراً أكبر بسبب العنف القائم على النوع. وأفادت النقابة بأن العنف الموجه ضد المدنيين عامة والصحافيين خاصة أدّت إلى تقلص أعداد الصحافيين السودانيين الموجودين في المدن والولايات التي شهدت اشتباكات، ما فرض حالة من التعتيم الإعلامي، إذ تناقص عدد الصحافيين في العاصمة الخرطوم إلى أقل من مائة صحافي وصحافية، بينما لا يتجاوز عدد الصحافيين السودانيين الموجودين في ولايات دارفور 60 صحافياً، وأقل من 20 آخرين في ولاية الجزيرة، والأمر نفسه ينسحب على ولايات كردفان.

إلى مصر الجارة الشمالية للسودان، لجأ أكثر من 250 صحافياً سودانياً. ويقول سكرتير العلاقات الخارجية في نقابة الصحافيين طاهر المعتصم، المقيم حالياً في القاهرة، إن النقابة سجلت أكثر من مائة صحافي فيها لجأوا إلى مصر، وهناك مثلهم لم يسجلوا ضمن كشوفات النقابة، وأن مشكلات تواجههم هناك ككل اللاجئين السودانيين. ويوضح المعتصم، لـ"العربي الجديد"، أن عشرة صحافيين على الأكثر فقط هم الذين يعملون هناك، بينما يواجه الآخرون البطالة ولا يتلقون مساعدات من أي جهة، ويقول إن نقابة الصحافيين تمكنت من المساعدة في تخفيض فاتورة العلاج للصحافيين وأسرهم، وذلك بالاتفاق مع بعض المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات الخاصة والأطباء السودانيين والمصريين، كما أن بطاقة عضوية النقابة توفر نوعاً من الحماية للصحافي والصحافية.

أما الصحافي عمار حسن فكانت وجهته دولة أوغندا قبل ثلاثة شهور هرباً من القتال الدائر، وكان قد مكث ثمانية شهور في الخرطوم، ومع تصاعد وتيرة المعارك وانقطاع شبكات الاتصالات وتردي الخدمات توجه إلى بورتسودان، شرق البلاد، للاستقرار هناك، لكن بعد ثلاثة أشهر قرر المغادرة إلى أوغندا بسبب الكلفة العالية لأسعار الإيجارات وغلاء المعيشة في بورتسودان التي تحولت بعد معارك الخرطوم إلى عاصمة إدارية. يقول حسن، لـ"العربي الجديد"، إنه صدم في أوغندا بواقع صعب، "فإيجار العقار أو السكن يبدأ من 150 دولاراً شهرياً، والمعيشة تكلف المبلغ نفسه، والشخص الواحد يحتاج لما بين 400 و500 دولار في الشهر الواحد، وهو مبلغ يصعب تدبيره مع حالة العطالة التي يعاني منها معظم الصحافيين السودانيين هناك الذين يزيد عددهم عن المائة صحافي". ويضيف حسن أن معظم الصحافيين السودانيين في أوغندا يعانون من البطالة، إذ فقد معظمهم وظائفهم جراء إغلاق الصحف والقنوات الفضائية والإذاعات، ومعظمهم يعيشون على مدخراتهم أو بمساعدة عائلاتهم وأقربائهم، مبيناً أن بعضهم آثر العودة إلى البلاد رغم الأخطار كلها.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

أمل محمد الحسن، وهي صحافية تعمل في صحيفة التغيير، اختارت التوجه إلى العاصمة الكينية نيروبي حيث سبقها إليها عدد من زملائها. ذهبت عبر رحلة برية من مدينة دنقلا، شمال السودان، إلى عطبرة، ومنها لكسلا ثم للقضارف، ووصلت إلى مطار مدينة قندر، حيث استقلت الطائرة لأديس أبابا ومنها إلى نيروبي. وتصرح الحسن، لـ"العربي الجديد"، بأن رحلتها "كانت شاقة ومقلقة ومكلفة وخطيرة، وفي نيروبي وجدت في البداية مشكلات تتعلق بالاستقرار والإيجار وإجراءات الإقامة، وايجاد مدارس للأبناء لمواصلة تعليمهم". وتوضح الحسن أن هناك نحو 30 صحافياً سودانياً في كينيا، بعضهم فضل العيش خارج نيروبي بسبب الغلاء، وبعضهم يعاني من البطالة، كما يواجه البعض الآخر مشاكل اللغة. وتفيد بأن البعض أسسوا مشاريع اقتصادية صغيرة، لا سيما من لديهم خبرة سابقة في كينيا. وتضيف الحسن أن نيروبي هي مركز لدول شرق أفريقيا، وكل المنظمات الدولية لديها مقار فيها، وقد بادرت بعض هذه المنظمات إلى مساعدة الصحافيين من خلال دورات تدريبية مكثفة في مجال تطوير المهارات، وبعضها تبنت إنتاج مواد صحافية، كما وجدت المجموعات من صناع الأفلام تمويلاً من جهات عدة.

أما الصحافي أحمد يونس فكانت وجهته وآخرين لإثيوبيا لأنها، كما يقول لـ"العربي الجديد"، الأقرب لمكان نزوحه الأول هربا من الحرب، ولسهولة الدخول إليها، وللتقارب بين الشعبين السوداني والإثيوبي. ويقدر عدد الصحافيين اللاجئين لإثيوبيا بنحو عشرة. ويبين أحمد يونس أن المشكلات التي تواجه الصحافيين السودانيين في إثيوبيا تتمثل في صعوبة الحصول على تراخيص العمل والإقامة، وأن أكثر مشكلة تواجه السودانيين الذين دخلوا بفيزا سياحة هي رسوم الإقامة الشهرية البالغة 100 دولار، مع أن السلطات الإثيوبية أعفت السودانيين من رسوم الإقامة ثلاثة شهور ثم جددتها لشهرين إضافيين. ويشير يونس إلى أن معظم الزملاء الموجودين في إثيوبيا يعملون مراسلين لمؤسسات دولية.

يذكر أن السودان احتل المركز 149 من أصل 180 بلداً في مؤشر حرية الصحافة لعام 2024 الذي تعده منظمة مراسلون بلا حدود.

المساهمون