"الحب والصمت" وذلك الفيلم [3/3]

25 يوليو 2023
نالت المرسال عليه جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2021 (تويتر)
+ الخط -

ما فشل فيه الفيلم المأخوذ عن رواية "الحب والصمت" نجحت فيه بامتياز الشاعرة إيمان مرسال، في كتابها الاستقصائي، إن جاز التعبير، "في أثر عنايات الزيات" (2019)، الذي نالت عليه جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2021.

الكتاب عبارة عن حفريات عنيدة ومثابرة، تتقصى حياة الكاتبة الزيات التي وضعت لحياتها حدّاً عام 1963. وبنشره، أُعيد اكتشاف الزيات وروايتها، بل نشر عشرات المقالات عنها بتأثير من جاذبية فكرة الانتحار التي لا تكاد تُضاهى. والمؤسف أن أغلب هذه المقالات أعادت سرد المعلومات نفسها التي وفرها كتاب مرسال. وبدا أن كتّاباً كثيرين لم يقرأوا رواية الزيات نفسها، ولم يشاهدوا الفيلم المأخوذ عنها، فضلاً عن أن النزاهة الأدبية توجب قراءة موازية، وربما نقدية، لنص مرسال ولرواية الزيات، خصوصاً أن كتاب مرسال يُعنى بالكاتبة، وليس بالرواية، وبتفكيك وإعادة بناء حياة تلك الكاتبة التي رحلت شابّة، وتعددت المقاربات في فهم كآباتها وانتحارها، وأغفلت تقصي حياتها نفسها وأسباب إخراجها من "التحقيب" الأدبي داخل بلادها، وبين كتّاب عصرها، رغم أنها تنحدر طبقياً من عائلة أرستقراطية، وكانت صديقة لواحدة من أشهر نجمات السينما المصرية، نادية لطفي، فضلاً عن وصول مخطوطة روايتها إلى أكثر من كاتب مهمّ في حينه، أو ادّعاء بعضهم ذلك، بحسب مرسال التي تفضي حفرياتها إلى التشكيك بروايات بعضهم عن نشره أو اكتشافه للكاتبة الشابة، وتبنيها أو نشر بعض أعمالها الأدبية، ومنهم الكاتب المعروف أنيس منصور.

موقف
التحديثات الحية

لا تكتفي مرسال بهذا، فهو جزئية من متن عريض ومشوّش كانت تعمل عليه لإعادة بنائه، فحتى سبب أو أسباب انتحار الزيات يعاد النظر فيها من خلال روايات من بقي على قيد الحياة من الشهود. وبتعدد الروايات وتمحيصها، يضيق نطاق البحث للوصول إلى ما يُعتقد أنه الحقيقة أو الأقرب إليها، أو على الأقل إضافة احتمالات جديدة لما اعتُبر مسلّمات في الصورة التي أُنتجت عن الزيات وروايتها.

يبدو كتاب مرسال نصاً موازياً، عكر المزاج، مكتئباً، في البحث عن الزيات نفسها، فالبحث عن الكاتبة يبدأ بالبحث عن المقابر، وإعادة اكتشاف الأرشيف الذي دُمّر والشوارع وأسمائها التي تغيرت، والبيوت التي كانت منفصلة، وأصبحت مباني بعدة طوابق. كأن مرسال كانت تزيل الردم وتبحث عن البناء الأول عارياً من أي إضافات وتشوّهات والتباسات، وهناك ستجد تلك الشابة الصغيرة التي انتحرت، وكانت تريد أن تُنسى، فأعادتها مرسال إلى الذاكرة.

تبحث مرسال في تواريخ وماضي كل ما يتعلق بالزيات، فإذا وصلت إلى طلاقها تبدأ بحفرياتها في تاريخ الخُلع في القوانين المصرية. وعندما تصل إلى مرض الزيات النفسي، تتقصى تاريخ المصحات النفسية في مصر، لتصل إلى تلك أُدخلت إليها الزيات وهي طفلة. ويصل الهوس في التقصي إلى البحث عن الدواء الذي تناولته الزيات، وكان سبب وفاتها، ومتى استخدم؟ وكم كان عدد الحبات منه في العلبة الواحدة؟ وهو ما قاد كاتب هذه السطور إلى مواصلة الحفر، وإنْ لم تتوافر أدواته كاملة، عن الزيات في السينما، وهو ما تشير إليه مرسال من دون أن يكون هاجسها، وصولاً إلى الخلاصة المخيّبة للأمل والقائمة على تناقض فج، وهو أن السينما اكتشفت الكاتبة المنتحرة قبل الأدب، ورغم ذلك فإنها أكثر من أساء إليها، وساهم في قتلها وإن بدا أنه يحتفي بها.

موقف
التحديثات الحية

وهذا يكشف فداحة ما يسمى النقد السينمائي في المنطقة، فهو مزاجي وانطباعي ولا يحفل بأدواته المساعدة، ومنها التوثيق والتأريخ. فأنت مثلاً تشاهد فيلماً يشارك فيه نجوم السينما، لكنك قد لا تجد أي معلومة حقيقية وموثوق فيها عن مخرجه مثلاً أو عن كاتب السيناريو، فلا تعرف كيف تُموضِع الفيلم في سياقات تحليلية متعددة.

وفي حالة الزيات فإنك تصاب بالصدمة حقاً من تلك الجرأة التي قادت مخرجاً متواضع المستوى لإعادة إنتاج رواية تقوم على المشاعر وليس الأحداث سينمائياً. فحتى مخرج في وزن يوسف شاهين لجأ إلى روائي مثل نجيب محفوظ عندما أنتج "الاختيار" (1970). فأفلام هذه النوعية الخاصة تحتاج إلى كتّاب مبدعين قبل إعطاء الأمر بالتصوير، وهو ما لا يعرفه "المخرج" عبد الرحمن شريف، الذي لا يعرفه أحد.

المساهمون