ضمن مهمة مشتركة مع عدد من وكالات الفضاء الأخرى، بدأت وكالة "ناسا" الأميركية (الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء) التجهيزات لعملية إطلاق المنظار الفضائي، الذي يحمل اسم "جيمس ويب" ليكون بديلاً عن المنظار "هابل" الأشهر، وهو أكثر قدرة على اكتشاف أعماق الفضاء.
يواجه التلسكوب، أو منظار الفضاء، المقرر إطلاقه قبل نهاية هذا العام، والذي سمّي باسم ثاني مدير لـ"ناسا" (1961- 1968) جيمس إدوين ويب (1906- 1992) العديد من المشاكل التي تتعلق بالصيانة وسوء الإدارة، والتأخير، لكنّ أبرزها هو الخوف من القراصنة، إذ من المفترض أن يشحن المنظار إلى أميركا الجنوبية حيث تقع منصة الإطلاق في غينيا الفرنسية.
تهديد القراصنة، هنا، ليس مجرد مزحة كما نقرأ في عنوان مقالة في مجلة "ذي أتلانتك"، وإن بدا الأمر كذلك، فالسفينة ستمر ضمن مياه خطرة، وشهدت حالات اختطاف سابقة، ما دفع "ناسا" إلى التعتيم على موعد انطلاق السفينة، خصوصاً أنّ المنظار بلغت تكلفته نحو عشرة مليارات دولار أميركي، واستمر العمل عليه أكثر من عشرين عاماً، وهو ما أدخل "ناسا" ضمن تعقيدات لوجستية جديدة، تتعلق بمن سيقوم بمرافقة السفينة التي تحمل المنظار، قوات البحرية الأميركية، أم قوات دولية؟
هذه المخاوف حقيقية. وهناك العديد من الحالات التي سُرق فيها تلسكوب، أو ببساطة كما حدث في الثمانينيات، حين عدّل قبطان السفينة، التي كانت تحمل تلسكوب "JMCT" مساره لقضاء عمل آخر. وحين تأخر في الوصول إلى هاواي، المكان الذي من المفترض أن يوضع فيه التلسكوب، جرى تغريمه بسبب التفافه، فما كان منه إلاّ أن هدد القائمين على المشروع، برمي التلسكوب في البحر، إن لم يدفعوا له أجره كاملاً من دون غرامات.
هناك مخاوف من أن يواجه التلسكوب هجوماً عسكرياً أثناء صعوده
يمكن القول إنّ الخطر لن يتوقف حين يغادر التلسكوب كوكبنا، فالاتفاقيات العسكرية تشير أيضاً إلى حروب الفضاء، بل إنّ الولايات المتحدة أضافت قسماً فضائياً إلى مؤسستها العسكرية، وهو الأمر نفسه في فرنسا وروسيا، كما هناك أقاويل عن منصات إطلاق صواريخ متمركزة في الفضاء، وفي حال اشتعال حرب عالمية، ستكون جاهزة لقصف الأرض والأقمار الصناعية على حدّ سواء.
هذه السيناريوهات أُخذت بعين الاعتبار في فرنسا، ليس فقط لحماية "الفضاء" أو خوض الحروب ضمنه، بل لدراسة الاحتمالات عن حروب المستقبل، إذ قام الجيش الفرنسي، بالتعاون مع عدد من كتّاب وفناني الخيال العلمي، بإطلاق ما يسمى "الفريق الأحمر" الذي يتعاون فيه الكتّاب والعسكريون، للتفكير في أشكال حروب المستقبل والتهديدات التي تحويها، والأهم وضع حلول لكيفية الوقوف في وجهها، وتصور ماهية التكنولوجيا المطلوبة لأجل ذلك.
لا قراصنة في الفضاء حتى الآن، في حدّ علمنا على الأقل، لكن مع ازدياد برامج اكتشاف الفضاء، بل تحولها إلى قطاع خاص، لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن نواجه في المستقبل، خصوصاً أنّ الحرب الباردة والأدبيات الاستخباراتية المتعلقة بها، تقدم لنا نماذج عن محاولات سرقة أقمار صناعية، أو تدميرها في الفضاء، فالهيمنة على السماء وما فوقها، تعني السيادة على كلّ ما تحتها، وهذا ما يغذي إلى الآن العمليات العسكرية والخيال العلمي، تلك التي ترى في الفضاء مساحةً لا بد من استعمارها.
في الوقت نفسه، هناك ما هو إيجابي في هذه المقاربة، وهو الحفاظ على مركزية الأرض كالفضاء الذي يحوي الظاهرة البشرية، فالخطاب المقابل لما سبق يروج للسفر عبر الفضاء بوصفه أسلوباً للهروب والفرار، ويتم عبره اتهام من يقف في وجه عمليات احتلال الفضاء واكتشافه بتهديد مستقبل البشرية التي لم يعد كوكب الأرض كافياً لها، وعليها الآن أن تجد مُستقراً جديداً، وإلاّ ستنقرض.
بالعودة إلى المنظار "ويب" أو "JWST" ليس هناك إلى الآن أيّ تهديدات من القراصنة في البحر أو في الفضاء، لكن، لا نعلم ما الذي يمكن أن يواجه في رحلته، خصوصاً أنّنا أمام أعجوبة علمية، قد تقدم لنا من الصور والبيانات ما لم تعرفه البشرية من قبل، لكنّ الطمع أيضاً، واحد من أهم محركات الطبيعة البشرية، إذ يمكن أن نفنى جميعاً في سبيل إشباعه.