استمع إلى الملخص
- **دور الجينات والبيئة**: تتبعت الدراسة أكثر من عشرة آلاف طفل، وكشفت أن الجينات تلعب دوراً كبيراً في تشكيل المهارات غير الإدراكية، مما يجعلها بنفس أهمية القدرات المعرفية في التنبؤ بالنجاح الأكاديمي.
- **تأثير النتائج على التعليم**: توصي الدراسة بأن تعترف المدارس بالدور الحاسم للمهارات غير الإدراكية وتطور تدخلات لدعم التطور العاطفي والاجتماعي للطلاب بجانب التعلم الأكاديمي.
في الوقت الذي يعتقد فيه أكثرية الناس حوال العالم أن الذكاء هو الطريق نحو التفوق والنجاح الأكاديمي، يعتقد باحثون أن هناك مهارات أخرى لا ترتبط بالمعرفة أو الإدراك، لها تأثير كبير على مدى تحقيقنا أهداف التفوق الدراسي. في دراسة جديدة نشرت يوم 26 أغسطس/آب في مجلة Nature Human Behaviour، يرى باحثون أن المهارات غير الإدراكية، مثل الدافع والتنظيم الذاتي مهمة بقدر الذكاء في تحديد النجاح الأكاديمي. وفقاً للدراسة، تصبح هذه المهارات مؤثرة أكثر طيلة فترة تعليم الطفل، إذ تلعب العوامل الوراثية دوراً مهماً في ذلك. ويشير البحث إلى أن تعزيز المهارات غير المعرفية جنباً إلى جنب مع القدرات الإدراكية يمكن أن يحسن النتائج التعليمية.
تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة مارغريتا مالاشيني – المحاضرة في علم النفس في جامعة كوين ماري في لندن – إن نتائج الدراسة تتحدى الافتراض السائد منذ فترة طويلة بأن الذكاء هو المحرك الأساسي للإنجاز الأكاديمي. وتضيف: "لقد وجدنا أدلة دامغة على أن المهارات غير المعرفية - مثل العزيمة والمثابرة والاهتمام الأكاديمي وتقدير قيمة التعلم - ليست فقط من العوامل المهمة للنجاح ولكن تأثيرها يزداد قوة بمرور الوقت".
استخدمت الدراسة، التي تتبعت أكثر من عشرة آلاف طفل تتراوح أعمارهم بين سبعة و16 عاماً في إنكلترا وويلز مزيجاً من دراسات التوائم والتحليلات القائمة على الحمض النووي لفحص التفاعل المعقد بين الجينات والبيئة والأداء الأكاديمي. وكشفت النتائج بوضوح وجود دور أكبر تقوم به الجينات في تشكيل المهارات غير المعرفية وتأثيرها على التحصيل الأكاديمي. ومن خلال تحليل الحمض النووي، قام الباحثون ببناء درجة متعددة الجينات للمهارات غير المعرفية، وهي في الأساس صورة جينية لاستعداد الطفل لهذه المهارات.
توضح مالاشيني في تصريح لـ"العربي الجديد": "لقد اكتشفنا أن التأثيرات الجينية المرتبطة بالمهارات غير المعرفية أصبحت أكثر قدرة على التنبؤ بالتحصيل الأكاديمي على مدار سنوات الدراسة، بل إن تأثيرها يتضاعف تقريباً بين سبعة و16 عاماً. وبحلول نهاية التعليم الإلزامي، أصبحت الاستعدادات الجينية للمهارات غير المعرفية بنفس أهمية تلك المرتبطة بالقدرات المعرفية في التنبؤ بالنجاح الأكاديمي".
ووفقاً للباحثة، فإن هذا الاكتشاف يتحدى النظرة التقليدية للإنجاز التعليمي باعتباره يتحدد إلى حد كبير بواسطة الذكاء. وبدلاً من ذلك، تشير الدراسة إلى أن التركيبة العاطفية والسلوكية للطفل، التي تتأثر بالجينات والبيئة، تلعب دوراً حاسماً في رحلته التعليمية. وبينما تسهم الجينات بوضوح في تكوين المهارات غير المعرفية، تؤكد الدراسة أيضاً أهمية البيئة.
إذ تمكن الفريق البحثي، من خلال مقارنة الأشقاء، من عزل تأثير البيئة الأسرية المشتركة عن العوامل الوراثية. وفي حين تلعب العلاقات وظروف الحياة على مستوى الأسرة دوراً مهماً، فإن التأثير المتزايد للجينات غير المعرفية على الإنجاز الأكاديمي ظل واضحاً حتى داخل الأسر، وفقاً للدراسة. يبين هذا أن الأطفال قد يشكلون بنشاط تجارب التعلم الخاصة بهم بناء على شخصيتهم وميولهم وقدراتهم، مما يخلق حلقة تغذية راجعة تعزز نقاط قوتهم.
تشير المؤلفة المشاركة في الدراسة إلى أن نتائج هذه الدراسة لها آثار عميقة على التعليم؛ فمن خلال الاعتراف بالدور الحاسم للمهارات غير المعرفية، يمكن للمدارس تطوير تدخلات مستهدفة لدعم التطور العاطفي والاجتماعي للطلاب جنباً إلى جنب مع التعلم الأكاديمي. "لقد ركز نظامنا التعليمي تقليدياً على التطور المعرفي. الآن، حان الوقت لإعادة التوازن إلى هذا التركيز وإعطاء أهمية متساوية لرعاية المهارات غير المعرفية. من خلال القيام بذلك، يمكننا خلق بيئة تعليمية أكثر شمولاً وفعالية لجميع الطلاب" تقول مالاشيني.
وتوضح أن الدراسة تسلط الضوء أيضاً على الحاجة إلى مزيد من البحث في التفاعل المعقد بين الجينات والبيئة والتعليم. فمن خلال فهم هذه العوامل، يمكن للمعلمين وصناع السياسات تطوير استراتيجيات أكثر فعالية لدعم التنمية الشاملة للطلاب وتحقيق نتائج تعليمية أفضل.