في ظلّ احتفاء رسمي وشعبي ببدء موسم الحصاد، تستمر مزارع البندق في المحافظات التركية الشمالية في جمع محصولها هذا العام وتجهيزه للتخزين والتصدير، وسط مؤشرات متفائلة بإنتاج وفير ومربح، حيث يسهم الإنتاج المحلي بما يقدر بأكثر من ملياري دولار سنوياً.
تحتل تركيا المركز الأول عالمياً في إنتاج البندق بنسبة إنتاج تبلغ 70 في المائة، أي نحو ثلثي الإنتاج العالمي من البندق، بمعدل يصل إلى 420 ألف طن سنوياً. ووفقاً لبيانات اتحاد مصدري منطقة البحر الأسود، فإن تركيا تصدر ما بين 85-90 في المائة من إنتاجها إلى 125 دولة، تأتي على رأسها بالترتيب دول: ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا وهولندا.
وتضع الحكومة التركية جدولاً زمنياً صارماً لتنظيم موسم الحصاد في كل عام، فعادة ما يبدأ جني البندق من المناطق الساحلية في محافظة أوردو شرقي البحر الأسود في أواخر يوليو/ تموز، وبعد نحو 10 أيام يبدأ موسم الحصاد في المناطق الوسطى في الثلث الأول من أغسطس/ آب، بينما يبدأ موسم الحصاد في المناطق الجبلية والمرتفعة في منتصف الشهر نفسه. وأشهر المحافظات المنتجة للبندق هي طرابزون، إسطنبول، جيرسون، أوردو، سكاريا، سامسون، ويمثل البندق مصدر الدخل الرئيسي لآلاف العائلات الريفية في تلك المحافظات.
يوفر البندق العديد من الفوائد الصحية لجسم الإنسان نظراً لاحتوائه عناصر غذائية مهمة بنسب جيدة؛ كالألياف الطبيعية، والدهون الصحية، والفيتامينات خاصة مجموعة فيتامين ب، والمعادن، والبروتينات، ومضادات الأكسدة. ويُعدّ تناوله بكمياتٍ معتدلة آمناً لدى معظم الأشخاص، ولكنَّه قد يُؤثر سلبياً على الذين يُعانون حساسيةَ البندق. تُستخدم الثمرة للتناول مباشرة كأحد أهم عناصر المكسرات، كما تدخل في تكوين أكثر من 50 منتجاً غذائياً، كالشوكولاتة وزبدة البندق والقهوة والعديد من المشروبات الساخنة، كما أن زيت البندق يستخدم في الطعام، وله حضور ملحوظ في الصناعات الدوائية ومنتجات العناية بالبشرة والشعر.
ويشير أخصائيو التغذية إلى العديد من الفوائد الصحية لتناوله، ومن أبرزها دعم حركات الأمعاء الصحية والوقاية من حدوث الإمساك، ومقاومة زيادة الوزن، وحماية خلايا الجسم من التلف لاحتوائه على نسب عالية من مضادات الأكسدة، وتقليل الكوليسترول، وتحسين حساسية الإنسولين، ودعم صحة القلب، وتخفيف الالتهابات، وغير ذلك.
مشكلات التكلفة والربح والخسارة بالنسبة للمزارعين تعبر عنها شكاوى المزارعين المتكررة، لأنهم يتقاضون أجوراً زهيدة مقابل موسم طويل من الزراعة والرعاية والحصاد، وذلك في مقابل ما تجنيه شركات عالمية كبرى، مثل شركة فيريرو الإيطالية التي تستحوذ على معظم الإنتاج التركي من أجل إنتاج حلوى نوتيلا الشهيرة، ولكنها تحصل عليه بأسعار زهيدة مقارنة بما تجنيه من أرباح.
رئيس غرفة الصناعة في إسطنبول، عمر ديمير، دعا الحكومة التركية منذ عدة أشهر إلى إعادة التوازن لصالح المزارعين مشيراً إلى أن الشركة الإيطالية، في الموسم الماضي، كانت تشتري البندق بسعر 23 ليرة تركية (الدولار الواحد هو 18 ليرة تركية) للكيلو الواحد، بينما تبيع منتجها بسعر 23 دولارأً.
عادة ما تستثمر أحزاب المعارضة هذه المشكلة المزمنة للضغط على الحكومة التي تحاول وضع الحلول ودعم المزارعين وتجنب الانتقادات، واتخذ مجلس الحبوب التركي قراراً ببيع أسهمه في يونيو/حزيران الماضي بسعر 44 ليرة للكيلو، ويشير اقتصاديون إلى أن مجلس الحبوب التركي اتخذ خطوات لتحقيق التوازن في السوق، وأن هذه الخطوة من شأنها تقدير ثروة تركيا الزراعية.
عام 2020، افتتحت وزارة الثقافة والسياحة متحف البندق في ولاية أوردو التركية شمال شرقي البلاد، للتعريف بمراحل زراعة أشجار البندق ورعايتها ثم حصاد الثمار، وصولاً إلى استخداماته المتعددة، بالإضافة إلى شرح علاقة البندق الوثيقة بالثقافة الشعبية للريف التركي. تم تخصيص قصر أثري مكون من ثلاثة طوابق لاستضافة المتحف، يعود القصر إلى القرن التاسع عشر حيث كان يمتلكه أحد كبار رجال الأعمال يسمى قهرمان صاغرا. أسس صاغرا سنة 1936 أول منشأة صناعية لمعالجة وتعبئة ثمار البندق في المنطقة، وأسهم بنقلة نوعية في الحياة الاقتصادية للريف التركي، وجاءت تسمية المتحف باسمه تكريماً مناسباً لجهوده وجهود عائلته في هذا المجال.