البحث عن اللؤلؤ... ممارسة قطرية أصيلة

09 مايو 2022
الساده: "الغوص فيه متعة وروح المغامرة والتشويق والاستكشاف أيضاً" (العربي الجديد)
+ الخط -

لمسافة قد تصل إلى 80 كيلومتراً داخل البحر، وفي عمق قد يصل أحياناً إلى 23 متراً، يشد الغواص، محمد عبد الله حسين الساده، الرِّحال على الرغم من المخاطر التي قد تصادفه. هي رحلة يقودها شغفه لممارسة هواية دأب على مزاولتها لأزيد من 15 سنة. يغوص محمد الساده منقباً عن أحجار اللؤلؤ الطبيعية، مسترجعاً بذلك تاريخ أجداده في منطقة الخليج وبالذات في دولة قطر.

فبعدما كان الغوص بحثًا عن اللؤلؤ وتجارة اللؤلؤ بشكل عام، يشكلان المدخل المادي شبه الوحيد لأهل الخليج وسكان الساحل، والمهنة الأساسية التي عاش أغلب سكان الخليج على مردودها، أصبحت حالياً شغفًا وهواية لعدد من الغواصين المتمرّسين، وذلك من أجل الحفاظ عليها، وترسيخاً للتراث البحري القطري، أمام أنواع لا حصر لها من الرياضات البحريّة العصريّة. إذْ قليلا ما نجد مهتمين برياضة الغوص بحثًا عن اللؤلؤ والمحار. اقتصرت بدايات محمد الساده الأولى لدخول البحر على صيد الأسماك، رافضاً نصيحة أبيه آنذاك بالغوص بحثًا عن اللؤلؤ. غير أن مقابلته الأولى للمحار، وتعرفه على أماكن تواجده، وحصوله على كمية من اللؤلؤ بعد جهد وعناء، أحيت فيه شغفاً استمرَّ عشرات السنين حتى هذه اللحظة. 

يقول الساده لـ "العربي الجديد": "الغوص فيه متعة وروح المغامرة والتشويق والاستكشاف أيضاً. فبعد أن أظهرت المختبرات إمكانية تمييز اللؤلؤ الطبيعي من الصناعي، عادت للؤلؤ الطبيعي قيمته المادية القديمة. فيمكن بذلك أن يحصل منه الشخص على مردود مالي طيب. وهذه مفاجأة المحار واللؤلؤ في بحارنا. إذْ يمكن في أي لحظة أن أجد حبة لؤلؤ تغطي تكاليف الرحلات السابقة كاملة، ففيها شغف ودافع للاستمرار".

سياحة وسفر
التحديثات الحية

وفي الوقت الذي تعتمد فيه بعض الدول على الغوص بحثًا عن اللؤلؤ كمصدر أساسي للدخل حتى يومنا هذا، على سبيل المثال دولة البحرين، والتي تحتل المرتبة الثانية كأكبر مصدر للؤلؤ الطبيعي البحري، لا يتعدى الأمر خانة الهواية في دولة قطر. وهذا الشيء الذي قد يفسر عزوف الشباب عنها، بحيث يرى الساده أنه "لن يخطر على بال أي أحد أن يفتح كتابا ويقرأ عن اللؤلؤ، ماذا سيفعل به؟ هناك هوايات كثيرة جميلة على البراري مثل القفز بالمظلات والتزلج أيضاً، فلن يجذبه شيء قديم مثل الغوص بحثًا عن اللؤلؤ".

لكن الأمر مختلف بالنسبة للغواص محمد الساده، فممارسته للغوص تنبع من هواية استمرارية توثيق ما يجده مثيراً للانتباه في القيعان البحرية وجمع المعلومات. ولهذا الأمر يتواصل أحياناً مع الكثير من كبار السن الذين يملكون باعاً وخبرةً في هذا المجال، فيستفيد منهم، إضافة إلى اكتساب خبرة ذاتية عند الاستمرار في ممارسة الغوص. عناء هذه الممارسة وشقاؤها، لم يمنعاه من الحفاظ على هذه الاستمرارية، بل يرى أنه من خلالها استطاع أن يعايش ويشعر، ولو شيئاً بسيطاً، مما كان يعاني منه أجداده داخل البحر، ليبقى إرثاً وتراثاً يجب الحفاظ عليه من التلف والاندثار.

ولعل وجود فعاليات منظمة تسلط الضوء على الغوص بحثًا عن اللؤلؤ، أبرز ما يمكن تقديمه للنهوض بهذه المهنة الأصيلة، وسط خليط لا حصر له من الرياضات البحرية المعاصرة والأكثر متعة للجيل الحالي. لكن هذا لم يمنع من تنظيم دروس تعليمية تخص فئات صغيرة في السن، لأجل التدرب على الغوص في البحر بحثًا عن اللؤلؤ داخل مجموعة من البرامج التي يقدمها نادي الدوحة للرياضات البحرية.

انتقل عالم البحار من مصدر أساسي للعيش الكريم إلى وسيلة يمكن من خلالها تحقيق المتعة والحفاظ على التراث ونشره في نفس الوقت. يقول الساده: "الغوص فيه متعة. لأننا لا نرى عالم البحر، إلا إذا أجهدنا أنفسنا وذهبنا للغوص، وفيه أيضاً روح المغامرة والتشويق والاستكشاف، إضافة إلى أن الشخص يرجع بعائد مادي. فهذا الأمر بحد ذاته متعة كبيرة وليس بسيطاً. تختلف المتعة والمغامرة من رياضة لأخرى سواء تعلق الأمر بالرياضات فوق البحر أو تحته، فشعور المتعة واحد يشاركه مرتادو البحر كافة".
 

المساهمون