تنتخب ألمانيا في 26 سبتمبر/أيلول برلماناً جديداً وتقرر من سيخلف المستشارة أنجيلا ميركل. إلى ذلك الحين يحذر الخبراء من أن استهدافها، إن عبر القرصنة، أو المعلومات المضللة التي تنتشر عمداً لإثارة الشكوك حول المرشحين، قد يؤثر على الرأي العام قبل التصويت. هذا فيما تشير النتائج التي توصلت إليها منظمة الحريات المدنية "آفاز" إلى أن التهديد حقيقي.
هجمات سيبرانية
تعرّض الموقع الإلكتروني لسلطة الإشراف على الانتخابات العامة في ألمانيا، الأربعاء الماضي، لتعطيل يُعتقد أن قراصنة إلكترونيون يقفون وراءه وفق ما كشف متحدّث باسم الهيئة لوكالة "فرانس برس". ويأتي التعطيل الذي كان موقع "بزنس إنسايدر" الإخباري أول من أشار إليه، في توقيت تتولى فيه النيابة العامة الفيدرالية في ألمانيا التحقيق في هجمات سيبرانية تعرّض لها أعضاء في البرلمان خلال الحملة الانتخابية للاستحقاق المقرر في أواخر أيلول/سبتمبر لاختيار برلمان جديد وخلف للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ولدى سؤال المتحدث عن التقرير المتعلّق بالقرصنة، أجاب أنه "في نهاية آب/أغسطس كان إمكان الولوج إلى الموقع الإلكتروني لـ"الجهة الاتحادية المسؤولة عن مراقبة الانتخابات" (سلطة الإشراف على الانتخابات الاتحادية) محدودا لبضع دقائق بسبب عطل". وتابع "تم تحليل المشكلة كما تم تطوير المفاهيم التقنية وفقا لذلك"، مؤكدا أن المعلومات التي يوفرها الموقع للعامة كانت محمية ولا تزال.
وكان "بزنس إنسايدر" قد أفاد بأن الموقع الذي ينشر النتائج الرسمية للانتخابات أُغدق بعمليات طلب للبيانات في ما يسمى "هجمات حجب الخدمة"، مما أدى إلى توقّف الخوادم. ونقلا عن مصادر حكومية، أورد الموقع الإخباري أن أنظمة المعلوماتية الإلكترونية الضرورية لضمان إجراء الانتخابات بسلسلة لم تتأثر، وذلك على الأرجح بسبب تدعيمها بوسائل حماية إضافية. والأسبوع الماضي قالت النيابة العامة الفيدرالية إنها فتحت "تحقيقا بشبهة تجسس"، على خلفية اتّهام الحكومة الألمانية الاستخبارات الروسية بشن هجمات "تصيّد احتيالي" ضد أعضاء في البرلمان. وقالت برلين إن الهجوم يقف وراءه قراصنة من مجموعة "غوسترايتر" الروسية التي يُعتقد أنها متخصصة بنشر المعلومات المضلّلة.
وتعتقد الاستخبارات الألمانية أن قراصنة هذه المجموعة يحاولون الولوج إلى حسابات البريد الإلكتروني الخاصة بأعضاء في البرلمان الفيدرالي وفي مجالس الولايات، وتتّهم الاستخبارات العسكرية الروسية بالوقوف وراء الهجمات. وغالبا ما يتّهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة موسكو بالسعي للتدخّل في الانتخابات الديمقراطية، ما ينفيه الكرملين.
أنالينا بربوك... المستهدف الأول
في السباق على منصب المستشار المقبل لألمانيا، تتعرض أنالينا بربوك عن حزب الخضر لهجوم الأخبار الزائفة أكثر من أي مرشح آخر، وفقاً لتقرير جديد صادر عن "آفاز". فعندما حلل باحثو المنظمة غير الحكومية عشرات الحوادث، وجدوا أن المعلومات المضللة طاولت المرشحة أكثر من منافسها المحافظ، أرمين لاشيت، أو أولاف شولز مرشح الديمقراطيين الاجتماعيين، في أكثر من 70% من الحالات. ونقلت "دوتشيه فيله" الألمانية عن مدير "آفاز"، كريستوف شوت، قوله "لقد جاءت متأخرة جداً إلى السباق، ولكن على الفور، شهدنا ارتفاعاً في المعلومات المضللة عنها"، "قد يكون ذلك لأنها امرأة، وقد يكون ذلك بسبب أن لديها بعض الأفكار والرسائل القوية، مما يسهل بطريقة ما مهاجمتها، ولكن من الصعب حقاً العثور على دليل على ذلك". ويصل هذا النوع من الأخبار المزيفة إلى قطاعات واسعة من السكان، فقد صادف أكثر من نصف الناخبين في ألمانيا زيفاً واحداً على الأقل حول بربوك، وفقاً لمسح صدر مع التقرير. يعلّق شوت: "لقد وصلت المعلومات المضللة إلى الاتجاه السائد في ألمانيا".
التضليل... سلاح قديم قوّته التكنولوجيا
على مدى عقود، قامت جهات فاعلة مختلفة، من شركات العلاقات العامة إلى دول بأكملها، بنشر معلومات مضللة كاستراتيجية للتأثير على الانتخابات. ولكن في السنوات الأخيرة، أدى ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة المشفرة إلى زيادة هذه الظاهرة، مما أتاح الآن لكل شخص لديه مهارات عادية في تعديل الصور وله حساب على وسائل التواصل الاجتماعي تصنيع معلومات مضللة عبر الإنترنت. علاوة على ذلك، يتفق الخبراء على أنه حتى بعد فضح الأخبار الكاذبة علناً، غالباً ما تستمر في إلقاء ظلال من الشك. بعد فترة وجيزة من إعلان ترشيحها في الربيع، ظهرت منشورات على الإنترنت تزعم زوراً أن بربوك أرادت منع الأطفال من اقتناء حيوانات أليفة في المنزل. وسارع الحزب إلى التنديد بهذه الادعاءات والتأكيد على أنها مزيفة، لكن بعد شهور ظل المسؤولون يُسألون عن المزاعم أثناء الحملة.
دور وسائل الإعلام التقليدية
تميل المعلومات المضللة إلى الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي أو تطبيقات المراسلة المشفرة، لكن غالباً ما تلعب الوسائط التقليدية عن غير قصد دوراً رئيسياً في نشرها، وفقاً لـ"آفاز". فقد قال ما يقرب من ثلث المستجوبين إنهم علموا بأمثلة للمعلومات المضللة فقط بعد أن تم عرضها على التلفزيون أو من خلال الصحافة المطبوعة أو عبر الإنترنت لوسائل الإعلام التقليدية. وقارن شوت ألمانيا مع الولايات المتحدة، حيث كان الصحافيون لسنوات يلتقطون ويكتبون عن تغريدات الرئيس السابق، دونالد ترامب، بغض النظر عمّا إذا كانت دقيقة. وقال إنه يجب على الصحافيين تغطية المعلومات المضللة، "لكن يجب عليهم القيام بذلك بمسؤولية، ووضعها في سياق أكبر، وشرح كيفية عمل المعلومات المضللة". وأضاف أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي بحاجة أيضاً إلى تكثيف جهودها لفضح المعلومات المضللة على منصاتها، مؤكداً أنه "يجب أن يرسلوا تصحيحات إلى جميع الأشخاص الذين شاهدوا معلومات مضللة، لأنهم يعرفون بالضبط من شاهدها".