قوبلت خدمة الاشتراك المدفوع التي أعلنت عنها حديثاً شركة ميتا وتعتزم تطبيقها في منصتيها فيسبوك وإنستغرام ببرودة من خبراء ومستخدمين للإنترنت، إذ منهم من علّق بسخرية عليها، ومنهم من اتهمها بتقليد شبكة تويتر أو بإطلاق هذه الخدمة بتسرع.
تتيح هذه الخدمة الجديدة المسماة "ميتا فيريفايد" Meta Verified للمستخدمين الإفادة من علامة تعريف زرقاء، ومن ولوج مباشر إلى خدمة العملاء في الشركة، مع تعزيز حضور حسابات المشتركين فيها على الشبكة، ومزيد من الحماية من انتحال الصفة. لكنّ محللين كثيرين في وول ستريت يرون أن هذا الاشتراك لن يدرّ على المدى القصير إيرادات موازية للمبالغ الطائلة المستقاة من الإيرادات الإعلانية.
وقال أنجيلو زينو من شركة سي إف آر إيه للبحوث: "لا نعتقد أن خدمة التحقق الجديدة من الحسابات ستتخطى 1 إلى 2 في المائة من رقم الأعمال الإجمالي خلال الأشهر الـ18 المقبلة". لكنّ زينو شدد، في حديثه مع وكالة فرانس برس، على حاجة "ميتا" إلى تنويع مصادر دخلها، في ظل تأثير التضخم على المعلنين ومع المنافسة القوية التي تواجهها في سوق الإعلانات الإلكترونية.
قبل "ميتا"، أطلقت "تويتر" خدمتها المدفوعة للتحقق من الحسابات التي تتيح الحصول على علامة التوثيق الزرقاء الشهيرة، إضافة إلى ترويج أفضل للمنشورات، وعدد أقل من الإعلانات، وإمكانية نشر تغريدات بعدد أكبر من الأحرف. هذه الخدمة التي شهدت انطلاقة فوضوية هي جزء من الأولويات الكبرى الاستراتيجية التي وضعها إيلون ماسك منذ استحواذه على "تويتر" مقابل 44 مليار دولار، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
اتهم مستخدمون كثر للإنترنت الرئيس التنفيذي لـ"ميتا"، مارك زوكربيرغ، بسرقة فكرة ماسك، عبر المسارعة إلى إطلاق "ميتا فيريفايد". لكن ماسك رد على تغريدة تضمنت هذا الاتهام قائلاً إن هذا الأمر "لا مفر منه".
في هذا السياق، رأى دان إيفز، من شركة ويدبوش سيكيوريتيز، أن إطلاق الاشتراك المدفوع ينطوي على "مجازفة" من "ميتا". وقال لـ"فرانس برس": "قد يحصل رد فعل عكسي من المستهلكين الذين سيرفضون دفع فلس واحد لفيسبوك أو إنستغرام، وقد تدفعهم هذه المبادرة إلى التخلي" عن خدمات "ميتا". كما أن سعر الاشتراك في الخدمة الجديدة قد يشكل عاملاً سلبياً للبعض: 11.99 دولاراً لعرض الاشتراك عبر الشبكة العنكبوتية، و14.99 دولاراً للأجهزة العاملة بنظامي التشغيل المطورين من "آبل" (آي أو إس) و"غوغل" (أندرويد) اللتين تتقاضيان عمولة على المشتريات التي تحصل عبر متجريهما الافتراضيين.
وأشارت سوزانا ستريتر، من شركة هارغريفز لانسداون، إلى إن "أكثرية مستخدمي ميتا، سواء في فيسبوك أو إنستغرام، قد يستقبلون هذا العرض الجديد بكثير من اللامبالاة". غير أن المحللة اعتبرت أن أصحاب الشركات الصغيرة والشخصيات المعروفة قد يدفعون المال لحماية حساباتهم من القرصنة أو تعزيز حضورهم على الشبكة.
كما أن فرض بدل مالي مقابل تعزيز الحماية من تزوير الحسابات أثار ردود فعل كثيرة. وكتبت الأخصائية في الأمن الإلكتروني، كافيا بيرلمان، عبر "تويتر"، أن "تدابير الأمان لا يجب أن تكون مطروحة للبيع"، معتبرة أن هذا التدبير سيؤدي إلى هوة رقمية بين المستخدمين المقتدرين وأولئك الأقل ثراء. ودعت بيرلمان إلى أن يعزز أصحاب الشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا معركتهم ضد الجهات الضالعة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت، وأن يقللوا من الوقت الذي يمضونه في تطوير خدمات مدفوعة من مشتركيهم الذين يستغلون بياناتهم الشخصية أصلاً. وفي تعليق مباشر أكثر، أكدت مجموعة ريل فيسبوك أوفرسايت بورد الناشطة ضد "ميتا"، عبر حسابها على "تويتر"، أن "فيسبوك باتت ترغب" في أن يموّل المستخدمون "النموذج المؤذي الذي يغذّي نشاطها برمّته".
عند إعلان مارك زوكربيرغ عن إطلاق "ميتا فيريفايد"، أوضح أن الهدف هو "تحسين الصدقية والأمان" على "فيسبوك" و"إنستغرام" في ما يتعلق بالحسابات والتبادلات. أطلقت صيغة "ميتا فيريفايد" للاختبار أولاً في أستراليا ونيوزيلندا اعتباراً من هذا الأسبوع، قبل طرحها في الولايات المتحدة ودول أخرى. وستتيح مرحلة الاختبار للمجموعة تقويم الخطوة وإدخال تعديلات عليها إذا لزم الأمر، استناداً إلى ما ستتلقاه من تعليقات.
الشبكة الاجتماعية التي أُطلقت عام 2004 كان شعارها "أنها مجانية، وستظل كذلك دائماً". وأرست "فيسبوك" بذلك النموذج الذي حذت حذوه من بعدها أهم المنصات على الإنترنت، وهو توفير الخدمات المجانية للمستخدمين، وفي المقابل الحصول على بيانات شخصية تتيح استهدافهم بإعلانات مخصصة تستند إلى توجهاتهم وتفضيلاتهم. ولقي نموذج "غوغل" و"ميتا" هذا استحسان الشركات المعلنة، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، وسرعان ما هيمنتا على هذا القطاع، ومكّنتهما هذه الصيغة من جني عشرات المليارات من الدولارات سنوياً.
إلاّ أن "ميتا" شهدت عام 2022 تراجعاً في عائداتها الإعلانية للمرة الأولى منذ دخول المجموعة البورصة عام 2012. وبلغ صافي أرباحها السنوية 23.2 مليار دولار، بتراجع 41 في المائة عن العام السابق. ويستخدم نحو 3.74 مليارات شخص شهرياً واحدة على الأقل من خدمات "ميتا" في مجال التواصل الاجتماعي والمحادثة، لكنّ المداخيل انخفضت بفعل التضخم الذي يبتلع موازنات المعلنين والمنافسة الشرسة من تطبيقات على غرار "تيك توك" المملوكة لشركة بايتدانس الصينية. كما تعاني الشركة كثيراً من التغييرات التنظيمية التي فرضتها "آبل" التي تحدّ من قدرتها على جمع بيانات المستخدمين لبيع مساحات إعلانية فائقة الاستهداف.
من جهة ثانية، توقعت مؤسسة بنك أوف أميركا المالية أن تجذب شركة ميتا 12 مليون مشترك في خدمتها المدفوعة بحلول عام 2024. ورأى محللو "بنك أوف أميركا" أن خدمة "ميتا فيريفايد" تلبي احتياجات المؤثرين والمبدعين أكثر من المستخدمين العاديين، وأشاروا إلى أن الشركات ستتمكن في النهاية من الاشتراك فيها أيضاً. وتوقعوا أن تجني "ميتا" 1.7 مليار دولار من الخدمة هذه "في عائدات عالية الهامش عام 2024".
وسبق لهذه المعطيات أن دفعت شبكات أخرى، على غرار "سناب تشات" و"ريديت"، إلى اعتماد صيغ مدفوعة لخدماتها. وابتكرت شبكة تويتر، التي استحوذ عليها إيلون ماسك، صيغة "تويتر بلو" للاشتراكات التي تتيح، مقابل دفع رسوم، توثيق الحساب، وجعل تغريدات صاحبه تظهر في الأولوية، ورؤية إعلانات أقل، إضافة إلى مزايا أخرى. تضم هذه الخدمة نحو 300 ألف مشترك في أنحاء العالم، وفقاً لتقرير نشره موقع أخبار التكنولوجيا ذي إنفورميشن. وتبلغ تكلفة الخدمة 11 دولاراً شهرياً في الولايات المتحدة، وهي متاحة على أنظمة تشغيل هواتف "أندرويد" و"آي أو إس". وتتوفر اشتراكات أيضاً مقابل 8 دولارات شهرياً، أو 84 دولاراً في السنة بسعر مخفض. ويتوفر "تويتر بلو" حالياً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا واليابان والمملكة العربية السعودية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا.
ولدى "سناب" أيضاً خدمة اشتراك تسمى "سناب تشات +"، التي طرحتها في يونيو/ حزيران الماضي بسعر 3.99 دولارات شهرياً. وفي آخر تقرير لـ"سناب" صدر في يناير/ كانون الثاني الماضي، أفادت بأن "سناب تشات +" أصبحت تضم أكثر من مليوني مشترك.
بعد انضمام "ميتا" إلى "تويتر" ومنصات أخرى في إطلاق خدمات مدفوعة، علق موقع فوكس Vox الإخباري: "نحن نشهد بداية ما قد يكون عصراً جديداً من منصات التواصل الاجتماعي: ادفع لتلعب". موقع أخبار التكنولوجيا غيزمودو اتخذ موقفاً أكثر مباشرة إزاء هذا التوجه الجديد، فكتب أن "ماسك (إيلون) كان محقاً. تقاضي رسوم مالية مقابل التوثيق فكرة حسنة".
فات هذان التحليلان أن قرار مؤسس "ميتا" مارك زوكربيرغ استنساخ خدمة تويتر بلو يعكس توجهاً أكثر من جهته نحو استنساخ أي ميزة تثير ضجة، وبعضها حقق نجاحات، وأبرزها ميزة القصص (stories) الأكثر شهرة التي أخذت من "سناب تشات".
أما صحيفة إل باييس الإسبانية، فطرحت سؤالاً أعمّ وأكثر جدية: هل نشهد نهاية حقبة شبكة الإنترنت المجانية؟ وردت بأن هذه النتيجة ليست حتمية، لكن هذا التحول يوحي بأن الخدمات المجانية الباقية ستكون أقل جودة. وأوضح المدير العام لمدرسة الأعمال والتكنولوجيا للعصر الرقمي (ISDI) رودريغو ميراندا: "ما يحدث الآن طبيعي، وكان متوقعاً عاجلاً أم آجلاً". ووفقاً لميراندا الذي تحدث لـ"إل باييس"، فإن المفتاح الآخر الذي يفسر سبب قرار الشبكات الاجتماعية مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"إنستغرام" فرض رسوم مقابل خدماتها هو استعداد المستخدمين للدفع.