الاحتلال يستهدف الإذاعات المحلية في غزة

30 ديسمبر 2023
دمرت قوات الاحتلال أكثر من عشرين إذاعة في غزة (سعيد الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -

يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة تفاصيل المُعاناة المُركبة التي يتعرضون خلالها إلى مُختلف أصناف الخطر والموت جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل، في الوقت الذي لا يتمكنون فيه من مُتابعة المُستجدات بفعل تدمير الاحتلال مقار الإذاعات المحلية.

وأدى الاستهداف الإسرائيلي للمباني التي تضم غالبية المؤسسات الصحافية، ومن بينها نحو 24 إذاعة محلية، وتدميرها بشكل كامل مع كافة مُعداتها وأجهزة البث والإرسال الخاصة بها، إلى تغييب الفلسطينيين عن مُتابعة الأخبار الميدانية المتتالية خلال العدوان على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ويعتمد الفلسطينيون في قطاع غزة خلال الأزمات والحروب على الإذاعات المحلية، وذلك لسهولة تشغيلها عبر هواتفهم النقالة، أو أجهزة الراديو الصغيرة، والتي يُمكن تشغيلها عبر البطاريات الصغيرة، فيما كانت تلك الإذاعات، التي دمرتها الطائرات الحربية الإسرائيلية، مصدرهم الأول لمتابعة المستجدات في ظل الانقطاع الكامل لخدمتي الإنترنت والكهرباء. 

ويلفت الفلسطيني هيثم غزال، وهو نازح من مدينة غزة نحو المنطقة الوسطى، إلى أنه لم يتمكن من اصطحاب الطاقة البديلة الخاصة بتشغيل التلفاز لمُتابعة الأخبار والمستجدات، وذلك لكبر حجمها وعدم مواءمتها لأماكن النزوح، إلى جانب اعتقاده في البداية بأن أمد العدوان لن يطول، ما دفعه وأسرته إلى النزوح ببعض الملابس البسيطة والأوراق الثبوتية الضرورية.

ويوضح غزال، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنه كان يعتمد في الأيام الأولى من حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على بعض الصفحات الإخبارية النشطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي منذ اليوم الثالث للعدوان، فيما اتجه نحو مُتابعة الأخبار عبر الإذاعات المحلية بعد الانقطاع الكامل للإنترنت. وقال: "نحن نعيش حالة غريبة، وهي أننا نتعرض لمُختلف أصناف الترهيب والخطر على حياتنا وحياة أطفالنا وأهلنا، وفي المُقابل نتدرج في المُعاناة شيئاً فشيئاً، لدرجة أننا بِتنا نُحرم حتى من رؤية أو سماع الأخبار التي يُمكن أن تُنبِئنا باستشهاد أقاربنا أو بتدمير بيوتنا".

أما جاره ورفيقه في النزوح محمد أبو عيشة، فيعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى من خلال عدوانه المتواصل إلى خلق حالة من الرُعب والتيه المُتكاملين للفلسطينيين، من خلال استهدافهم المُباشر، وارتكاب المجازر الدموية، ومواصلة تهجيرهم القسري مرة بعد الأخرى، وفي الوقت ذاته تغييبهم عن الأخبار والمُستجدات عبر قطع الكهرباء والإنترنت واستهداف المؤسسات الإعلامية، وفي مقدمتها الإذاعات المحلية.

ويوضح أبو عيشة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه منذ اللحظات الأولى لوصوله إلى مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، اشترى جهاز راديو صغير يعمل بالطاقة الشمسية أو بالبطاريات، وذلك لمُتابعة ما يحصل في منطقته وباقي المناطق في ظل الانقطاع الكامل للكهرباء، ويقول: "كنا نأمل طيلة الوقت بأن نستمع إلى خبر يفيد بوقف إطلاق النار، لكن ما جرى في الحقيقة هو وقف عمل تلك الإذاعات بعد استهدافها".

استهداف الإذاعات المحلية

بات من الصعب على الفلسطينيين في قطاع غزة معرفة مُجريات الأحداث بشكل دقيق وسريع بعد توقف عمل الإذاعات المحلية، وفق حديث أبو عيشة، باستثناء الاعتماد على بعض ترددات القنوات الفضائية. ويضيف: "لم يعد أمامنا خيار سوى مُتابعة تلك القنوات، رُغم حالة التشويش والتقطيع الكبيرين في الصوت".

في السياق نفسه، يوضح نائب رئيس نقابة الصحافيين الفلسطينيين تحسين الأسطل أن الإعلام الإذاعي يلعب دوراً كبيراً في الأزمات، خاصة في ظل قطع الاتصالات والكهرباء، واعتماد المواطن عليها بشكل أساسي لمعرفة مجريات الأمور.

ويؤكد الأسطل، في حديث مع "العربي الجديد"، على أن تدمير المؤسسات الإعلامية، ومن ضمنها 24 إذاعة محلية، إلى جانب استهداف الصحافيين، يأتي في إطار السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تغييب الفلسطينيين عن الأحداث الدائرة، مُشدداً على أن الاحتلال لم يكتفِ بتدمير الإذاعات، وإنما استخدم تردُدات تلك الإذاعات لبث الشائعات، والتحريض، والتهديد، للمس بأمن المواطنين واستقرارهم.

ويُبين الأسطل أن مُمارسات الاحتلال هي جزء من الحرب النفسية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، فضلا عن قتل المدنيين، مُشيراً إلى أن نقابة الصحافيين أطلعت المُنظمات الدولية والاتحادات الدولية للصحافيين على كل الانتهاكات، كما تتهيأ للتقدُم إلى المحكمة الدولية لعرض كل الانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي، وعلى وجه التحديد جرائم استهداف الصحافيين وعائلاتهم ومقارهم الإعلامية.

ويبين أنه وفي ظل انقطاع الكهرباء والإنترنت وعدم وجود الصُحف، لم يتبق إلا الإعلام الإذاعي، ويشير إلى أن تعطيل الإذاعات وتدميرها يُعتبر جريمة، خاصة في ظل القوانين الدولية التي تكفل عملها، مؤكداً على ضرورة وجود البدائل من خلال الإذاعات المحلية في الضفة الغربية، لإيصال رسالة بأن الشعب الفلسطيني واحد في مُختلف أماكن وجوده.

ويدعو الأسطل إلى التكامل في عمل الإذاعات المحلية في الضفة الغربية، وإيجاد البدائل، وفتح الموجات المفتوحة وخطوط الاتصال مع الأهالي من أجل الوصول إلى الهدف المُتمثل في الأمن الإعلامي، في ظل عمليات التهجير القسري للمواطنين من أماكن سكنهم في مُحافظات قطاع غزة كافة، وانقطاع الاتصال ما بين المواطنين وعائلاتهم، واعتماد عدد كبير منهم على الإذاعات في بث رسائل الاطمئنان عبر الموجات المفتوحة.

إقبال على أجهزة الراديو

حول الإقبال المتجدد والكبير على أجهزة الراديو في قطاع غزة بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت والاتصالات، كان محمود الداوودي قد صرح، لـ"فرانس برس"، بأن مخزونه من أجهزة الراديو نفد بالكامل منذ بدء العدوان.

وقال الداوودي، البالغ من العمر 33 عاماً، والذي يملك محلاً لبيع الهواتف النقالة والإلكترونيات في رفح في جنوب القطاع، لوكالة "فرانس برس": "منذ الأسبوع الأول للحرب، نفدت لدينا كل أجهزة الراديو في فروعنا الثلاثة، وفي المخازن كانت لدينا كمية كبيرة نفدت كلها".

ولفت إلى أن سعر جهاز الراديو كان 25 شيكلا (6.8 دولارات أميركية)، قبل الحرب، وبلغ حالياً مع زيادة الطلب عليه 60 شيكلا (16.4 دولارا أميركيا).

وأوضح الداوودي قائلا: "حتى الأجهزة التي تم إرجاعها بسبب وجود عطل فيها بيعت، ونفدت حتى الهواتف النقالة لدينا"، موضحاً أن الكثيرين اختاروا شراء أجهزة هاتف قديمة تملك خاصية الراديو والإنارة بكشاف لاستخدامها لغرضي إضاءة الخيم وسماع الأخبار.

من جهته، رأى حسين أبو هاشم، الذي يعمل في متجر آخر، أن "أجهزة الراديو كانت تملأ السوق، ولكنّها نفدت بعد الحرب"، مشيراً إلى ارتفاع أسعار هذه الأجهزة لشدة الطلب عليها. وأضاف لـ"فرانس برس": "الناس يريدون سماع الأخبار ومعرفة أماكن القصف والاطمئنان على أهاليهم، ولا يوجد إنترنت ولا اتصال ولا كهرباء. أجهزة الراديو أغلبها تعمل على البطارية، بعضها يعمل على الطاقة الشمسية"، مشيراً إلى أنها بيعت كلهاً.

التلفزيون العربي يبث عبر موجات الراديو

يستمرّ "التلفزيون العربي" في بثّ تغطيته المفتوحة للعدوان الإسرائيلي على غزة عبر موجات الراديو في القطاع، في ظل الحصار المتواصل المفروض على الفلسطينيين، عبر قطع الكهرباء والإنترنت وبقية الموارد الحيوية.
وأفاد "التلفزيون العربي"، في بيان صادر عن إدارته، بأنّ "البث الإذاعي يكاد يكون المصدر الوحيد للوصول إلى المعلومة في قطاع غزة، في ظل ضغوط قاهرة جداً تعانيها فرق الإغاثة بسبب شحّ الوقود، بحيث تُمنح أولوية استخدام الكهرباء للقطاع الطبي، إضافة إلى انقطاع الإنترنت، ما يجعل التقاط البث بالأساس صعباً".
المساهمون