دخل حظر البث في دول الاتحاد الأوروبي المفروض على وسيلتي الإعلام الروسيتين "آر تي" (روسيا اليوم سابقاً) و"سبوتنيك"، حيز التنفيذ الأربعاء وبات على كل دولة عضو فرض احترامه. وأتى الحظر بسبب اعتبار القناتين أداتي تضليل إلى جانب موسكو في حربها ضدّ أوكرانيا، فيما تستغلّ روسيا طاقاتها الإعلاميّة لبثّ بروباغندا تنتشر بشكلٍ واسع حول العالم.
وبحسب "فرانس برس"، لم يعد من الممكن بث محتوى من "سبوتنيك" و"آر تي" بالإنكليزية والألمانية والفرنسية والإسبانية على شبكات التلفزة والإنترنت على حد سواء، بحسب القرار الذي نشر ظهر الأربعاء في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي.
وحظرت أيضاً حسابات تابعة للشبكتين على مواقع التواصل الاجتماعي، بينها الحسابات العربيّة. واليوم الخميس، توقّف موقع "آر تي" الرئيسي عن العمل، فيما استمرّت منصّات الشبكة على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر تحديثاتها.
وتتهم هاتان الوسيلتان ببثّ بروباغندا للكرملين في ما يخصّ الاجتياح الروسي لأوكرانيا. وتعتمد روايتهما على الحديث عن "اجتثاث للنازية من أوكرانيا"، كما "الحفاظ على الأمن الروسي"، كما وتتهم أوكرانيا بالاعتداء على روسيا وتهديد أمنها والمواطنين المتحدثين بالروسية فيها. عدا عن أنّها تنكر استهداف المدنيين أو تعرّضهم لأي أضرار خلال الحرب. وفيما تستخدم السلطات الروسية هذا التبرير، وينشره المحللون الروس عبر وسائل الإعلام حول العالم، يعتمده صحافيو هاتين القناتين من دون أي تشكيك أو بحث. هذا فيما تعاقب روسيا وسائل الإعلام المستقلّة، فتحجبها وتهددها بالتغريم لنشرها رواية مختلفة "ليست من مصادر رسمية".
وإذا كان التركيز الغربي على هاتين الشبكتين كبيراً، فإنّه ليس جديداً، كما أنّهما ليستا الوحيدتين في بثّ الدعاية الروسية، فهناك وسائل إعلام رسميّة أخرى مرتبطة بالكرملين أيضاً وتبثّ دعايته.
وكتبت الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أنّ "آر تي" و"سبوتنيك" هما قناتا "أعمال دعائية" و"تشويه حقائق" لدى روسيا و"تهددان بشكل مباشر وخطير الأمن العام والنظام في الاتحاد الأوروبي"، وفق "فرانس برس". واعتبرت الدول الـ27 أن "وسيلتي الإعلام تؤديان دوراً أساسيًا وحاسماً في دفع ودعم العدوان ضد أوكرانيا ومن أجل زعزعة استقرار الدول المجاورة". وأكّد القرار أنّ إجراءات الحظر هذه "يجب أن تبقى حتى نهاية العدوان ضد أوكرانيا وحتى يتوقف اتحاد روسيا ووسائل الإعلام المتعاونة معه عن القيام بأعمال دعائية ضد الاتحاد والدول الأعضاء فيه".
كل دولة عضو مكلفة من خلال هيئة تنظيم وسائل الإعلام ومشغلي الاتصالات لديها، بتنفيذ هذا الحظر. لكن من المتوقع الطعن به أمام القضاء. وأكد مصدر أوروبي الثلاثاء لوكالة "فرانس برس": "نعتمد على أسس قانونية متينة (...) وسندافع عن قرارنا أمام المحاكم" الأوروبية، مقرا في الوقت نفسه بأن حصول رد انتقامي ضد وسائل إعلام أوروبية في روسيا "محتمل".
بحسب النص الذي نشرته الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي فإن "أي ترخيص أو إذن بالبث وأي موافقة على البث والتوزيع" مبرمة مع روسيا اليوم وسبوتنيك، معلق. هذا يتعلق بكل وسائل البث سواء كانت "بالكابل أو الأقمار الاصطناعية أو التلفزيون آي بي، أو مزودي خدمة الإنترنت والمنصات والتطبيقات الجديدة أو التي كانت قائمة ومشاركة الفيديوهات على الإنترنت"، وفق "فرانس برس". ويوضح النص أن "هذه الإجراءات لا تمنع وسائل الإعلام هذه وموظفيها من ممارسة أنشطة غير البث في دول الاتحاد الأوروبي مثل إجراء تحقيقات أو مقابلات".
والأربعاء قبل بعد ساعة تقريباً على دخول الحظر حيز التنفيذ من جانب الاتحاد الأوروبي، كانت "آر تي-شبكة فرنسا" لا تزال تبث على التلفزيون، إذ إنّ لفرنسا وضعا خاصا لأنها الدولة العضو الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تستقبل على أراضيها فرعاً من "آر تي" (مقرها في بولون-بيلانكور قرب باريس) وقد منحته رخصة بث.
يختلف الوضع بالنسبة للدول الأعضاء الأخرى، وفق "فرانس برس"، فمحطات "آر تي" بالإنكليزية أو الإسبانية التي تبث فيها موجودة في موسكو وتخضع بالتالي للهيئة الناظمة الروسية التي تدير محتواها. وخلال جمعية عامة الثلاثاء حضرها حوالى مائة موظف، قالت كسينيا فيدوروفا رئيسة "آر تي-فرنسا"، إن الشبكة ستواصل العمل إلى أن تصبح غير قادرة على ذلك، كما قالت مسؤولة في نقابة "اس ان جي" لوكالة "فرانس برس".
وقالت المذيعة على الشاشة الفرنسية، قبل أن تتوقف القناة: "حتى آخر لحظة عملنا بحرية وجدية وصراحة مع احترام كل وجهات النظر والآراء وإعطاء صوت لمن لا نسمعهم في الإعلام التقليدي وذلك لنزوّدكم بمعلومات كاملة". وأضافت "لطالما احترمنا القواعد التي تنطبق علينا ولقد تأثرنا الآن بقرار اعتباطي لا يمكن الطعن فيه، فيما يشكّل سابقة خطيرة في حرية الصحافة وحرية التعبير".
القرار الأوروبي له تبعاته على العالم. فقد أعلنت محطة البث الفضائي الجنوب أفريقية Multichoice أنها ستتوقف عن بث "آر تي" على منصتها DSTV حتى إشعار آخر. وفي بيان، أشارت "مالتي تشويس" إلى العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا والتي "أدت إلى توقف الموزع العالمي للقناة عن توفير البث لجميع الموردين، بما في ذلك مالتي تشويس". وتبث خدمة DSTV إلى القارة بأكملها.
وليس الصراع مع "آر تي" بجديد في أوروبا. ففي ألمانيا، علّق عمل "آر تي" بالألمانية في نهاية 2021، فهذه الشبكة كانت تستند إلى ترخيص صربي لبثها وهو ما احتجت عليه الهيئة الناظمة الألمانية للإعلام.
وكانت الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أعطت الثلاثاء الضوء الأخضر لحظر بث وسيلتي الإعلام الروسيتين "سبوتنيك" و"آر تي" على أراضي التكتل. وقرّرت الدول الأعضاء حظر المحتوى الإعلامي لـ"سبوتنيك" وبث قناة "آر تي" بالإنكليزية والألمانية والفرنسية والإسبانية تلفزيونيا وعلى شبكة الإنترنت، على أراضي الاتحاد الأوروبي.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين قد أعلنت الأحد أن الاتحاد الأوروبي سيحظر "الماكينة الإعلامية للكرملين. لن تتمكن وسيلتا الإعلام الحكوميتان آر تي وسبوتنيك، وكذلك فروعهما، من بث أكاذيبهما بعد اليوم لتبرير حرب بوتين وزرع الانقسام في أمتنا. إننا نطور إذاً أدوات لمنع تضليلهما الإعلامي السام والضار في أوروبا".
والسبت الماضي، أعربت الحكومة الكندية عن "مخاوفها" إزاء بثّ قناة "آر تي" (روسيا اليوم سابقاً) على أراضيها، إذ يتهمها منتقدوها بأنها ناطقة باسم الكرملين.
الثلاثاء، احتجت الهيئة الناظمة الروسية لوسائل الإعلام "روسكومنادزور" على هذه الإجراءات، معتبرة أنها "تنتهك المبادئ الأساسية للتدفق الحر للمعلومات والوصول إليها بدون عراقيل".
وتواجه وسائل الإعلام الروسية الموالية للكرملين، وعلى رأسها "سبوتنيك" و"آر تي"، حصاراً متزايداً في أوروبا، منذ اجتياح أوكرانيا الخميس الماضي. وقامت شركات التكنولوجيا بحظرها أيضاً، فقد أعلن موقع "يوتيوب"، الثلاثاء، وقف بث "آر تي" و"سبوتنيك" في أنحاء أوروبا، "نظراً للحرب الجارية في أوكرانيا". وكانت "غوغل" المالكة لـ "يوتيوب" قد منعت، مساء السبت، وسائل الإعلام الروسية من ممارسة أنشطة تدرّ عائدات عبر منصاتها. وأعلن رئيس الشؤون العالمية في شركة "فيسبوك" نيك كليغ، الإثنين، حظر الصفحات الخاصة بـ "آر تي" و"سبوتنيك" من دول الاتحاد الأوروبي. كما أعلنت شركة "تويتر"، الإثنين، أنها ستصنف وتقيد ظهور كل التغريدات التي تنشرها "آر تي" و"سبوتنيك" على منصتيهما. وانضمت منصة "تيك توك"، المملوكة لشركة "بايتدانس" الصينية، إلى عمالقة التواصل، وحظرت الوصول إلى حسابات وصفحات "آر تي" و"سبوتنيك" في دول الاتحاد الأوروبي.
في سياق متّصل، أعلنت وزيرة الثقافة البريطانية نادين دوريس، اليوم الخميس، أنها بعثت برسالة إلى شركة "تيك توك" للتواصل الاجتماعي وشركة "ميتا بلاتفورمز"، الأم لفيسبوك، لتسأل عما إذا كان بإمكانهما منع الوصول إلى شبكة "آر تي" في بريطانيا. وقالت دوريس للبرلمان، وفق ما نقلت "رويترز": "لقد سررت للغاية برؤية أن القناة أصبحت الآن مغلقة رسميًا على التلفزيونات البريطانية بعد إغلاقها من قبل "سكاي" و"فري فيو" و"فري سات". وأضافت "كتبتُ إلى ميتا وتيك توك لأطلب منهما القيام بكل ما في وسعهما لمنع الوصول إلى RT في المملكة المتحدة، كما فعلوا في أوروبا".