في جمهورية أفريقيا الوسطى حيث يعيش الكثير من السكان في قرى ريفية معظمها نائية ومعزولة، لا تزال بعض الطقوس والشعائر التقليدية قائمة، وبعضها يُستغل أخيراً في التغطية على القتلة ويثير الرعب في النفوس.
"التاليمبي" هم "الأناس التماسيح" الذين ينشرون الذعر في أفريقيا الوسطى منذ عقود. بالنسبة للبعض، هم أناس يتحوّلون إلى عظاءات، في حين يعتقد آخرون أنّهم مجرّد مشعوذين. لكن أيّاً كانت الحال، فإن النهج المعتمد لديهم عينه، ويقضي باستقدام الضحية إلى المياه لقتلها جزاء على معصية مفترضة.
وغالباً ما تعزى أعمال التنكيل التي ترصد آثارها في جثث منتشلة من المياه إلى "التاليمبي"، فـ"اللسان يقطع للمعاقبة على كثرة الكلام، والعضو التناسلي من جرّاء خيانة زوجية، والأذن بسبب عدم الإصغاء"، بحسب ما يخبر صيّاد في بانغي طلب عدم الكشف عن هويّته وكالة "فرانس برس".
وضحيّة "الإنسان التمساح" "تقدّم" حكماً له من قبل أحد الخصوم أو أحد الأهالي المستاءين. فخرافة "التاليمبي" لا تزال تلقى صدى في المجتمع، "لضبط آداب السلوك والأخلاقيات"، على ما تقول الباحثة أليكساندرا سيمبريك التي أعدّت دراسة عن تحوّلات التمثيلات الرمزية المتعلّقة بالمياه عام 2011.
"التاليمبي" أو "الأناس التماسيح" هم أناس يتحوّلون إلى عظاءات، في حين يعتقد آخرون أنّهم مجرّد مشعوذين
وفي حين يعاني النظام القضائي المؤسساتي من أوجه تقصير شديدة في بلد ينهشه الفقر والفساد والحروب الأهلية، يتمتّع "التاليمبي" بـ"محكمة" خاصة، ومن المستحيل، بحسب المعتقدات، تسليم ضحية بريئة بحجج ملفّقة. ويؤكّد رئيس "جمعية المعالجين الروحانيين في أفريقيا الوسطى"، جان-كلود بيتا، أن "(التاليمبي) سيتأكّد من صحّة أقوالك"، وفق ما نقلت "فرانس برس".
ويكفي لذلك رمي قصبة أو نبتة في المياه. وفي حال بقيت القصبة تطفو على سطح المياه، فإنّ الادّعاء زائف، لكنه يستوجب العقاب إذا ما غاصت القصبة. و"تدعى" الضحية إلى النهر و"لا مناص من موتها لو مهما كانت بعيدة"، وفقاً لبيتا.
والذعر الذي يولّده "التاليمبي" متجذّر في عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى بانغي، حتّى في أوساط الطبقة المثقّفة. ويكفي "رمي الجثّة في النهر كي تردع خرافات (التاليمبي) المحقّقين عن الكشف عن الحقيقة، وتشكّل غطاء يحتمي به القتلة"، وفق ما يشير رئيس "رابطة حقوق الإنسان في أفريقيا الوسطى" والمدّعي السابق جوزيف بندومي، لـ"فرانس برس".
إذ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انتشلت ثلاث جثث من مياه نهر أوبانغي، مقطوعة الرؤوس ومكبّلة الأيدي وملفوفة بأكياس. وتصدّرت هذه الأخبار المروّعة عناوين الصحف المحلية، مؤجّجة القلق في أوساط السكّان، وفاتحة باب الشائعات على مصراعيه من جرائم ارتكبت في سياق شعائر تقليدية وعمليات تصفية حسابات وفرضيات أخرى.
يتمتّع "التاليمبي" بـ"محكمة" خاصة، ومن المستحيل، بحسب المعتقدات، تسليم ضحية بريئة بحجج ملفّقة
وكانت الضحية الثالثة التي عثر عليها في الكورنيش شابة لم يطالب أحد بجثّتها. ودفنت على جانب الطريق بمبادرة من شباب الحيّ، وأغلقت السلطات ملفّها. ولا تقر الشرطة سوى بالعثور على هذه الجثة التي لم تكن تظهر عليها أي آثار لعنف ممارس في حقّها.
ويقول الضابط في الشرطة الجنائية، ماتورين كو، إن "الجثّة كانت في حالة تحلّل متقدّمة"، وقد تعذّر تشريحها ومن ثمّ تحديد ملابسات الوفاة. ويعترف الضابط الذي وضع بحثاً عن "التحوّلات" السحرية والضليع في ظاهرة "التاليمبي" بأن "ممارسات السحر والشعوذة" التي يعاقب عليها القانون عقاباً شديداً هي خارج صلاحياته.
وقصص "الإنسان التمساح" منتشرة في الوسط الأفريقي كله، لكنها تلقى صدى خاصاً في بلد مزّقته ثلاث حروب أهلية، لا تزال آخرها تفتك به، نسفت النظام التعليمي والمؤسساتي. ويقول جوزيف بندومي "عندما يكون مستوى الجهل عالياً يصبح هو القاعدة. فمن يدحض هذه الخرافات يُنبذ من المجتمع".
ترمى الجثث في نهر أوبانغي كي تردع خرافات "التاليمبي" المحقّقين عن الكشف عن الحقيقة وتشكّل غطاء يحتمي به القتلة
تُعد جمهورية إفريقيا الوسطى إحدى أفقر دول العالم، وتأثرت باضطرابات استمرت لعقود، ولكن عندما أطاح انقلاب متمردي سيليكا الرئيس في مارس/آذار عام 2013، غرق الشعب الضعيف أصلاً في أزمة.
في ديسمبر/كانون الأول عام 2013، أُجبر مئات آلاف الأشخاص على الفرار من منازلهم مع انتشار العنف في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث قتل المسلحون المدنيين بوحشية، وسلبوا ونهبوا البيوت وأحرقوا القرى. وحتى اليوم، لا يزال أكثر من 792584 لاجئا من جمهورية إفريقيا الوسطى يعيشون في الكاميرون وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو.