على الأرض، تدور معركة عسكريّة على حدود أوكرانيا، تنخرط فيها روسيا وقوات انفصاليّة مؤيدة لها، وأوكرانيا، أثارت مخاوف من "اندلاع حرب عالمية ثالثة". لكن بينما تنشر روسيا قوات عسكرية في مواقع إستراتيجية على حدود أوكرانيا، تخوض أيضاً معركة ضارية في الفضاء الافتراضي، استُخدمت فيها الشائعات والتضليل للتأثير على الرأي العام، ويعيش على وقعها الأوكرانيّون منذ أكثر من شهر.
منذ سنوات، يُشار إلى الحرب السيبرانيّة على أنّها توازي في تأثيرها الحرب العسكريّة، كما ترتفع المخاوف منها والمساعي لمجابهتها. وفي سياق التصعيد الدائر في أوكرانيا، قال المحاضر في الجرائم الإلكترونية والأمن السيبراني في جامعة بورتسموث، فاسيليوس كاراجيانوبولوس، في مقال نشره موقع "ذا كونفيرسيشن"، إنّ الهجمات على أنظمة المعلومات الأوكرانية هي جزء من حرب تمارسها روسيا على مدى العقدين الماضيين، ولكنها باتت أكثر تعقيداً الآن، إذ أصبح التجسس السيبراني وحرب المعلومات جزءاً جوهرياً من النزاعات الأخيرة ويحدثان بشكل منتظم بين القوى المتصارعة.
هجمات متلاحقة
في يناير/كانون الثاني الماضي، كانت هناك سلسلة من الهجمات من قبل قراصنة بيلاروسيين يعتقد أنهم يدعمون روسيا. شنّ هؤلاء سلسلة من هجمات البرمجيات الخبيثة على أنظمة الكمبيوتر الأوكرانية مشوهين العديد من المواقع الحكومية وغيرها من المواقع برسائل استفزازية وتخويفية.
وفي منتصف فبراير/شباط الحالي، كانت هناك جولة أخرى من الهجمات الإلكترونية، استهدفت هذه المرة موقع الجيش الأوكراني والمواقع الوزارية وبعض البنوك الكبرى، مما أدى إلى منع المدفوعات عبر الإنترنت واستخدام التطبيقات المصرفية.
وكانت هذه الهجمات الأخيرة تعتمد إرسال عدد كبير من حزم المعلومات الصغيرة إلى مواقع الويب والخوادم من مصادر متعددة. يؤدي هذا التحميل الزائد للمعلومات إلى إبطاء الخوادم وأنظمة الكمبيوتر المستهدفة أو انهيارها بسبب كثرة المعلومات.
هجمات عابرة للحدود
تشعر دول أخرى في المنطقة بالقلق. أعربت لاتفيا عن مخاوفها من مخاطر الأمن الإلكتروني إذا استمرت التوترات على حدودها. إذ لم تمر سوى سنوات قليلة على الهجوم الإلكتروني NotPetya على أنظمة البنية التحتية الأوكرانية، والذي امتد إلى ما وراء الحدود الأوكرانية وتسبب في اضطراب واسع النطاق ضرب أنظمة المعلومات للمنظمات الدولية، مع تأثير مالي كبير.
وأخيراً، دقت "مايكروسوفت" ناقوس الخطر بعد أن اكتشف فريقها الأمني وجود برامج ضارة سرية مدمرة على أنظمة الحكومة الأوكرانية.
روسيا... اتهامات يصعب إثباتها
يُشتبه في تورط روسيا في تلك الهجمات الإلكترونية. تتبع الهجمات نمط تكتيكات مماثلة بدعم روسي محتمل على مدى العقدين الماضيين في أوكرانيا وإستونيا وجورجيا، بما في ذلك الهجمات على البنى التحتية للاتصالات وشبكات الكهرباء. على الرغم من كل هذا، امتنع المسؤولون الأوكرانيون عن الإشارة صراحةً إلى أن الدولة الروسية تقف وراء هذه الهجمات.
ومع ذلك، لا تعلن الحكومات عادةً مسؤوليتها علناً عن هذا النوع من الهجمات، لأن هذا قد يضعها في موقف إعلان حرب ضد الدولة المستهدفة، وقد يؤدي ذلك إلى هجمات مضادة وفرض عقوبات من المجتمع الدولي. لذلك، من الصعب إثبات وجود دليل على أن روسيا تقف وراء هذه الهجمات.
وغالباً ما تُنسب الهجمات الإلكترونية إلى مجموعات قراصنة ذات دوافع قومية، والتي تبرر أجنداتها السياسية دون ربطها صراحة بأي دعم مباشر من الدولة.
سياق عالمي يفاقم الأضرار
تتفاقم التهديدات الإلكترونية بسبب اعتماد أوكرانيا (ودول أخرى) المتزايد على أنظمة المعلومات والإنترنت للوظائف المهمة، مثل الأعمال المصرفية والنشاط التجاري والرعاية الصحية.
وتسارع هذا الانتقال الرقمي أثناء الوباء بسبب الإغلاق الذي أجبر المواطنين على استخدام الإنترنت للعمل والترفيه على نطاق أوسع من ذي قبل. فخلال الإغلاق بسبب الجائحة، زادت الهجمات الإلكترونية عبر الإنترنت أيضاً على المستوى الدولي وليس فقط في أوكرانيا.
ويشير مستوى الهجمات الإلكترونية في أوكرانيا إلى أنها جزء لا مفر منه من النزاعات السياسية والوطنية المستقبلية، ويمكن أن يكون لها تأثير بعيد المدى على حياة الناس.
وتُتّهم روسيا والصين وإيران بالوقوف وراء أغلب الهجمات الإلكترونيّة حول العالم، وفق تقارير تصدرها مؤسسات معنية بالأمن السيبراني. وقبل أسبوع، أشار تحليل جديد لشركة "تشيناليسيز"، نقلته "بي بي سي"، إلى أن 74 في المائة من أموال الفدية التي تم الحصول عليها من خلال بعض الهجمات الإلكترونية في عام 2021 ذهبت إلى قراصنة مرتبطين بروسيا.