الإعلام مدار صراعات بين الرئاسات التونسية

25 مارس 2021
من اعتصام للصحافيين التونسيين العام الماضي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

بين هجوم وردّ، ولقاءات ووعود، وبيانات وتصريحات، يدور ملفّ الإعلام التونسي بين الرئاسات الثلاث، أي مجلس النواب والحكومة والرئاسة؛ فيما تبقى طيّاته دون معالجة، من الإعلام المصادر إلى العمومي وصولاً إلى القضايا الاجتماعية والمعيشية للصحافيين، وحريّتهم الإعلامية.

وليس من المصادفة في شيء أن يُناقش عمل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهايكا) في مجلس نواب الشعب التونسي يوم الجمعة 19 آذار/ مارس وأن تتعرض الهيئة إلى هجوم كاسح من قبل نواب الحزام المساند لحكومة هشام المشيشي وخاصة حزبي "حركة النهضة" و"قلب تونس"، إذ اعتبر عضو البرلمان والقيادي البارز في "حركة النهضة" أن "الهايكا" تعتمد سياسة الكيل بمكيالين ولا تعامل القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية بالمقاييس ذاتها، داعياً إياها إلى أن تنأى بنفسها عن التجاذبات السياسية. كما استغرب من استمرار عمل الهيئة رغم الشغور الذي حصل داخلها، مضيفاً أنها لا يتوفر فيها الحدّ الأدنى من الشفافية والحياد والالتزام بالقانون الذي أحدثها ولا يمكنها أن تكون قادرة على مراقبة الشفافية والحياد في وسائل الإعلام السمعية البصرية التونسية. ومن ناحيته شنّ أسامة الخليفي رئيس كتلة حزب "قلب تونس" هجوماً على الهيئة، معتبراً أن وجودها غير ذي جدوى في عالم باتت فيه حرية الإعلام هي الأصل وأن التراخيص والتعديل هو الاستثناء، مؤكدًا أن الدول الغربية تراجعت عن سياستها التعديلية.

مواقف دفعت رئيس الهيئة النوري اللجمي وعضوها هشام السنوسي إلى الردّ على هذه الاتهامات محملين الحكومة والبرلمان مسؤولية ما آلت إليه الأمور في تنظيم الإعلام وعدم نجاح البرلمان في سن قانون جديد للاتصال السمعي البصري يعوض المرسومين 115 و116. كما أكد السنوسي أنّ الدول الديمقراطية تسعى إلى تنظيم الإعلام وعدم تركه مثلما تريد بعض الأحزاب في تونس والنواب في حالة من الفوضى والانفلات القانوني. 

هذا الخلاف بين "الهايكا" وحزبي "حركة النهضة" و"قلب تونس" ليس بالجديد على الساحة الإعلامية في تونس، في ظل اتهام هذين الحزبين لأعضاء "الهايكا" وخاصة هشام السنوسي بالانحياز إلى الأحزاب اليسارية وتنفيذ أجنداتها. وفي المقابل، تتهم "الهايكا" هذين الحزبين بمساندة وحماية قناتين تلفزيونيتين غير قانونيتين في نظرها هما "نسمة" و"الزيتونة". 

لكن الجديد هو تدخل الرئيس التونسي قيس سعيد في هذا الصراع من خلاله استقباله الاثنين 22 آذار/ مارس ثلاثة أيام بعد جلسة البرلمان، رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) للنوري اللجمي، وعضوها هشام السنوسي، مؤكدا أهمية المحافظة على استقلالية هذه الهيئة وضرورة تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة والتصدّي لتجاوزات وممارسات بعض وسائل الإعلام. وأعرب عن إيمانه الشديد بأن حرّية التفكير هي مقدّمة لحرية التعبير، مشيرا إلى مساندته المطلقة للإعلام الحرّ والنزيه، واهتمامه المتواصل بالمشهد السمعي والبصري وحرصه على أن يكون الإعلام مستقلا تماما عن السلطة السياسية. 

توقيت هذا اللقاء مباشرة بعد جلسة البرلمان التونسي نهاية الأسبوع رأى فيه متابعون للشأن الإعلامي التونسي محاولة من الرئيس التونسي الاستحواذ على ملف الإعلام وكسب الإعلاميين التونسيين إلى جانبه في صراعه الدائر مع رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي. خاصة أنّ اللقاء ضمّ رئيس الهيئة وعضوها هشام السنوسي الذي يعتبره حزبا "النهضة" و"قلب تونس" العقل المدبر في "الهايكا"، ويرون فيه الخصم الأساسي لهم في تركيبتها. 

كما أنّ هذه اللقاءات تعتبر الثانية في ظرف شهر لفاعلين في القطاع الإعلامي. حيث سبق للرئيس التونسي استقبال نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي؛ ليرد عليه رئيس الحكومة هشام المشيشي في نفس الأسبوع باستقبال أعضاء من المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين برئاسة النقيب وتقديمه وعودا لحلّ كلّ الإشكاليات العالقة في المجال الإعلامي. وهو ما يعكس حدة الصراعات بين الطرفين من أجل الحضور الأكبر في المشهد الإعلامي التونسي الذي يعرف انقساماً ما بين مساند للرئيس قيس سعيد وما بين مساند لحكومة هشام المشيشي، وحزامها السياسي بقيادة النهضة وقلب تونس.

المساهمون