بينما تقترب ليلة رأس السنة، لم تعلن وسائل الإعلام المحسوبة على النظام السوري حتى الآن عن استضافة أي من المنجّمين. وهي العادة التي كرّستها بشكل سنوي منذ انطلاق الثورة عام 2011. إذ اعتادت خلال هذه الأعوام أن تفرد ساعات لهؤلاء على هوائها، إلى جانب خبراء السياسة والاقتصاد والمحللين النفسيين، سوريين كانوا أم لبنانيين. ولعلّ ما يجمع كل هؤلاء على اختلاف اختصاصاتهم هو تقديمهم لنظريات خرافية تتراوح بين قيام حرب كونية وتحوّل دمشق إلى باريس الشرق في عهد بشار الأسد. وهو التوقع الذي كرّره المنجّم اللبناني الداعم للأسد مايك فغالي.
لماذا إذاً تمتنع القنوات هذا العام عن استقبال هؤلاء؟ قد يكون السبب هو شعور النظام بأنه اجتاز مرحلة الخطر التي هددت بقاءه خلال السنوات الماضية. إذ ترافق إبراز هؤلاء على الإعلام السوري، مع الأزمات التي كانت تهدد النظام مباشرة. فاعتبر مايك فغالي ورفاقه جزءاً من ماكينة الأسد الإعلامية التي تبث الخوف والرعب في قلوب السوريين في حال تجرأوا على المطالبة بالتغيير. تغيير أي واقع مهما كان صغيراً في حياتهم.
ولعل آخر خطر حقيقي استشعر به نظام الأسد، وإن بشكل محدود، هو التظاهرات التي اندلعت في السويداء في يونيو/ حزيران الماضي على خلفية استمرار تدهور الأوضاع المعيشية، وحملت شعارات تطالب بإسقاط النظام. وقتها سارعت صفحات ومواقع تابعة للنظام إلى تسليط الضوء على "عالمة الفلك" ميسون الدبس التي ردّدت بشكل شبه ببغائي أن "الكواكب كشفت لها أنّ هذه التظاهرات لن تؤدي إلا إلى سقوط دماء". وأعطت الدبس لنفسها صلاحية التهديد باستخدام القوة المفرطة ضد أهالي السويداء، لتعود وتؤكد بعدها بشكل سريالي أن الأوضاع في كل سورية ستكون بألف خير، وسيعمّ الرخاء والازدهار في البلاد.
لكن يبقى مايك فغالي هو الوجه الأكثر شهرة بين جوقة المنجمّين المطبلين للأسد. غير أنّ بريق اللبناني الذي شهرته قناة OTV بدأ يخفت العام الماضي في الأوساط الشعبية المؤمنة بقراءة الغيب، بعدما فشلت كل توقعاته بشكل مثير للسخرية. ولعلّ أشهر هذه التوقعات هي تحسّن الليرة السورية بشكل كبير أمام الدولار واستعادة قيمتها، وهو ما لم يحصل طبعاً بل وصلت إلى أدنى مستوياتها في 2020.
لكن فغالي ليس الوحيد الذي تنقل عنه مواقع وصفحات تابعة للنظام، بل إن قناة "سما" التابعة للنظام، رفعت سقف المنافسة مع استضافتها اللبنانية ليلى عبد اللطيف مع بداية انتشار فيروس كورونا مطلع العام الحالي. عبد اللطيف كانت حاسمة بقولها إن الوباء لن ينتشر لا في سورية ولا في لبنان، متوقعة أن تنتهي الأزمة السورية قريباً جداً، مكررة أكثر من مرة أن أي حل للمشاكل الأمنية والسياسية يجب أن يمرّ بالأسد. وذهبت أبعد بترداد خطاب النظام قائلة إن حكومة جديدة ستتشكل، وتضمّ معارضين، وأن الليرة ستتحسن تدريجياً، على أن يعود كل اللاجئين إلى الأراضي السورية.
ويلتقي كلام المنجمين مع ما يردّده الخبراء والمحللون السياسيون المعتمدون لدى النظام، في اعتماد خطاب يحاول تهدئة الشارع في كل مرة بدا كأن السوريين على باب انتفاضة جديدة، من خلال استعمال الخرافات والأساطير والغيبيات، والوعود الفارغة المغلفة بمعطيات غير واقعية.
واللافت في اعتماد إعلام النظام على المنجمين هو خرقه القانون الذي وضعه بنفسه، إذ تنص المادة 754 من قانون العقوبات السوري على العقاب بـ"الحبس التكديري وبالغرامة كل من يتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح، والتنويم المغناطيسي والتنجيم وقراءة الكف وقراءة ورق اللعب وكل ما له علاقة بعلم الغيب". كما يعاقب مكرر هذا الفعل، بالحبس حتى ستة أشهر وبغرامة تصل إلى مائة ليرة.
اللافت في اعتماد إعلام النظام على المنجمين هو خرقه القانون الذي وضعه بنفسه، إذ تنص المادة 754 من قانون العقوبات السوري على العقاب بـ"الحبس التكديري وبالغرامة كل من يتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح"
ولا يطبق النظام هذا القانون سوى على مشعوذين صغار ازداد انتشارهم في المجتمع السوري خلال سنوات الحرب بشكل لافت. ويمكن تصنيف هؤلاء الآن ضمن قائمة تجار الأزمات التي تطاول مختلف الشرائح الاجتماعية، ولا سيما الأكثر ضعفاً.
ويبدو أن النظام السوري يدرك جيداً سعي السوريين الذين سدّت أمامهم كل الأبواب، إلى التعلّق بأي أمل مهما كان خيالياً، فارتأى استخدام نفس السلاح، لكن هذه المرة بالاعتماد على أسماء تتمتّع بنجومية عالية في وسائل الإعلام العربية، مثل ليلى عبد اللطيف، ومايك فغالي. لكن هذا العام يبدو أن الواقع سيختلف، فهل تخلى النظام عن جوقة طباليه؟