الإعلام التونسي رهينة الانقسام السياسي

06 نوفمبر 2021
تصاعدت وتيرة التهديدات بحق الصحافيين التونسيين (حسن مراد/Getty)
+ الخط -

تنقسم الآراء في تونس حول التغيرات الأخيرة في المشهد الإعلامي، بين مَن يراها تطبيقاً متأخراً للقانون ومَن يعتبرها تصفية لحسابات سياسية، خاصة أنها جرت إثر قرار الرئيس قيس سعيّد، في 25 يوليو/تموز، تجميد عمل مجلس النواب وإقالة رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي، مرتكزاً على فصل دستوري يخوله اتخاذ تدابير استثنائية في حالة "خطر داهم" يهدد البلاد.

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أُغلقت قناتا "الزيتونة" و"نسمة تي في"، بينما اتخذت "حنبعل تي في" قرار الإقفال، وواجهت "إذاعة القرآن الكريم" المصير نفسه، وذلك تطبيقاً لقرار اتخذ خلال السنوات الماضية وأُجّل، من "الهيئة العليا للسمعي البصري" (الهايكا). الاستعجال في البت بمصير هذه المنصات الإعلامية ردّه كثيرون إلى قرارات قيس سعيّد أخيراً، خاصة أنها معروفة بمعارضته.

في حديث العضوة في المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين فوزية الغيلوفي، لـ"العربي الجديد"، تقول إن "تطبيق القانون لا يختلف عليه اثنان"، وتشير إلى أن المؤسسات الإعلامية المذكورة كانت تبث على نحو غير قانوني. لكنها لا تنفي أنها (المؤسسات) كانت "تلقى دعماً من أطراف حزبية نافذة، وبعد 25 يوليو/ تموز تغيرت المعادلات السياسية". ولا تخفي الغيلوفي أن مثل هذه القرارات تنعكس سلباً على حرية الصحافة، فتؤكد أن "حرية الصحافة في تونس مهددة منذ سنوات، لكن وتيرتها زادت في المدة الأخيرة، في ظل تعمد الرئاسة التونسية اعتماد سياسة اتصالية غريبة"، فإلى الآن لم يُعين مستشار إعلامي لرئيس الدولة ولا لرئيسة الحكومة، ما يعني ضمنياً "تجاهلاً للتواصل مع الإعلاميين، وضرباً لواحد من حقوق الإنسان، وهو حق المواطن في الحصول على المعلومة".

في الوقت نفسه، تتمسك "الهايكا" بموقفها، وتوضح، عبر رئيسها النوري اللجمي، أن "تسوية الملفات القانونية لهذه القنوات شرط أساسي لاستئناف بثها". ويقول اللجمي إن القرارات ليست إلا تطبيقاً للقانون وتنظيماً للقطاع السمعي البصري في تونس، و"ليست عقاباً لأي طرف".

لكن رئيس تحرير "قناة الزيتونة" لطفي التواتي يرى أنّ قرار إغلاقها سياسي. وقال سابقاً لوكالة "رويترز" إنّ "القرار هو معاقبة لـ(الزيتونة) على مواقفها الأخيرة من قرارات الرئيس... السلطات حرّكت الهيئة بسبب معارضتها للرئيس".

ويشاركه الإعلامي زياد الهاني الرأي، إذ قال عبر حسابه في "فيسبوك" إن المجلس الحالي لـ"الهيئة العليا للسمعي البصري" غير قانوني، وإن قراراته مجحفة. وأضاف عن مجلس "الهايكا" أنه "مجلس مشبوه، متهم من قبل أعضاء استقالوا منه بالفساد. وقد تمت مراسلة قيس سعيّد لتصحيح وضعه القانوني وتعويضه، لكنه لم يفعل شيئاً، بما يعني أنه فضل الإبقاء عليه في وضعه الحالي لتشغيله لحسابه". واعتبر الهاني أن قرار "الهايكا" في حق قناتي "الزيتونة" و"نسمة تي في" مجحف، "لأن هاتين القناتين، وخلافاً لكل الأكاذيب التي يتم ترويجها، استوفتا كل الطلبات القانونية التي تمسكت بها (الهايكا)، وهي تخلي أسامة بن سالم بصفته عضواً في مجلس شورى (حركة النهضة) عن أسهمه في مؤسسة قناة (الزيتونة) من جهة، وتغيير شركة قناة (نسمة) لطبيعتها القانونية. لكن مجلس النوري (الهايكا) أصر على توقف القناتين عن البث إلى أجل غير مسمى، حتى يبتّ في ملفيهما. وطالبت القناتان بتحديد مدة التوقف حتى يمكنهما الالتزام بها، نظراً لأن لديهما عقودا والتزامات يجب مراجعتها استناداً لمدة التوقف. لكن المجلس أبى واستكبر".

رأي زياد الهاني يشاركه فيه أمين عام "الحزب الجمهوري" المعارض لقرارات الرئيس التونسي، عصام الشابي الذي رأى أن مثل هذه القرارات الغاية منها الحد من حرية الصحافة والتعبير بتبريرات قانونية "واهية". وقال "قد نجد من التبريرات ما لا يحصى ولا يعد، ولكن لا يمكن أن نغفل عن الوضعية التي انتهى إليها المشهد الإعلامي المرئي في تونس عشر سنوات بعد ثورة الحرية والكرامة. مشهد بدأت تتقلص فيه مساحة الرأي والرأي الآخر إلى الحد الأدنى إثر قرار إداري للتلفزة الوطنية (التلفزيون الرسمي) بعدم تناول الشأن السياسي بعد 25 يوليو، وتخلي قنوات (الحوار التونسي) و(قرطاج) و(تونسنا) تلقائياً عن برمجة المنابر الحوارية التي أثثت بها شبكة برامجها طيلة السنوات الماضية، وصولاً إلى غلق قنوات (الزيتونة) و(نسمة)، وتهديد قناة (حنبعل) بأن تلقى نفس المصير... حتى أن قناة (التاسعة) أصبحت تشكل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة". وأضاف الشابي أن "تعديل المشهد الإعلامي لضمان التعدد والتوازن ضروري ومطلوب، ولكن في كل الأحوال ليس مقبولاً أن ينتهي بنا تطبيق القانون إلى العودة بالإعلام إلى البث باللونين الأبيض والأسود كما كان الحال سابقاً".

وهي آراء شاركهم فيها مقدم البرامج في "نسمة تي في" حسان بلواعر الذي اعتبر غلق القناة "تعسفاً" في تطبيق القانون "غير مقبول"، في "ظرف تحتاج فيه تونس إلى التعددية، لترسيخ تجربتها الديمقراطية المهددة بالفشل".

كما رفضت "حركة النهضة"، في بيان لها، "سياسة الضغوط المسلطة على أصحاب الرأي المخالف وتوظيف بعض الهيئات التعديلية للتضييق على حرية التعبير، ومن ذلك غلق بعض المؤسسات الإعلامية كقناة (نسمة) وقناة (الزيتونة)، وتهديد قناة (حنبعل)، بما يحيل عدداً كبيراً من الصحافيين والفنيين والعاملين على البطالة، بدلاً من تسوية وضعياتها في كنف احترام القانون وحرية الإعلام".

هموم الصحافيين والموظفين في هذه المؤسسات حاضرة أيضاً في بيانات النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين و"الجامعة العامة للإعلام"، المنضوية تحت لواء "الاتحاد العام التونسي للشغل". فغلق القنوات، تحت أي ذريعة، له انعكاسات على العاملين فيها الذين سيحالون على البطالة الإجبارية، في وضع إعلامي متأزم اقتصادياً بطبيعته، ويعاني العاملون فيه أوضاعاً اجتماعية هشة وتأخراً في صرف الأجور.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

كما يرى آخرون أن غلق القنوات فيه حدّ من حرية اختيار التونسيين في مشاهدة القنوات التلفزيونية المحلية التي يرغبون، كما أن هذه القرارات ستصبح بمثابة السيف المسلط على رقاب المؤسسات الإعلامية التي تفكر في الخروج من بيت الطاعة السياسية، خاصة بعد سجن الإعلامي عامر بن عياد، إثر قراءته لقصيدة في برنامجه الذي يبث على قناة "الزيتونة" قبل غلقها، اعتبرت كلماتها مسّاً بشخص الرئيس التونسي قيس سعيّد.

وعلى الرغم من أن بعض وسائل الإعلام السمعية والمرئية ما تزال إلى حدّ الآن تعمل وتقدم برامجها وفقاً لخطها التحريري، إلا أن التخوفات تبقى مشروعة، في ظل مناخ سياسي متشنج بين الرافضين لما قام به الرئيس التونسي قيس سعيد والمدافعين عنه، وهو ما قد يزيد في حدة التجاذبات السياسية التي قد تؤدي إلى انقسامات بين أبناء الشعب الواحد.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس قال، الشهر الماضي: "نشعر بالقلق وخيبة الأمل حيال التقارير الأخيرة من تونس حول التعدّيات على حرية الصحافة والتعبير". ودعا برايس الحكومة التونسية إلى "المحافظة على التزاماتها باحترام حقوق الإنسان كما نصّ عليها الدستور التونسي" ومرسوم أصدره الرئيس قيس سعيّد في سبتمبر/أيلول. وأضاف: "نحضّ أيضاً الرئيس التونسي ورئيسة الوزراء الجديدة على الاستجابة لدعوة الشعب التونسي، لوضع خارطة طريق واضحة، للعودة إلى عملية ديمقراطية شفّافة ينخرط فيها المجتمع المدني والأصوات السياسية المتنوّعة".

المساهمون