الإعلام الإسرائيلي: تغطية انتقائية تجرّم الفلسطيني

14 أكتوبر 2022
تجاهلٌ لانتهاكات جنود الاحتلال (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

تعتمد وسائل الإعلام الإسرائيلية في تغطيتها موجة عمليات المقاومة المتواصلة في الضفة الغربية والقدس إستراتيجيات تهدف إلى لوم الضحية الفلسطيني، وشيطنة ردة فعله، عبر اعتماد معالجات انتقائية تقوم على إبراز رواية الاحتلال وتغييب الرواية الفلسطينية. ففي الوقت الذي تحرص فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية، في تغطيتها للأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على ضخ عدد كبير من التقارير حول كل جندي أو مستوطن يسقط قتيلاً أو جريحاً جراء عمليات المقاومة، فإنها تتجاهل العدد الكبير من الشهداء والجرحى الفلسطينيين الذين استهدفوا برصاص جيش الاحتلال أخيراً، وكذلك اعتداءات المستوطنين.

في مقال نشره موقع آي سي إي، أشار الكاتب الإسرائيلي ياريف أوبنهايمر إلى أن الإعلام والمجتمع الإسرائيليين لا يبديان اهتماماً عندما يُقتل طفل فلسطيني برصاص الاحتلال وهو عائد من زيارة جده، أو عندما يلفظ عجوز فلسطيني أنفاسه بعد أن تركه جنود الاحتلال مقيد اليدين قرب الحاجز الذي يتمركزون فيه.

ووسائل الإعلام الإسرائيلية تتلقف، من دون تدقيق، روايات جيش الاحتلال التي تجرم الضحية الفلسطيني، ولعل المثال الأبرز على ذلك ما حدث مع محمد علي حسين عواد (36 عاماً)، وهو معيل لأسرة من 5 أفراد. كان عواد قبل شهر عائداً في سيارته من مدينة قلقيلية، شمال غرب الضفة الغربية، إلى بيته في قرية بيت إكسا شرق القدس، حين اصطدمت سيارته بسيارة شرطة الاحتلال من دون قصد، فأطلق عناصر الشرطة النار عليه حتى استشهاده. وسارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى تصوير الحادث على أنه عملية دهس متعمدة، وظلت متمسكة بروايتها حتى بعد أن اعترفت سطات الاحتلال بأن ما حصل حادث مروري. وقبل ثلاثة أسابيع، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن المخابرات الداخلية (شاباك) ألقت القبض على شاب من فلسطينيي الداخل حاول تفخيخ جزء من السكة الحديدية في الشمال بالمتفجرات، ولم تمض عدة ساعات حتى أطلق الجهاز سراح هذا الشاب، بعد أن تبين أن لا علاقة له بالحادث. لكن وسائل الإعلام لم تتراجع عن روايتها الأصلية.

ويعتمد الإعلام الإسرائيلي ازدواجية معايير واضحة في تغطيته للأحداث الثلاثة التي استأثرت بتغطيته في الأيام الأخيرة: الحرب الأوكرانية، واحتجاجات النساء الإيرانيات، وموجة عمليات المقاومة. مقدمو البرامج الحوارية وكبار المعلقين ومراسلو قنوات التلفزة الثلاث الرائدة (كان الرسمية، والقناتين التجاريتين 12 و13)، وتحديداً في البرامج الحوارية الأكثر مشاهدة التي تبث مساء كل جمعة، يتعاطون مع المقاومة الأوكرانية واحتجاجات الإيرانيات بوصفها أفعالا أخلاقية ومشروعة ضد الظلم والغزو والهمجية. وفي المقابل، يتناول هؤلاء المقدمون والمعلقون والمراسلون الذين امتهنوا العمل الدعائي عمليات المقاومة الفلسطينية الشعبية والمسلحة ضد الاحتلال بوصفها أعمالاً "إرهابية" تستهدف إسرائيل، من دون ربطها بواقع الاحتلال الذي يعيشه الشعب الفلسطيني.

ففي برنامج "استوديو الجمعة" الذي تبثه قناة 12 مساء الجمعة، حاول محمد مجادلة، وهو صحافي من فلسطينيي الداخل، لفت أنظار بقية الحضور في الاستوديو بعد أن أسهبوا في التعاطف مع نساء إيران اللواتي يتظاهرن على فرض الحجاب إلى القمع الفظيع الذي يمارسه جيش الاحتلال والمستوطنون ضد الفلسطينيين على بعد عدة كيلو مترات، حتى عمد مقدم البرنامج داني كشمارو إلى مقاطعته ومحاولة إسكاته.

وفي الوقت الذي تبدي فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتماماً واسعاً باحتجاجات الإيرانيات، فإنها تتجاهل تماماً القمع الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية على أيدي قوات الاحتلال، سيما خلال الأحداث الأخيرة، وخصوصاً الاعتداء على المشاركات في الاحتجاجات ضد سياسات الاحتلال في القدس، إذ ألقيت بعضهن أرضاً، كما وثقت ذلك الكثير من الفيديوهات التي عجت بها الشبكة العنكبوتية.

ومن المفارقات التي تعكسها تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلي مهاجمة قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضم مناطق أوكرانية للاتحاد الروسي، والإشادة ببيان الخارجية الإسرائيلية الذي يؤكد على عدم الاعتراف بهذه الخطوة، في حين تتجنب هذه الوسائل إدارة نقاش جدي حول ضم إسرائيل الفعلي لمعظم مساحة الضفة الغربية من خلال الاستيطان والتهويد والسيطرة على المنطقة "ج" التي تمثل أكثر من 60% من مساحة الضفة.

ويلعب ما تصفهم وسائل الإعلام الإسرائيلية بـ"معلقي الشؤون العربية" و"مراسلي الشؤون الفلسطينية" و"المستشرقين" دوراً في إستراتيجية "هندسة الوعي" التي تعكف عليها، من خلال الإصرار على تغييب الاحتلال والاستيطان والقمع بوصفها محركات ومحفزات للعمل المقاوم ومسببات وحيدة له. إذ يعرضون العمل المقاوم الفلسطيني بوصفه "إرهاباً"، يؤججه "الاستلاب للعنف الذي تكرسه الذهنية العربية".

اللافت أن من بين يحملون صفة "معلقين للشؤون العربية" هم من أتباع التيارات الدينية المتطرفة، وبعضهم يقطن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، مثل معلق الشؤون العربية في قناة 13، تسفي يحزقيلي، فهو ينتمي إلى التيار الحردلي الذي يجمع بين التشدد الفقهي للتيار الحريدي والتطرف القومي للتيار الديني الصهيوني. ليس هذا فحسب، بل إن وسائل أعلام أخرى تستضيف يحزقيلي للتعليق على الأحداث في الضفة الغربية، من دون أدنى مراعاة لتوجهاته الأيديولوجية والدينية المتطرفة.

وفي مقاله الأخير في موقع سيحا مكوميت، سخر الكاتب الإسرائيلي ميرون رابوبورت من تغطية الإعلام الإسرائيلي للأحداث في الأراضي المحتلة، ووصفها بأنها مجرد "تقليد فني لمؤامرة سامية"، وهو التعريف نفسه الذي أطلقه يوماً أرسطو على "المأساة".

المساهمون