الإبادة الجماعية في غزة... يوم قيامة مستمرّ منذ عام

09 أكتوبر 2024
في مخيم جباليا، الثالث من أكتوبر 2024 (محمود عيسى/ الأناضول)
+ الخط -

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، مرّ عام على عملية طوفان الأقصى. مرّ عام على اليوم الذي حلّقت فيه دراجات مقاتلي "حماس" من غزة نحو إسرائيل، وانطلقت عملية غيرت شكل الشرق الأوسط كاملاً، وأعادت الحق الفلسطيني إلى الساحة الدولية، وساحات الجامعات والمدن. عام من الصمت الدولي المخزي، وعجز المؤسسات الدولية عن إيقاف الإبادة الجماعيّة. عجز أمام إسرائيل التي انتهى بها الأمر بمنع الأمين العام للأمم المتحدة من الدخول إلى الأراضي المحتلة.
هذا العام، وللأسف، شهدنا لأول مرة في التاريخ الإبادة الجماعية بالبث المباشر. صحافيون ومدنيون بثوا صوراً ووثقوا المجازر التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين. سكان القطاع هُجّروا ونزحوا أمام أعين العالم. والماكينة الإعلامية-الحربية لإسرائيل تبث أكاذيب وتلفّق أحداثاً. تزعم أن هناك أطفالاً قُطعت رؤوسهم، بينما الطائرت الإسرائيلية تمزّق الأطفال، ليحمل الآباء أجسام رضّع بلا رؤوس.
الحرب الإعلامية أثبتت أننا لسنا أمام ماكينة كذب وتلفيق فحسب، بل امتداد عالمي لوسطاء الكذب الإسرائيلي. فضيحة "ذا نيويورك تايمز" و"تحقيق" الانتهاكات الجنسية الذي نشرته، يكشف بدقّة مقدار التساهل وغياب المهنية حين يتعلق الأمر بإسرائيل، إلى جانب إنكار الاحتلال أعداد الضحايا، والانتهاكات الجنسية بحق الأسرى... كل هذا والغزّيون يموتون كل ساعة. والأشد من كل ما سبق، أن كل الجرائم موثقة، ومصوّرة. محكمة العدل الدولية في الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل استعانت بالصور الصحافية على أنها "دليل" لاتهام إسرائيل. مع ذلك، لم يتوقّف القتل.
صور الموت تتدفّق يومياً منذ عام، بل تحولت جرائم الحرب الموثقة والمصورة إلى محط جدل وسجالات. والأكثر مأساوية، أنّها تحولت إلى صورة "إخبارية"، خصوصاً أننا أمام حرب أشعلت المنطقة، وإبادة لم يتحرّك ضدها سوى المتضامنين خارجاً. تُرك الغزيون وقوداً لوسائل التواصل الاجتماعي. وعلى رغم حرب الخوارزميات، وسياسات الحجب التي يتجلى آخرها بمنع المثلث الأحمر، ما زال الصوت الفلسطيني عالياً وحاضراً.
إلى جانب خرائط نتنياهو في الأمم المتحدة، قسّمت إسرائيل قطاع غزة والآن جنوب لبنان إلى "بلوكات" وقطاعات، ومناطق آمنة مزيفة. هذا ليس سوى إمعان في التفتيت لتسهيل الزحف والقصف والتهجير. الجريمة تُنشر تفاصيلها قبل وقوعها، ثم تقع المقتلة والكل يشاهد. نحن أمام سياسة ونهج يعمم المعرفة بالجريمة على "الجميع"، ويشل قدرة المستهدف على الهرب.
نكرّر كلمات "الجميع" و"الكلّ" كوننا أمام إبادة جماعية؛ جريمة الجرائم، تلك التي كل الإنسانيّة مسؤولة عنها، بل يدان حتى من عرف بها ولم يوقفها أو يحد من استمرارها. هؤلاء الجميع، هم في كل أنحاء العالم، كل من سكت عما يحصل وشهد كيف تفتك قذيفة إسرائيلية ببناء بأكمله وتسويه بمن فيه حطاماً وأشلاء... كل احتمالات الموت موثقة، جوعاً، وقنصاً، تحت الركام وفوقه... كلها موثقة.

فتحت إسرائيل حرباً إقليميّة، تقصف في إيران وسورية ولبنان وقطاع غزة واليمن. حرب أعادت تقسيم المنطقة والانتماءات فيها. مع ذلك، هنالك أمر واحد لم يتغير بعد: القتل ما زال يومياً، والأبرياء يقتلون يومياً، صورة الانتصار التي تحدث عنها نتنياهو لم تتحقق بعد، واستبدلت بأصوات صفارات الإنذار. يتركنا استمرار الحرب أمام نتائج غير متقوقعة. وهنا المرعب، غياب القدرة على التوقع يعني أن وحشية الاحتلال قد تتجاوز ما نعرفه، خصوصاً أننا لم نتوقع تفجير آلاف البيجرات، ولا استخدام قنابل تخترق الأنفاق، وبروباغندا تبرّر استيطان قطاع غزة وجنوب لبنان، ومؤثرون ومؤثرات هم في الوقت نفسه جنود في جيش الاحتلال يملؤون الشاشات بابتسامات تخفي وراءها موتنا، وتروج للتجنيد في جيش الاحتلال.
تبقى كلمات العجوز من مخيم جباليا ترنّ في آذاننا إلى الآن: "شعرت أنه يوم القيامة".

المساهمون