أحبّها الملايين، كما انتقدها وحكم عليها الملايين. كانت أخبارها محطّ أنظار العالم. عرفناها أميرة جميلة متألقة خجولة، سعيدة أحياناً، وتعيسة في أحيان أخرى. بيد أنّنا لم نتعرّف إلى الإنسان داخلها. عظيمة كانت في نظر كثيرين. وكثيرون جلدوها من دون رحمة. وصلتنا أخبارها من وسائل الإعلام البريطانية والعالمية، التي لم تحترم خصوصيتها ولا إنسانيتها. إنّها الليدي ديانا، الأميرة التي غادرت الحياة وهي في الـ36 من العمر، في حادث سير مأساوي في نفق في العاصمة الفرنسية، باريس، فجر 31 أغسطس/ آب 1997، حين كانت تلاحقها كاميرات التصوير.
موتها المفاجئ وبهذه الطريقة، كان لا بدّ أن يثير الشكوك ونظريات المؤامرة. في 1 يوليو/ تموز، ولدت أميرة ويلز، وبعد 24 سنة على رحيلها، ومع اقتراب عيد ميلادها الستين، لا تزال ديانا تشكّل مادة دسمة لوسائل الإعلام البريطانية، التي تتسابق لكشف المزيد عن حياتها العامرة بالإنجازات والأحداث والذكريات الجميلة والمؤلمة في آن.
فتاة حالمة، تزوجت أميراً، من دون أن تدرك ماذا كان يُخبئ لها المستقبل. وكانت أوّل مواطنة إنكليزية تتزوج وريثًا للعرش منذ قرابة 300 عام. ويمكن القول أيضاً، إنّها كانت بعيدة كل البعد عن عامة الناس. فهي ابنة إدوارد جون سبنسر، فيسكونت آلثورب، وريث إيرل سبنسر السابع، وزوجته الأولى فرانسيس روث بورك روش (ابنة البارون فيرمي الرابع). عاشت ديانا حياة الرفاهية منذ طفولتها، وعند بلوغها الثامنة عشرة، أقامت في شقة في العاصمة لندن مع صديقاتها كارولين بارثولوميو، وصوفي كيمبال، وفيليبا كوكر؛ وكانت تأخذ من كل واحدة منهنّ مبلغ 18 جنيهًا إسترلينيًا فقط في الأسبوع لمشاركتها السكن. تتكوّن الشقة من ثلاث غرف نوم، وتقع في منطقة كولهيرن كورت، في مبنى قصر نايتسبريدج، وكانت هدية من والداها.
يُقال إنّ ديانا أمضت فيها أجمل أيام حياتها قبل مغادرتها في فبراير/ شباط 1981، عندما انتقلت إلى كلارنس هاوس، مقر إقامة الملكة الأم، في الليلة التي سبقت إعلان خطوبتها رسميًا من الأمير تشارلز.
وخلف أسوار القصر الملكي، لم يكن زواج الأميرة مثاليًا. وفي آخر مقابلة صحافية لها، تحدّثت عن جحيم الطلاق وعن مخاوفها على سلامتها وقلقها بشأن التلاعب بفرامل سيارتها. وأفصحت أنّها اعتقدت لفترة أنّ الأمير تشارلز كان يريد إبعادها عن دربه لإفساح المجال أمامه للزواج من مربية طفليهما، تيجي ليج بورك، وأنّ كاميلا كانت مجرّد خدعة لإبعاد الشبهات عن علاقته بالمربية، بحسب ما أوردت صحيفة "ذا صن" في يونيو/ حزيران. الصحيفة لفتت إلى أنّ ديانا أكّدت أنّه بعد مرور عام على طلاقها، أدركت أنّ جميع مخاوفها كانت سخيفة، وذلك خلال مقابلتها هذه مع إنغريد سيوورد، رئيسة تحرير مجلة ماجستي، التي دعتها الأميرة لمقابلتها، بعدما قرأت مقالًا كتبته عنها يزعم أنّها كانت تخفي شخصًا ما في صندوق سيارتها لتدخله خلسة إلى شقتها.
اشتهرت ديانا بنشاطاتها الإنسانية، وخلال زواجها كانت رئيسة أو راعية لأكثر من 100 جمعية خيرية. وأنجزت الكثير من الأعمال لصالح المشردين والمعوقين والأطفال والأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز. وقبل عام من رحيلها، كانت الأميرة ناشطة في مجال حظر تصنيع واستخدام الألغام الأرضية. وألقت كلمة في مؤتمر الألغام الأرضية في الجمعية الجغرافية الملكية في لندن.
وحسب حديث مساعدها كولين تيبوت، إلى صحيفة "ذا ديلي ميل"، يُعتقد أنّ نشاطها في هذا المجال قد يكون سبباً غير مباشر في وفاتها، لأنّها أجّلت عودتها إلى لندن التي كانت متوقعة في 28 أغسطس/ آب 1997، لتتجنّب رد فعل حزب المحافظين العنيف ضد حملتها. ويبدو أنّ صحيفة "ذا ديلي ميل" لا تزال تسعى لغاية اليوم إلى إزالة أي مزاعم ترجّح التآمر لقتل أميرة ويلز، وذلك عبر نشر أجزاء من تحقيقها عن وفاتها خلال شهر يونيو/ حزيران، بما في ذلك حديث قائد شرطة العاصمة جون ستيفنز، الذي أفصح أخيراً عن سبب إجباره على استجواب الأمير تشارلز، الذي كان يتعلّق بمزاعم تقول إنّه تآمر لقتل زوجته السابقة، وكان عليه "اتباع الأدلة" واستجواب الأمير بشأن مذكرة كتبتها ديانا، تدّعي أنّه كان يخطط لحادث في سيارتها.
وحسب الصحيفة، دار هذا الحديث بين تشارلز وستيفنز في 6 ديسمبر/ كانون الأوّل عام 2005، وسط سرية هائلة في قصر سانت جيمس، خلال فترة التحقيق في وفاة ديانا، التي استمرت ثلاث سنوات.
وكان الجزء الحاسم من التحقيق، في الملاحظة التي كتبتها الأميرة وتنبأت فيها بأنّها ستموت بسبب "مشكلة في الفرامل وإصابة خطيرة في الرأس''، ليتمكن تشارلز من الزواج من مربية ابنيه السابقة، تيجي ليج بورك. وما كانت تخشاه الأميرة تحقّق بعد ما يقارب عامين على كتابتها لهذه الملاحظة. وبالفعل، رحلت مع صديقها دودي الفايد، وسائقهما هنري بول، بعد تحطّم سيارة المرسيدس التي كانت تقلّهم في نفق بباريس.
خبر وفاتها صدم ملايين الناس في بريطانيا والعالم. وكان من الطبيعي أن تُثار الشكوك ونظريات التآمر التي رجّحت قتلها، لكنّها لم تقتصر على توجيه أصابع الاتّهام إلى العائلة المالكة فقط، بل طاولت الفريق الطبي الذي بذل قصارى جهده لإنقاذها، واعتُبر حينها جزءاً من المؤامرة. اليوم، عاد الجدل ليحتدم من جديد بشأن العوامل التي ربما تكون قد ساهمت في حادث الوفاة، بعد نشر "تقرير دايسون"، الشهر الماضي، الذي روى كيفية احتيال مراسل "بي بي سي" السابق، مارتن بشير، على الأميرة للحصول منها على مقابلة في عام 1995. ويبدو أنّ بشير بات، في اعتقاد المقرّبين إلى الأميرة الراحلة، السبب الرئيس في وفاتها، بعدما قال الأمير ويليام إنّ إخفاقات "بي بي سي" ساهمت في تعزيز خوف والدته في سنواتها الأخيرة.
في حين قال الأمير هاري إنّ "التأثير المضاعف لثقافة الاستغلال والممارسات غير الأخلاقية أودت بحياتها في النهاية". بينما ذهب شقيق ديانا، إيرل سبنسر، إلى أبعد من ذلك، قائلاً إنّه يمكن أن "يرسم خطاً" بين شقيقته التي قابلت بشير في عام 1995 وحادثها المأساوي في باريس بعد ذلك بعامين.
أسئلة كثيرة تبقى عالقة من دون أجوبة: "كيف تنبّأت أميرة ويلز بطريقة موتها؟ هل امتلكت القدرة على التكهّن بحادث السير؟ أم أنّ الحادث كان مجرد صدفة تطابقت مع أفكارها ومخاوفها؟". وهل ستكشف حقيقة رحيل الليدي، أم ستُضاف إلى ألغاز قصص كثيرين ممن رحلوا قبلها من سياسيين ومشاهير لم تُعرف بعد حقيقة ما جرى لهم؟
تنشغل بريطانيا مع اقتراب اليوم الكبير، في العمل على تكريم جديد لديانا، إذ إنّه من المقرر الكشف عن تمثال لها في الأول من يوليو/ تمّوز 2021 في قصر كنسينغتون للاحتفال بعيد ميلادها الستين. وعلى الرغم من توتر العلاقة بين ابنيها الأميرين هاري وويليام، لأسباب مختلفة، أبرزها مقابلة دوق ودوقة ساسكس مع أوبرا وينفري، فمن المقرّر أن يحضر كلاهما هذا الحدث. وكان الأميران قد طلبا إنشاء هذا النصب التذكاري لأول مرة في عام 2017، في الذكرى العشرين لوفاة والدتهما، لاعتقادهما أنّه سيعرّف بتأثير والدتهما الإيجابي على حياة الكثيرين في المملكة المتحدة وحول العالم.
وقد صمّم التمثال الفنان إيان رانك برودلي، هو أيضًا المبدع وراء صورة الملكة التي تظهر على جميع العملات المعدنية في المملكة المتحدة. وليس التمثال أول تكريم للأميرة الراحلة، فقد افتتحت الملكة مؤسسة ديانا التذكارية في حديقة هايد بارك، التي بنيت باستخدام 545 قطعة من غرانيت الكورنيش، في يوليو/ تموز 2004. وبعد ذلك، في الذكرى العشرين لوفاتها، أنشات حديقة تذكارية تُعرف باسم الحديقة البيضاء في قصر كنسينغتون في عام 2017.