سلّطت قضية انتحار المراهقة البريطانية، مولي راسل، الضوء على مخاطر محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيراتها السلبية، وخصوصاً في المراهقين والأطفال. وقد كشف التحقيق يأس هذه الفتاة وضعفها، قبل وفاتها، في مذكرة بلغت عدة صفحات.
بدأ التحقيق الكامل في قضية وفاة مولي راسل في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، واكتمل في الـ30 من الشهر نفسه. عندما انتهى التحقيق، خلص الطبيب الشرعي، أندرو ووكر، إلى أن مولي راسل "ماتت من فعل إيذاء النفس، بينما كانت تعاني من الاكتئاب والآثار السلبية للمحتوى على الإنترنت". وأضاف أن مولي "تعرضت لمواد ربما أثرت بها سلباً".
أظهر التحقيق أن العديد من جوانب الأمان عبر الإنترنت تحتاج إلى معالجة. إضافة إلى ذلك، عُرض للمناقشة مشروع قانون الأمان على الإنترنت، وكيف ستضمن الحكومة حماية الأطفال والشباب عبر الإنترنت. وأدى التحقيق إلى العمل على تعجيل تعديل قانون الأمان عبر الإنترنت، لمساعدة الآباء الثكالى في الوصول إلى معلومات عن شركات وسائل التواصل الاجتماعي.
في هذا الشان، قالت البارونة بيبان كيدرون إنها ستطرح تغييراً على التشريع المقترح في مجلس اللوردات، بعد أن خلص الطبيب الشرعي إلى أن المحتوى المعروض على الإنترنت ساهم في وفاة طالبة المدرسة. وفي حديثها في مؤتمر صحافي، بعد انتهاء التحقيق، قالت: "أعتقد أن الطريقة التي جرى بها التوصل إلى الاستنتاج كانت تاريخية... وأخشى أن صندوق الوارد الخاص بي في البرلمان، مليء برسائل من أشخاص فقدوا أطفالهم للأسف، والكثير منهم يكافحون للحصول على معلومات تتيح لهم الوصول للحصول على الشفافية".
بدورها، قالت متحدثة باسم "ميتا"، إن الشركة "ملتزمة ضمان أن يكون إنستغرام تجربة إيجابية للجميع، وخاصة المراهقين"، وسوف "تدرس بعناية" تقرير الطبيب الشرعي الكامل.
أمّا ديفيد رايت، الرئيس التنفيذي لمؤسسة خيرية مكرسة لتمكين الاستخدام الآمن للتكنولوجيا على مستوى العالم، فقال: "أظهرت استنتاجات الطبيب الشرعي في تحقيق مولي راسل، أن المنصات الإلكترونية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد. لقد كانت هذه لحظة مهمة، ليس فقط من أجل وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن من أجل مستقبل الأمان عبر الإنترنت". وأضاف: "هذه ضمانة مهمة، لأنه من دون وسيلة سهلة الوصول ونزيهة للطعن في قرارات المنصة، لا أحد يدافع عن الضحايا. لا يمكننا السماح بإصدار قانون أمان عبر الإنترنت لا يضع دعم المستخدمين وحمايتهم في المقام الأول. هذا الالتزام ممارسة أساسية وإلزامية ستعمل على تحقيق إنترنت أكثر أماناً وفقاً لمشروع قانون الأمان على الإنترنت الذي حُدِّد في الأصل لتحقيق هذا الهدف".
بدوره، قال آندي بوروز، رئيس سياسة أمان الأطفال عبر الإنترنت في NSPCC (الجمعية الوطنية لحماية الاطفال من العنف)، إنّها المرة الأولى على مستوى العالم التي يُحكَم فيها على أن المحتوى الذي سُمح لطفل بمشاهدته من قبل شركات التكنولوجيا ساهم في وفاته.
كانت مولي طالبة المدرسة قد وصفت قبل وفاتها بفترة، إدمانها إيذاء النفس، وكذلك ارتباكها بشأن مشاعر كراهية الذات بالتحديد لأنها لم تمر بطفولة صعبة ونشأت في كنف عائلة محبة. ومن ما جاء في كتابات مولي، حسب ما أوردت صحف بريطانية: "بادئ ذي بدء، لا يجب إلقاء اللوم على أي شخص، لقد قمت بهذا الأمر بنفسي". وأكملت: "في بعض الأحيان، نترك الأمور لتتراكم بشكل كبير حتى لا نعرف كيفية التعامل معها، فنكبتها في أعماقنا، لكنها تستمر في التراكم حتى نعجز عن معالجتها أو التعامل معها بعد ذلك".
من جهته، قال الدكتور نافين فينوغوبال، وهو طبيب أطفال، إنّ هذه الرسالة حزينة للغاية، وخلص إلى أنّ مولي كانت تعاني من اكتئاب حاد. وعبّر عن انزعاجه من المحتوى الذي شاهدته طالبة المدرسة، لدرجة أنه عجز عن النوم لأسابيع. وقال إن المحتوى "المؤلم" قد "أثّر بها بالتأكيد وفاقم شعورها بالعجز حتى فشلت في طلب المساعدة والدعم من العائلة أو الأصدقاء". ولفت إلى أنّه لا يرى أي فائدة إيجابية لهذا المحتوى. أضاف فينوغوبال أن المراهقين معرضون لمخاطر ما يتعرّضون له وما يشاهدونه بين سن 12 و16 سنة بالتحديد، لكونهم يصبحون أكثر حساسية في الاستجابة للضغوط ويزداد وعيهم بالتغيرات التي تطرأ على أجسادهم، الأمر الذي يجعلهم أكثر عرضة لمشاكل الصحة العقلية، وخاصة للفتيات.
في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، قيل لمحكمة الطب الشرعي في شمال لندن، إن مولي نقلت من منشور على "إنستغرام" جاء فيه: "أنا لست جيدة بما فيه الكفاية"، قبل أن تنتحر وهي في سنّ الرابعة عشرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وقد اطلعت مولي على 2100 فيديو عن الانتحار وإيذاء النفس والاكتئاب، و138 مقطع فيديو في الأشهر التي سبقت وفاتها.
وأوضحت، سو ماغواير، مديرة مدرسة مولي راسل الثانوية في المحكمة، أنّ وسائل التواصل الاجتماعي، تسبّب مشاكل لا حدود لها، ويستحيل تتبعها أو رصدها. وتابعت أن مدرسة هاتش إند الثانوية لم "تقدم موقفاً" يمنع الطلاب من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها لفتت إلى أنّ هذه التكنولوجيا باتت تخلق تحديات لم تكن موجودة قبل 10 سنوات أو 15 عاماً. وأشارت إلى أنّه من خلال تجربتهم مع الشباب، من الواضح أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً ومهيمناً في حياتهم تنتج منها مشاكل لا نهاية لها. بيد أنّ وفاة مولي في نوفمبر 2017 كانت بمثابة صدمة مريعة، وأنّ المدرسة كانت تحذّر الطلاب من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي لفترة طويلة. وأوضحت ماغواير أن الموظفين صُدموا عندما علموا بالمحتوى الخطير المتاح للطلاب، مثل مولي، على مواقع مثل "إنستغرام".
سمع التحقيق من إيان راسل، والد مولي، الذي عبّر عن صدمته من محتوى المواد القاتمة والمرسومة والضارة المتاحة للأطفال على الإنترنت. وفي وقت سابق من يوم الجمعة الماضي، بعد انتهاء التحقيق، قال إن استنتاجات الطبيب الشرعي "خطوة مهمة في إحداث التغيير الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه". وقال إن رسالته إلى "إنستغرام" ورئيس "ميتا"، مارك زوكربيرغ، ستكون دعوة للاستماع إلى الأشخاص الذين يستخدمون هذه المنصات، والاستماع إلى الاستنتاجات التي قدمها الطبيب الشرعي في هذا التحقيق والقيام بشيء حيال هذه المسألة.
واعتذر كل من رئيس قسم الصحة والرفاهية في شركة ميتا الأم المالكة لـ"إنستغرام" ورئيس العمليات المجتمعية في "بنترست" خلال التحقيق عن المحتوى الذي شاهدته مولي. وأخيراً، وُصف الحكم في قضية المراهقة راسل بأنه الأول من نوعه عالمياً بعد أن خلص إلى أن المحتوى الذي سمح لمولي بمشاهدته من قبل شركات التكنولوجيا ساهم في وفاتها.