شاهدنا في الموسم الرمضاني 2022 كيف حاولت بعض المسلسلات السورية إدراج أشكال غنائية معاصرة، وأخرى تحاكي روح النص الدرامي، كما في مسلسل "جوقة عزيزة" للمخرج السوري تامر إسحاق، و"مع وقف التنفيذ" للمخرج سيف الدين سبيعي.
بالطبع، من يتتبع المشهد الفني السوري خلال العقد الأخير سيدرك أن تلك المحاولات ما هي إلا وسائل إنتاجية تبحث عن أدوات مناسبة لمخاطبة السوق العربية واستدراجها عبر محطات غنائية، استثمرت لغاية الترويج والربح، وليس لتمكين حدث وفعل دراميين.
تنفيذ هذه الأغنيات يعود بنا إلى مسار العلاقة التاريخية للدراما السورية مع النصوص الغنائية وأشكالها، ومكاشفة آثارها على الفعل الدرامي من جهة، وعلى الجمهور والواقع السوري من جهة أخرى، إلى جانب فهم التكوينات الموسيقية في الصناعة الدرامية ودرجات تطورها وتغيراتها منذ سبعينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا.
ظهرت الخطوط الأولى للأعمال الغنائية داخل الدراما السورية عبر ما كان يسمى سابقاً بالمسرح التلفزيوني، الذي أسسته مجموعة من الفنانين السوريين، أمثال الراحل عمر حجو ودريد لحام ورفيق السبيعي ونهاد قلعي وياسر العظمة، والراحل محمود جبر. فمع دخول عصر التلفاز إلى سورية، خطّت تلك المجموعة المرحلة الأولى لنشأة الدراما السورية.
بهذا، قدمت في بداياتها مجموعة من المسلسلات الاجتماعية، كانت لا تزال متأثرة بالصناعة المسرحية، فظهر عدد من الأعمال المتواضعة التي عرفها العالم العربي وحفظها من خلال شخصياتها وأحداثها، وأخيراً أغانيها التي شكلت بصمةً فارقة في شكل الصناعة وتغيراتها. من أهم تلك الأعمال "صح النوم" و"ملح وسكر"، اللذان ضما عددا من الأغنيات المأخوذة عن تراث الجزيرة السورية والفلكلور العراقي. وقد مهدت تلك الأعمال لظهور بعض المغنين على الساحة السورية، أمثال ذياب مشهور وفهد بلان وموفق بهجت وطروب.
كان من البديهي تأثر تلك المرحلة بتقديم الأغنية الشعبية والفلكلورية، التي صبغت مكونات الدراما السورية؛ إذ قدم التلفاز فسحة مناسبة لمخاطبة الجمهور وترفيهه، إضافة إلى تعريفه بالنمط الثقافي للأغنية السورية في أجواء تأسيسية، فرضتها عوامل التطور التقني في تلك الفترة.
المرحلة الثانية انطلقت على يد الممثل السوري ياسر العظمة. اتبع الأخير نمطًا خاصًا به، يختلف عن ذاك الذي قدمه رفاقه في البدايات. عمل العظمة على تسويق نظرية درامية خاصة، تنظر في الشأن الفانتازي والتاريخي، لتقدم نموذجًا غنائيًا استطاع العظمة، بأسلوبه الخاص، صوغه بشكل أقرب إلى الأغنية الفانتازية المسرحية، ممهدًا بذلك لبداية عصر الأغنية الدرامية، وذلك في مسلسل "رحلة المشتاق" للمخرج سليم صبري عام 1977.
بعدها، قدم العظمة سلسلة "مرايا" التي انطلقت عام 1984. ومن هنا، انطلق العصر الجديد للدراما السورية. وتخللها إدخال مفاهيم جديدة للطرح الموسيقي وتسويق الأغنية النقدية، بما يلائم نوع السلسلة (كوميديا اجتماعية) في بداياتها. فحملت الأجزاء الأولى شكل الأغنية التوعوية والتوجيهية، ثم تحولت لاحقًا إلى الأغنية النقدية الساخرة التي تحمل في طياتها لغة هجائية لممارسات الحكومة السورية وفساد مؤسساتها من جهة، ومحاكاةً لهموم المواطن السوري وواقعه من جهة أخرى.
في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، برزت أعمال اجتماعية كوميدية حققت نجاحًا كبيرًا محليًا وعربيًا. على رأس هذه الأعمال سلسلة "عيلة ست وسبع نجوم". حاولت هذه السلسلة تقديم أغنيات شعبية، بهدف الترفيه وعكس صورة المنزل السوري بطقوسه وعاداته بشكل نموذجي، ما ساهم في خلق رابط عاطفي وثقافي بينها وبين المتابع السوري والعربي.
توالت الأعمال من هذا الشكل، حتى اتجهت نحو تطويع الأغنية الدارجة الشعبية مع الموال والعتابا في مسلسل "أبو جانتي" الذي أدى سامر المصري دور البطولة فيه، إلى جانب أيمن رضا (بدور أبو ليلى). لتنقل هذه المظاهر الغنائية حال المواطن السوري، وتدفعه إلى التماهي مع شخصيات المسلسل كنموذج من واقع حياته، وعلاقاته في المجتمع السوري.
إلا أننا نشير هنا إلى صعود ظاهرة الممثل المغني، التي نتج عنها توجه بعض الممثلين السوريين إلى الغناء، كما حصل مع شخصيتي أبو ليلى وأبو جانتي، اللذين أخذا يطرحان أغاني شعبية في السوق الفنية بشكل منفرد، ونضيف إليهما أيضًا الممثلة صفاء سلطان التي اشتهرت في سلسلة "بقعة ضوء"، من خلال بعض اللوحات التي استثمر صناع العمل صوتها فيها، لتدأب على طرح أغان مسجلة ومصورة بين الفينة والأخرى في الأسواق. لذا، يمكن القول إن هذه الظاهرة كانت السبب الفصل في التحول الدرامي للصناعة الموسيقية في الإنتاج السوري وتوجهه نحو تسويق الأعمال الغنائية في إنتاجاته، ولا سيما عند فهم تأثير المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي على عملية الإنتاج والتسويق.