الأغنية العربية المشتركة... تجارب باقية وأخرى عابرة

31 مايو 2022
قدم عمرو دياب والشاب خالد أغنية "قلبي" في عام 1999 (عمرو محمود / فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الساحة الفنية العربية، مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ظاهرة الأعمال الغنائية المشتركة (الدويتو). برزت من خلالها بعض الأعمال الناجحة، التي حققت شهرة واسعة جماهيرياً.
لبّت هذه الثنائيات مطلب الصناعة الموسيقية، في ركوب موجة التحديث، شكلاً وأسلوباً، رغم أنّها لم تؤدِّ إلى قفزة موسيقية عربية نوعية. بل كانت انعكاساً لمرحلة ادعت التثاقف الموسيقي، في عملية تحرر من الشكل الكلاسيكي للأغنية العربية.
غير أنّ التجديد في حالة هذه الظاهرة، لم يقترن بالضرورة مع أهداف موسيقية بحتة (ربما إدخال أشكال جديدة لموسيقى البوب فقط)، أو أن تكون لها وظيفة ثقافية واجتماعية هادفة، بل اكتسبت صفتها وحضورها، أولاً، كسلعة تلبي الوظيفة التجارية والربحية للمؤسسات التنظيمية الخاصة بالقطاع الموسيقي، ثانياً كوسيط نموذجي يشترط التحديث كغرض مطلبي تنصاع له الذائقة العربية.
مع ذلك، يمكن أن نعزو نجاح بعض تلك الأعمال في تكوين حالة موسيقية خاصة، للأجيال الشابة الجديدة التي كانت مؤهلة لتشرب هذا الشكل من الأغنيات غير المألوفة في تلك الفترة، وميلها إلى أعمال أكثر صخباً ومرحاً وعاطفة. من أبرز تلك الأعمال، أغنية "عيني" التي جمعت بين الفنانين المصريين هشام عباس وحميد الشاعري عام 1994، وكذلك المصريين محمد منير وخالد عجاج في أغنية "ليه يا دنيا الواحد" عام 2000، وأغنية "مين حبيبي أنا" للفنانين اللبنانيين وائل كفوري ونوال الزغبي التي صدرت عام 1995. وتجربة أخرى جمعت أيضاً بين اللبنانيين راغب علامة وإليسا في "بتغيب بتروح" عام 2000.

وفي حالات خاصة فرضتها بعض الظروف الإنتاجية، التي استفادت من هذه الظاهرة وحملتها إلى مكان أوسع تستطيع فيه الأنماط الموسيقية العربية التلاقح؛ شهدنا ظهور بعض الأغنيات المشتركة التي جمعت بين البوب والراي، منها أغنية "قلبي" التي قدمها الفنان المصري عمرو دياب مع الفنان الجزائري الشاب خالد في عام 1999، ثم أعيد تكرار هذه التجربة عام 2006 في أغنية "ماس ولولي"، التي جمعت الشاب خالد مع المغنية اللبنانية ديانا حداد.


هناك نمط آخر من الدويتو، لم يقتصر دوره على بلوغ الشكل والأسلوب في تحضير صناعة مختلفة، تسترعي ذوق الجماهير العربية؛ إذ انتشرت خلال الفترة ذاتها بعض الدويتات، التي تجاوزت حدودها الشكلية والمحلية والإقليمية، واستقطبت دماءً جديدة، ذات نزعة استرضائية للاستهلاك المعاصر، مع الحفاظ على سمات المشهد الموسيقي العام، بين الأقطار العربية.
لغة هذه الثنائيات، في ظاهرها، تمثل استدلالاً على نمط تجريبي يسعى إلى تحسين عملية التواصل الموسيقي، وتجاوز مسألة التمازج الشرقي والغربي آلاتياً، وفتح آفاق لنسل جديد من الأعمال الغنائية المشتركة، التي تجمع بين العربي والأجنبي لحناً وكلمة.
بعض هذه التجارب نجحت، وأخرى فشلت من دون أن يكون لها أيّ نتائج مستقبلية بالغة الأثر في ذاكرة المستمع العربي. نذكر منها أغنية "بدي دوب" (1998) للمغنية اللبنانية إليسا، برفقة المغني والملحن الإسباني جيرار فيرير. وكذلك قدمت إليسا أغنية مشتركة مع المغني البريطاني كريس دي بورغ، حملت عنوان "ليبانيز نايت" عام 2003. ونضيف أغنيات لكل من المصريين هشام عباس "ناري"، برفقة المغنية الهندية بومباي جاياشري عام 2001، وحكيم، في "آه يا قلبي" برفقة المغنية البورتوريكية أولغا تانون عام 2001.


لم يُكتب لهذا النمط من الأعمال الاستمرار (داخل العالم العربي)، على عكس النمط الأول الذي حافظ على بقائه حتى يومنا هذا، باعتباره يبقى نموذجاً خاصاً يعبر عن "قومية موسيقية عربية".

ربما لطبيعة السوق المتقلبة، ومتطلبات الإنتاج وموارده المالية وتأثير بعض المتغيرات العالمية والعربية، سياسياً وثقافياً على المشهد الموسيقى، فبقيت بعض هذه الثنائيات كما لو أنها تجربة عابرة في مسار الصناعة الموسيقية العربية.

المساهمون