"الأخت الكبرى": كاميرا أجنبية تمسّ محرّماً

01 مارس 2024
"الأخت الكبرى": شقيقتان في مواجهة حالة واجتماع (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

إليكم الوجه غير الكروي لنساء جمهورية الـ"كوت ديفوار". هناك، تعرّضت الأخت الكبرى لخسارة قاسية، ولإعاقة في جسدها انعكست على روحها. تعايشت، بصمت، مع جسد مجروح ومهان، زمناً طويلاً. حين عادت الأخت الصغرى المهاجرة من كندا، طرحت الموضوع في جلسة نسائية مشبعة بالمزاح والضحك. جلسة قلّبت مواجع، وكشفت أسراراً، وانتهت بالبكاء.

هذا كلّه في الوثائقي الكندي "كوروموسو ـ الأخت الكبرى" لحبيبَتَا وُرْمي وجيم دُنوفان، الفائز بتنويه خاص من لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الوثائقية في الدورة الـ16 (13 ـ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) لـ"المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا" (المغرب).

في جلسة المزاح تلك، كشفت الأخت عن الجرح الحميمي الذي ولّد لديها إحساساً بالنقص. شوَّشت الجلسة نمطَ الحياة العادية، التي تمّ فيها التعايش مع ما جرى، ثم أيقظت أسئلة ساخرة حقيقة الفاجعة الممتدة، التي آن أوان علاجها. تعرّضت الأخت الكبرى لختان الإناث، وكانت تخاف أنْ يعرف الرجال ذلك. تعبير الأخت الكبرى يعني تلك المرأة التي تعتني، كأمٍّ، بأخواتها وإخوتها وأطفالهم. أغنية أفريقية تُسمّيها "الأم الميمونة".

يجري ختان الذكور علناً. يفتخر الرجال بختانهم، إذْ يعتبرونه بداية التاريخ بالنسبة إليهم. بينما يجري ختان البنات سرّاً، ويبقى "تابو" محليّاً، ما لم تقتحمه كاميرا أجنبية، غالباً لمخرجة مهاجرة، كما في In Search، التي أنجزته بريل ماغوكو (كينية مُقيمة في ألمانيا) عام 2018. الختان عيدٌ للطفل الذكر، ودخول مُعزّز إلى مرحلة الرجولة. إنّه شرعية دينية أيضاً. يُعلَن عن ختان الأولاد بالطبل والزغاريد. لكنّ ختان الإناث يجري بصمت، ولا يُسمّى، ولا يُعزف طبل بمناسبته. هنا، تتعرّض الإناث للإقصاء، ويستفيد الذكور من الاصطفاء. يجري ختان الذكور في مرحلة باكرة، بينما يجري ختان البنات في مرحلة وعي بالذات. قدّرت منظمة "يونسيف" أنّ هناك 200 مليون امرأة ضحية الختان. هذا عنفٌ يقتطع جزءاً من الجسد، ويمسّ الكرامة والهوية الجندرية، ويصير موضوع تنمّر عند انكشافه.

يؤدّي ختان النساء إلى تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، بقطع الجزء الخارجي للبظر، أو شفتيه. هذا يؤثّر على الصحّتين النفسية والجسدية للمرأة، ويؤدّي إلى العقم، ربما.

هذا واقع. ينبغي لفيديوهات رقص البنات في "تيك توك" ألاّ تُغطّي الحقائق المؤلمة. هنا، تعاني النساء عنفاً وفقراً واغتصاباً في المجتمع الذكوري، والفهم التقليدي للدين والسلطة الأبوية.

 

 

تعرّضت الأخت الكبرى للختان، ولم تتحدّث عن ذلك قط. تشجّعت في أجواء المزاح، وأخبرت قريبتها، وتولّدت لديها رغبةَ تحدّي الـ"تابوهات" الثقافية عن الحياة الجنسية. من هنا تبدأ رحلة الشفاء، الفردي والجماعي. سافرت الأخت الكبرى إلى كندا بحثاً عن كرامتها، وعمّا ينقصها بيولوجياً. هذا ليس "تابو" في كندا. كلّ شيءٍ مباح تقريباً هناك. يوجد حلّ في الغرب، إذْ يمكن تصوير الختان، والحديث عنه. ترجع كاميرا سينمائية مهاجرة لتُصوّر موضوعها "الناقص" في سياق بلدها، حيث الرقابة العالية. ثم تنْقله المخرجة إلى سياق كندي، ليجد الحلّ، ويستعيد "كماله". زرعت الأخت القطعة التي اقتُطعت منها، فخرجت تصرخ: "صرت امرأة كاملة". ما جدوى حرية التعبير في ظلّ قمع الجسد بالمقصّ؟ هذا الاسترجاع إنجازٌ بيولوجي ونفسي. يحقّ لمن يعيش في كندا أنْ يُغيّر وضعه القبلي، المترسّخ في بلده الأصل.

هذا فيلمٌ بتمويل كندي، وله مخرجة، ومحتوى أفريقي تتوفّر فيه شروط استقطاب التمويل الأجنبي. واضحٌ أنّ سينما المهجر أكثر حرية. هكذا بدأ أدب المهجر، منذ قرن، في العالم العربي.

ما بدأ مزاحاً وسخرية، فتح الباب أمام بوح عميق، أخرج ضحكات عميقة، ثم دموعاً قاسية. لحظة المزاح والبسط وحيدةٌ، تنكشف فيها الحقيقة الإنسانية تحت ستار الضحك، ثم يأتي العلاج والـ"كاتارسيس" للأخت الكبرى، التي تتحمّل مسؤولية كبيرة في المجتمعات الأميسية.

نحن في بداية القرن الـ21، قرن النساء، ومجد سلالة "باربي". لكنْ، لكلّ جغرافيا قوانينها. فبينما تختار "باربي" ألوان شعر حبيبها وكيفية قَصِّه، لا تتمكّن الطفلة الأفريقية من حماية جسدها. نتيجةً لهذه الفوارق، تناضل النساء لإقرار المساواة والمناصفة في بقاعٍ كثيرة في العالم، بعد أنْ صار الحقّ في السلامة البدنية والحرية الشخصية يُصنَّف كمسلّمات في مجتمعاتهنّ، بينما يناضلن للحفاظ على سلامتهنّ البدنية في أفريقيا، حيث يجري ختان البنات باكراً، وعليهنّ الفرار إلى الغرب لاسترجاع حقوقهنّ.

هكذا تفتح سينما المهجر آفاقاً واسعة أمام النساء، للتحرّر من تقاليد بلدانهنّ الأصلية.

المساهمون