الآلات الموسيقية... صخب الجماهير رفيق اللعب

30 نوفمبر 2022
ظهرت آلة الفوفوزيلا في مونديال جنوب أفريقيا 2010 (كلايف مانسون/Getty)
+ الخط -

حضرت الآلات الموسيقية خلال بطولات كأس العالم لتصاحب أصوات المشجعين. وغالباً ما استخدمت جماهير كرة القدم الطبول والأبواق على المدرجات، لتصاحب أصوات الجمهور. هذا التقليد على مدرجات كرة القدم ساهم في إعطاء بعد احتفالي، يمكنه إلهاب المشجعين طوال وقت المباراة.
غير أن "فيفا" أصبحت لا تحبذ دخول بعض الآلات الموسيقية، وتحظر وجودها في الملاعب خلال كأس العالم. ففي مونديال روسيا 2018، اشتكى المشجع الإسباني مانويل كاسيرس (Manuel Cáceres) باكياً بعد منعه من دخول المباريات بمصاحبة طبلته. ويشتهر مانويل في إسبانيا باسم مانولو إل ديل بومبو (Manolo el del bombo)، ورافق منتخب بلاده خلال عشر بطولات كأس عالم، باستثناء مونديال روسيا. كان دائماً يحضر بمصاحبة طبلته الشهيرة، الموشوم إطارها بالعلامة الملكية الإسبانية.


استخدام المشجعين الآلات الموسيقية داخل ملاعب كأس العالم كان متاحاً طوال سنوات تنظيم البطولة، حتى مونديال جنوب أفريقيا 2010، إذ شكل الأخير منعطفاً، وإن لم يشهد منعاً وقتها لآلة بعينها. الطبول تمثل ظاهرة تقليدية بما تضفيه من حماسة وتشجيع، كما أن حضور آلات أخرى، مثل الأبواق، يخلق تنويعاً صوتياً حين يشق أصوات المشجعين. بصرف النظر عن افتقاره إلى نوتة يمكنها أن تصبح لحناً أو حتى جملة موسيقية قصيرة. فحضور الآلة الموسيقية على المدرجات يمتاز بحس ارتجالي، ويمكن للآلات أن تلعب دور الإشارات الضوئية، لتغدو جزءاً من صخب المدرجات وحماستها المصاحبة لوقائع اللعبة على المستطيل الأخضر.
ومع ظهور آلة الفوفوزيلا (Vuvuzela) في مونديال جنوب أفريقيا 2010، بما أحدثته من ضجيج على المدرجات، بدأ الجدل حول وجوب منع بعض الآلات. كانت الفوفوزيلا أول آلة رسمية لبطولة كأس عالم. واعتاد مشجعو الكرة المحليين استخدامها لدعم فرقهم بتلك الصورة الضاجة، حيث ينفخونها بأقوى ما يمكن لإصدار نغمة، على صوت سي بيمول من الطبقة العالية (الأوكتاف الثالث)، ما يمكن أن يضر بأسماع الناس.
وخلافاً لما جلبه صوتها من نكهة خاصة بالنسبة للمشاهدين من التلفاز، تسببت بشكوى بالنسبة للأجانب الحاضرين في ملاعب البلد الأفريقي المستضيف البطولة. فصنُّفت آلةً مزعجةً. ومع انتهاء البطولة، أصبحت آلة محظورة من الفيفا. وسواء أحبها الناس أو لا، تردد صدى كأس العالم في جنوب أفريقيا على صوت الفوفوزيلا.

هذا الجدل الذي أثير حول الآلة الجنوب أفريقية أثار امتعاض خبير الموسيقى الجنوب أفريقي من أصل إسباني بيدرو إسبي سانشيز (Bedro Espi-Sanchis)، واعتبر أن ما صورته آلة الفوفوزيلا، على غرار ما مثلته خلال المونديال الأفريقي، ظلم للموسيقى والثقافة الأفريقية. وقال وقتها إنه بإمكانها إصدار موسيقى جميلة في كأس العالم، إذا استُخدمت بشكل صحيح، بعيداً عن الطريقة التي عزفها المشجعون، بنوع من الفوضى غير المُنسقة والصاخبة. وتحدث سانشيز بافتخار عنها بوصفها ذات جذور عميقة وقديمة في الموسيقى التقليدية الجنوب أفريقية، وهي آلة مبنية على قرون ظباء كودو الكبيرة، التي تنفخها مجموعات السكان الأصليين لاستدعاء القرويين لحضور الاجتماعات.
في المونديال التالي الذي استضافته البرازيل عام 2014، اعتمدت وزارة الرياضة البرازيلية آلة الكاكسيرولا Caxirola لتكون الآلة الرسمية للمونديال. وهي آلة قرع برازيلية ابتكرها كارلينوس براون. عبارة عن سلة بلاستيكية معلقة ذات قاع مسطح محشوة بحبيبات اصطناعية، تصدر خشخشة كخلية نحل حين تبدأ بالاهتزاز. لكن "فيفا" لم يسمح بدخولها الملاعب، سواء خلال بطولة كأس القارات 2013، أو خلال المونديال. واعتبرتها السلطات خطراً أمنياً.
بعض المحظورات كانت لها اعتبارات أمنية وفق بعض الإجراءات التي شهدتها بطولات كأس العالم. وبعضها لاعتبارات أخرى تتعلق بالإزعاج الشديد. وفي بلاد السامبا المعروفة بالاحتفالات الكرنفالية، اختفى هذا البُعد الإيقاعي الملتهب بالرقص من المدرجات بسبب حظر الكاكسيرولا، كونها تصدر أصواتاً مزعجة، كحال الفوفوزيلا الجنوب أفريقية.
وعملياً، لا تسمح الكاكسيرولا بإصدار إيقاع راقص ومصاحبته بالرقص، ولا تبعث خشخشة مبهجة مثل بعض الآلات الإيقاعية التي تُقرع بالهز.
في مونديال روسيا 2018، اعتمدت الملاعق الخشبية آلةً رسميةً للمونديال، ولم تُحظر. الآلة عبارة عن ملعقتين مربوطتين بعضهما بجانب بعض، تضربان على ملعقة ثالثة، ولها جذور تقليدية في الموسيقى الروسية. وكانت الغاية استخدام آلة تمثل قيماً ثقافية روسية، وفي نفس الوقت لا تحدث الإزعاج الذي قد يؤدي إلى حظرها.


لكنّ المونديال شهد إجراءات لم تقتصر على منع طبلة المشجع الأسباني؛ إذ مُنع المشجعون النيجيريون، منذ لقاء منتخبهم الثاني خلال المونديال الروسي، من إدخال طبولهم وبعض آلاتهم الأخرى. ووضع "فيفا" قائمة من الآلات المحظور دخولها إلى الملاعب، مثل الآلات التي تُشغّل ميكانيكياً، وتلك التي تصدر قدراً كبيراً من الضوضاء، مثل مكبرات الصوت أو الأبواق التي تعمل بالغاز، والأبواق مرتفعة الصوت مثل الفوفوزيلا. بينما ليس هناك ذكر للطبول أو الأبواق المتآلف استخدامها على مدرجات كرة القدم. وهذا ما أثار اعتراضاً نيجيرياً شكك في تلك الإجراءات، بل جرى ربطه بين الإجراء وما سبقه من هجوم إرهابي ارتكبته عناصر بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا. وليس بعيداً أن ما تعرض له الإسباني مانولو إل دِيل بومبو هو شكل من المساواة، تحسباً من اتهام الفيفا باتخاذ إجراء عنصري.
وما دامت كرة القدم تدور، ستشهد المدرجات صوتاً للموسيقى. وهو ما عرفته البطولات المحلية والعالمية على مدى عقود، إذ تضفي الطبول والأبواق بأصواتها أكثر من نغمة وأقل من لحن، لتبقى صدى لكل بطولة أو منافسة. فدائماً ما تكون هناك نغمة وقرع ونشيد، جنباً إلى جنب مع كرة القدم.

المساهمون