استمع إلى الملخص
- عائلة السنجري ومركز الرافدين للعدالة يناشدون لإطلاق سراحه، مؤكدين على براءته من التهم الموجهة إليه ومشددين على سوء حالته الصحية.
- الاعتقال أثار قلقاً بين الصحافيين والناشطين، معتبرينه رسالة تهديد لمن ينتقد الفساد، ويشير إلى انتكاسة في حرية الصحافة بالعراق، مع تزايد المخاوف من الانتهاكات ضد الصحافيين.
اعتقلت قوات الأمن العراقية في محافظة نينوى (شمالي البلاد)، الصحافي زياد السنجري الذي ينشط منذ سنوات في مجال الكشف عن ملفات الفساد والانتهاكات الحقوقية، وذلك بعد أيام من عودته إلى مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، قادماً من النمسا حيث يقيم منذ العام 2014.
وكشف مسؤول أمني في محافظة نينوى، لـ"العربي الجديد"، أن الصحافي زياد السنجري اعتقل من دون مذكرة إلقاء قبض قضائية في بادئ الأمر، ثم صدرت بعد اعتقاله مذكرة قضائية لتوقيفه بتهمة الابتزاز وانتحال صفة شخصيات رسمية في الدولة. وأشار المصدر نفسه إلى أن السنجري اعتقل ليلة الأحد الماضي عندما كان عائداً إلى مسكن أهله في الساحل الشمالي من مدينة الموصل، حيث اعتقلته قوة تابعة لاستخبارات وزارة الداخلية خلال مروره بسيارته، وأفاد بأن السنجري موقوف حالياً في سجن مديرية استخبارات وتحقيقات نينوى، وتجري التحقيقات معه للضغط عليه لكشف مصادر المعلومات التي يستند إليها في نشر ملفات الفساد في محافظة نينوى.
وتواصل "العربي الجديد" مع عائلة زياد السنجري التي رفضت الإدلاء بأي تصريح للإعلام خشية أن ينعكس ذلك على سلامته أو أن يتسبب أي تصعيد إعلامي بتعرضه للتعذيب، لكنهم وجهوا مناشدة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان للتدخل العاجل من أجل إطلاق سراحه كونه في حالة صحية سيئة، مؤكدين أن التهم التي وجهت له عقب اعتقاله عارية عن الصحة.
زياد السنجري وملفات الفساد في الموصل
نشر السنجري قبيل اعتقاله بساعات انتقادات ضد مليشيا "بابليون" التي يتزعمها ريان الكلداني، بسبب سيطرتها على أراضٍ داخل مدينة الموصل ومنعها تنفيذ مشاريع خدمية فيها رغم مباشرة الجهات الحكومية ذلك. وخلال العامين الماضيين، نشر السنجري عشرات الملفات التي كشفت عن هدر الأموال والفساد المستشري في مؤسسات الدولة والحكومة المحلية في نينوى، ونفوذ الفصائل المسلحة والمكاتب الاقتصادية وهيمنتها على الوضع في مدينة الموصل.
وأدان مركز الرافدين للعدالة وحقوق الإنسان، ومقره جنيف، اعتقال الصحافي العراقي زياد السنجري الذي عمل في مؤسسات محلية ودولية عدة في وقت سابق بعد عودته لزيارة ذويه في الموصل قادماً من النمسا. وقال المركز في بيان إن "السنجري تخصص خلال السنوات الأخيرة في كشف ملفات الفساد المالي والإداري والانتهاكات الانسانية"، وحذر من تفاقم الانتهاكات ضد الصحافيين والإعلاميين والناشطين في العراق، مؤكداً أن الغاية من استهدافهم هو تكميم الأفواه ومنعهم من نقل الحقيقة.
وطالب المركز المنظمات الدولية والمحلية بالتحرك العاجل من أجل إطلاق سراحه وجميع معتقلي الكلمة والرأي، لكون هذه الأفعال انتهاكاً لكل المواثيق الدولية والإنسانية.
خوف بين الصحافيين والناشطين العراقيين
يرى الصحافي العراقي عمر الجنابي أن اعتقال السنجري بعد زيارة أجراها إلى مدينته للاطمئنان على صحة والدته المريضة ولقاء عائلة وأقاربه أمر "مقلق" لجميع الصحافيين والناشطين و"رسالة غير مطمئنة لجميع الذين غادروا البلاد خشية التصفية أو الاعتقال بسبب الآراء الشخصية سواء في الجانب السياسي أو الأمني".
وقال الجنابي لـ"العربي الجديد"، إن "الاعتقال يمثل خطوة لا تبشر بخير حول مستقبل الحريات في العراق، في ظل تعهدات ألزمت الحكومة نفسها بها أمام المجتمع الدولي وكذلك المحلي، خصوصا أن الدستور كفل حرية الرأي وضمن سلامة العمل الصحافي". وأضاف أن "اعتقال السنجري، وقبله ياسر الجبوري، لا يثير القلق فحسب، وإنما يجبر كل الصحافيين أو المؤثرين في الرأي العام الذين يرغبون في زيارة عائلاتهم على إعادة حساباتهم، لأن العراق أصبح مصيدة لهم"، مبيناً أن هناك تصفية حسابات من قبل سياسيين أو متنفذين تجاه الصحافي أو الكاتب أو المدون أو الباحث، من أجل الانتقام عبر استغلال النفوذ والسلطة، وهذا يؤكد أن العراق بيئة غير آمنة للحريات.
وأوضح الجنابي أنه لا توجد جهة تلجأ إليها عائلة الصحافي أو المقربين منه في حال تعرضه للاعتقال أو للاستهداف، لأن "نقابة الصحافيين غير فاعلة، والمنظمات الخاصة مشلولة وليس لها أي تأثير".
أما الخبير القانوني علي البياتي، فقال إن العراق "يشهد انتكاسة في ملف الحريات، ويظهر ذلك من خلال ملاحقة واستهداف الناشطين والإعلاميين وأصحاب الرأي". وأشار البياتي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الطبقة السياسية "تحاول أن تجير القضاء لصالحها، وأن تورطه في انتهاكات كثيرة، ومنها استهداف الصحافيين والناشطين في كشف ملفات الفساد"، وشدّد على "ضرورة إبعاد القضاء عن ممارسات وسلوك الطبقة السياسية التي لا تفكر إلا بمصالحها وتوسعة شبكات الفساد في البلاد".
قبل أشهر تعرض الصحافي من مدينة الموصل محمود الجماس للاعتقال من قبل قوة تابعة للحشد الشعبي على خلفية نشر معلومات عن نفوذ وسيطرة بعض الفصائل على الوضع السياسي والاقتصادي في المدينة، ثم أطلق سراحه بعد تحذيره من نشر أي معلومات تخص الحشد الشعبي وفصائله. وتشهد مدينة الموصل منذ استعادة السيطرة عليها من قبضة تنظيم داعش حملات متواصلة لتقييد الحريات وملاحقة الصحافيين والناشطين الذين ينتقدون الفساد والفشل الإداري والتلكؤ الحكومي في تنفيذ المشاريع وتقديم الخدمات. ولجأ الكثير من المسؤولين التنفيذيين والتشريعيين وزعماء الأحزاب والفصائل المسلحة إلى ممارسة ضغوطات على القضاء العراقي من أجل ملاحقة الناشطين والإعلاميين والزج بهم في السجون، لمنعهم من انتقاد السلطة والحديث عن سرقة المال العام.
تهديدات من كل حدب وصوب
العراق احتل المركز 169 من أصل 180 بلداً شملها تصنيف حرية الصحافة لعام 2024 الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود في مايو/ أيار الماضي. ولفتت "مراسلون بلا حدود" حينها إلى أنه "بين الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي والتظاهرات، يواجه الصحافيون (في العراق) تهديدات من كل حدب وصوب، في ظل ضعف الدولة ومؤسساتها التي تتقاعس عن دورها في حمايتهم"، وأشارت إلى أنه "بسبب التأثير السياسي في وسائل الإعلام، تكاد تنعدم الأخبار المستقلة، بينما تضيع الحقيقة في خضم الاستقطاب ويستمر كفاح أهل المهنة دفاعاً عن حقوقهم... معظم الصحافيين يتعرضون للتهديد باستمرار منذ عام 2019، كما طاولت الاعتداءات وأعمال النهب العديد من وسائل الإعلام بسبب تغطيتها للتظاهرات المناهضة للفساد، والتي تعتبرها بعض التيارات السياسية مسيرات معادية للنظام. أما في كردستان، فيُتهم الصحافيون الناقدون بالتجسس ويكون مصيرهم الاعتقال والسجن.
وفي ما يخص الإطار القانوني، شددت "مراسلون بلا حدود" على أنه إذا كان الدستور يكفل حرية الصحافة نظرياً في العراق، "فإن القوانين المعمول بها تتعارض مع بعض مواده، إذ غالباً ما تلجأ الشخصيات العامة إلى المحاكم لمتابعة الصحافيين الذين يحققون في أنشطتهم، وعادة ما تكون الملاحقة بتهمة التشهير. كما أنّ مشروع القانون المتعلق بالجرائم الإلكترونية، الذي يعود إلى الواجهة بانتظام، يزيد متاعب أهل المهنة، إذ ينص على عقوبات بالسجن (تصل إلى المؤبد) بسبب منشورات إلكترونية (تمس استقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا)".
وقد شهدت السنوات الأخيرة مقتل العديد من الصحافيين على أيدي جماعات مسلحة، من تنظيمات جهادية أو مليشيات. وتمر هذه الاغتيالات من دون أي عقاب، علماً أن التحقيقات النادرة التي تُفتح بشأنها لا تؤدي إلى أي نتائج مجدية. كما أن عمليات الاختطاف والتهديد بالقتل أصبحت أسلوباً شائعاً أيضاً لترهيب الصحافيين وإسكاتهم.