تعيش الكتابة فترة صعبة بسبب ممارسات إقصائية تتبناها مواقع التواصل الاجتماعي من جهة، ومحرك البحث الرئيسي غوغل من جهة أخرى. وبحسب موقع "سيميلر ويب"، يتصدر "غوغل" المواقع الأكثر زيارة في العالم، يليه "يوتيوب" ثم "فيسبوك" ثم "تويتر". وكلها مواقع تحارب النصوص بسبب خوارزميتها، سواء لمسايرة "تيك توك" أو الذكاء الاصطناعي أو بسبب طبيعة بنائها.
بحسب تقرير حالة الإنترنت لـ2023، يقضي المستخدم شهرياً نحو 23 ساعة و28 دقيقة في الشهر على "تيك توك"، يليه مباشرة "يوتيوب" بـ23 ساعة و9 دقائق، وهما تطبيقان يعرضان الفيديو وليس الكتابة، وحجم الزيارات لهما لا يقارن بأي تطبيق تواصل اجتماعي آخر. ولا يحل في المرتبة الثالثة سوى "فيسبوك" بـ19 ساعة و43 دقيقة، وهو الذي يشاهد عليه المستخدمون 140 مليار فيديو في خدمة "ريلز" الشبيهة بـ"تيك توك" يومياً. والخدمة عنصر رئيسي تركز عليه استراتيجية "ميتا" في محاولة لمنافسة "تيك توك".
يأتي ذلك في ظل توجه عالمي عام نحو مزيد من استهلاك الفيديو. يقول تقرير عام 2023 الذي نشرته شركة التسويق عبر الإنترنت "أوبيرلو" إن استهلاك الفيديو عبر الإنترنت شهد ارتفاعاً ليبلغ متوسط 17 ساعة في الأسبوع.
ويشاهد 91.8 في المائة من مستخدمي الإنترنت في جميع أنحاء العالم مقاطع الفيديو الرقمية كل أسبوع. ويشمل ذلك مقاطع الفيديو الموسيقية والبرامج التعليمية ومقاطع الألعاب والمؤثرين وغيرهم.
الفيديو تضاعف أربع مرات في خمس سنوات
الفيديو لا يزداد مساحة فقط من حيث الاستهلاك، بل يأكل مساحة الأنواع الأخرى من المحتوى، بما في ذلك الكتابة. وفق تقرير لـ"أوبرلو" حصة الفيديو من الزيارات آخذة في الازدياد، إذ أشارت تقديرات 2022 إلى أن 82 في المائة من زيارات الإنترنت العالمية جاءت من بث الفيديو وتنزيلاته. واستهلك العالم 56 إكسابايت (ما يعادل مليار غيغابايت) من فيديو الإنترنت شهرياً في 2017. وتضاعف هذا الرقم أكثر من أربعة أضعاف ليصل إلى 240 إكسابايت شهرياً في 2022.
لا يقتصر الأمر على زيادة استهلاك مقاطع الفيديو المحمّلة. تُظهر دراسة أجرتها شركة "سيسكو" لتكنولوجيا الاتصالات، أن مشاهدات مقاطع الفيديو الحية على الإنترنت نمت بمقدار 15 ضعفاً في فترة الخمس سنوات من 2017 إلى 2022.
وبسبب الإقبال العالمي للألعاب، جمعت المنصات الرائدة في هذا القطاع حوالي 7.2 مليارات ساعة من المحتوى الذي شوهد خلال الربع الثالث من عام 2022، بحسب موقع "ستاتيستا" للإحصاءات.
المحتوى المكتوب على هامش الإنترنت
يتخبط المحتوى المكتوب بين عراقيل تضعها منصات التكنولوجيا المختلفة، آخرها المفاجأة السيئة التي أعلنتها شركة "غوغل" في مؤتمر المطورين الأخير. يعرف صُنّاع المحتوى أن "فيسبوك" يكره الروابط بأشكالها، لذا يقمع روابط المقالات المنشورات في المواقع الأخرى. وأكدت "ميتا"، مالكة "فيسبوك"، أن روابط المقالات الإخبارية لا تتعدى 3 في المائة مما يراه الأشخاص حول العالم في تايملاين الموقع الأزرق.
وفي حال فكر المستخدم في نشر النص مباشرة على "فيسبوك" يجب ألا يزيد النص على 50 حرفاً فقط. ووفقاً لتحليل لمحرّك "بازسيمو" عام 2016 لأكثر من 800 مليون منشور على "فيسبوك"، المشاركات التي تحتوي على أقل من 50 حرفاً هي "أكثر تحقيقاً للتفاعل من المنشورات المكتوبة الطويلة".
ويعتبر "فيسبوك" أن المحتوى الذي يتطلب جهداً أقل للاستهلاك والفهم يتمتع بمعدلات مشاركة أعلى، وذلك بمبرّر أن طول مدة قراءة الشخص يزيد صعوبة الاستيعاب والفهم، بحسب ما أورده موقع "هوت سوت".
وعلّق صنّاع المحتوى المكتوب الأمل على المقالات الفورية، وهي مقالات تنشر مباشرة على المنصات مثل "فيسبوك"، لكن تقارير أكّدت أن "ميتا" قرّرت التخلي عن هذه الخدمة في 2023، كجزء من تقليل استثماراتها في المحتوى الإخباري عموماً.
كذلك قرّرت "غوغل" التخلي عن أسلوب المقالات سريع التحميل، التي تظهر في قسم "أهم الأخبار".
أما "تويتر"، فبالإضافة إلى كره مديره الجديد، إيلون ماسك، العلني للصحافة، إلى حد إضافة رسالة أوتوماتيكية لصورة براز إلى الرسائل الإلكترونية عند الرد على تساؤلات الصحافيين، فإن عدد حروف النصوص في التغريدات محدود أصلاً.
وتفضّل خوارزمية "تويتر" المحتوى الغني بالعناصر البصرية أكثر من النص فقط. يؤكد موقع "هوت سوت" أن التفاعل مع المنشورات يزيد عند إضافة الصور والفيديو إلى النص.
قرّرت "غوغل" التخلي عن دعم المقالات
ماذا بقي للروابط؟ "غوغل"، وهو كذلك قرّر التخلي عن دعم المقالات. إذ أعلن في مؤتمر المطورين الأخير عن واجهة جديدة باسم "تجربة البحث التوليدية"، أو SGE اختصاراً، تعوض نتائج البحث ذات الروابط الزرقاء التقليدية كما نعرفها الآن.
وسوف تغيّر هذه الطريقة تماماً كيفية حصولنا على المعلومات، وقد تؤثر بشكل سلبي على الصحافة وصنّاع المحتوى، الذين يعتمدون على النقر على الروابط من أجل تحقيق الزيارات إلى المواقع والمدونات.
"غوغل" يعاني منافسة "تيك توك"
ولا تعاني "غوغل" منافسة الذكاء الاصطناعي فقط، بل من الفيديو أيضاً. يتخلى المستخدمون الأصغر سناً عن "غوغل" أثناء عمليات البحث والاكتشاف، ويلجؤون إلى منصات أخرى على رأسها "إنستغرام" و"تيك توك". قال نائب الرئيس الأول، برابهاكار راغافان، في مؤتمر Fortune's Brainstorm Tech: "في دراساتنا، ما يقرب من 40 في المائة من الشباب لا يقصدون محرك البحث أو خرائط غوغل عندما يبحثون عن مكان لتناول طعام الغداء، بل يتجهون إلى تيك توك أو إنستغرام".
وقد أقر مسؤول تنفيذي في "غوغل" بأن المزيد من المستخدمين يفضلون وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو في الاكتشاف والبحث، ما يعني المزيد من الابتعاد عن الكتابة لصالح الفيديو.